تزايدت جرائم السرقة والسطو المسلح في مدن وبلدات عراقية تم تحريرها مؤخرا من سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي، بعد أن أعيد إليها سكانها، كالموصل والرمادي وتكريت والفلوجة، متأثرة بتفشي الفقر والبطالة وتردي الحالة المعيشية للمواطنين، وما يمكن وصفه بـ"تركة داعش" التي خلفت روحاً إجرامية وعدم احترام القانون.
وسجلت في الشهر الأخير وحده ست جرائم سطو مسلح، و32 عملية سرقة في أربعة مدن مختلفة، نتج عنها مقتل مدنيين من أصحاب المنازل التي تعرضت للسطو، كان آخرهم مواطن في الرمادي قتل مع زوجته وأطفاله، وسرقت مبالغ مالية وحلي ذهبية من منزله ليلة السبت الماضي.
وقال مسؤول أمني عراقي لـ"العربي الجديد" إن "عمليات السرقة والسطو المسلح اتسعت دائرتها في المدن المحررة، وخاصة التي تم تحريرها حديثاً، وشملت السطو على منازل المواطنين العائدين، وبعض من لم يعودوا حتى الآن، وسرقة محتوياتها".
وأضاف المسؤول، والذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "المتابعات والمعلومات الاستخبارية لأجهزة الأمن في تلك المناطق كشفت أن ثقافة غياب القانون التي زرعها داعش في نفوس كثيرين عامل أساسي لتفشي تلك الجرائم"، مؤكدا اعتقال العديد من المجرمين، وأن أحد المعتقلين "مقطوعة يده، وعند سؤاله تبين أنه كان يسرق، وقامت داعش بقطع يده، ورغم ذلك لم يتب عن تلك الجريمة".
وفوجئ كثير من العائدين إلى منازلهم في المدن المحررة بسرقة ممتلكاتهم كالأثاث المنزلي والأجهزة الكهربائية، فيما حدثت عمليات سطو مسلحة أخرى على منازل مواطنين عائدين حديثاً إلى مناطقهم بعد فترة نزوح طويلة.
وبين الحقوقي ميثم الجبوري أن "مواطنين عادوا إلى مناطقهم المحررة، تقدموا بعشرات الشكاوى بسبب تعرض منازلهم للسرقة في غيابهم، أو للسطو المسلح في وجودهم داخل منازلهم، ولاحظنا تكرار هذه الظاهرة في المدن المحررة حديثاً".
وأكد الجبوري لـ"العربي الجديد" أن "المشكلة تكمن في توثيق هذه الدعاوى ضد مجهولين، لكن التحقيقات التي أجريت مع بعض المتهمين الذين ألقي القبض عليهم بينت أن البطالة والفقر بين العوامل المسببة لانتشار الجريمة".
وأوضح أن "التحقيقات بينت اشتراك مواطنين وعناصر أمن وعناصر من الحشد العشائري والحشد الشعبي في عمليات السطو المسلح التي حدثت لمواطنين داخل منازلهم، وسرقة أموالهم وممتلكاتهم تحت تهديد السلاح، لكن البطالة والفقر كانا السبب الرئيس حسب التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن مع عدد من المتهمين".
ويؤكد مراقبون أن تداخل عمل الأجهزة الأمنية والفساد المالي والإداري واشتراك عناصر من الأمن في عمليات الابتزاز والسطو سببت انتشار هذه الجرائم في المدن المحررة، ويقول الخبير الأمني سامر العبيدي إن "المدن المحررة تدار من قبل جهات عدة، منها الشرطة المحلية والحشدين العشائري والشعبي، فضلاً عن مليشيات تابعة لأحزاب سياسية مختلفة، وبسبب هذا التداخل الأمني وتعدد مصادر القرار، فضلاً عن انتشار الفساد والرشى، فتحت الأبواب أمام عمليات السرقة والسطو المسلح".
ويضيف العبيدي لـ"العربي الجديد": "الحكومة العراقية تحاصر المدن المحررة، وتخصص منفذاً واحداً بكل مدينة لدخول وخروج المواطنين، ما تسبب في تعطل الحياة الاقتصادية وانتشار الفقر، وارتفعت نسبة البطالة بشكل كبير، وفي ظل غياب الأمن وجد المجرمون فرصتهم للقيام بمثل هذه العمليات الإجرامية".
وقال الخبير الاقتصادي فاضل المعموري إن "الوضع المعيشي في المدن المحررة متدهور بسبب تعطل الحركة الاقتصادية نتيجة الحصار الخانق الذي تفرضه الحكومة المركزية على تلك المدن، فضلاً عن الدمار الهائل الذي لحق مئات المصانع والمعامل والأحياء الصناعية التي لا تسمح الحكومة بإعادة افتتاحها أو تأهيلها، وبالتالي انتشرت البطالة وارتفعت نسبة الفقر، وهنا أصبحنا أمام خطر انتشار الجريمة، وهو ما يحصل فعلاً".
ولفت إلى أن "أغلب الذين يقومون بعمليات سطو مسلح أو سرقة هم من المسنودين من قبل أجهزة الأمن أو الحشدين العشائري والشعبي من جهة، أو أصحاب السوابق أو بعض المدنيين ممن فقدوا أعمالهم بسبب الحرب، وضعاف النفوس الذين لا يردهم وازع ديني أو أخلاقي".
وانتشرت العديد من الظواهر غير الطبيعية في المدن المحررة، منها عمليات الابتزاز المالي في نقاط التفتيش لأجهزة الجيش والشرطة والحشد الشعبي ضد سائقي المركبات والتجار والمدنيين العابرين، فضلاً عن انتشار عمليات الابتزاز في أجهزة الشرطة ضد المعتقلين بتهم كيدية تنتهي بمساومة ذويهم على مبلغ مالي كبير مقابل إطلاق سراحهم.