تركي آل الشيخ.. هيمنة متعدّدة الأوجه

03 أكتوبر 2018

تركي آل الشيخ.. أحد أوجه سعودة مصر

+ الخط -
يمثل المستثمر السعودي، تركي آل الشيخ، حالة واضحة من الخلل في إدارة العلاقات المصرية - السعودية، فالرجل الذي يحاول التحكّم في الرياضة المصرية يتصرف وكأنه يملك ليس نادي بيراميدز الذي استحوذ عليه، أو القناة التي أنشأها للنادي، لكنه يملك قوة القرار والنفوذ في مصر، يشتري كل شيء بماله، بدايةً من الفنانين الذين يغنون كلماته "شعرا"، وصولا إلى تجمّع من النقاد الرياضيين، والإعلاميين، يرفع بيد سيفه في وجه من يعارضه، وماله باليد الأخرى لمن يستعد للتأييد المطلق والمداهنة والتزلّف، تتم عملية شراء الضمائر بطرق مفضوحة، من دون خجل أو مواربة، كان منها جلسة توزيع آلاف الدولارات على محرّرين رياضيين في أثناء اجتماعهم بالشيخ، وهو ما نقله بالتفاصيل صحافيون رفضوا منطق بيع الضمائر والكلمة والمواقف المصنوعة بالمال، لكن إعلاميين ونقادا ورجال سياسة راحوا يتمسّحون في آل الشيخ، منهم من كان يعارضه من قبل وانقلب على وجهه بالتأييد.
حين سأل معد تلفزيوني بائع عصائر مصريا: هل سيفوز نادي براميدز بالدوري المصري؟ أجابه البائع اللماح: هتدفعوا كام؟ كان الرد ترجمة واعية ودقيقة للمنطق الذي يحكم الصفقات، ويرفع شعار "أستطيع شراء كل ما يحلو لي بمالي". يتخيل أن كل شيء قابل للشراء، المجال الرياضي والثقافي والسياسي. إنه توظيف الثروة والمال من أجل الهيمنة، وأحيانا تخريب ثورات وانتفاضات الشعوب، عبر المؤامرات أو دعم قوى الإرهاب، ومساندة قوى الثورة المضادة في أغلب الأحيان.
يعيد مشهد الاستحواذ على المجال الرياضي إنتاج قواعد سبق ورسخها المتحكّمون في البناء 
السياسي والاقتصادي في مصر، سواء في ما يتعلق بحوافز الاستثمار والاستثناءات الممنوحة لمساندي النظام من قوى إقليمية، وواقعة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير مثال، تتبعها وقائع الاستيلاء على الأراضي والأصول والاستحواذ على الشركات، وصولا إلى الانخراط في تحالف إقليمي من دون فاعلية. إذاً، ترتبط محاولات الهيمنة على الرياضة المصرية بنمط تعاملٍ رسخت له الدولة في ملفات الاقتصاد، وما يتضمنه من نشاط وفرص وصفقات استثمارية، والتعامل مع دول الخليج بوصفها مصدرا للنقد، مهما كان ثمن الصفقات. ويتّضح هنا الخيط الرابط بين صفقات سياسية ورياضية، بيع جزر وأرض وشركات. الاستحواذ على نوادٍ رياضية، التوسّع في سوق الإنتاج الفني غناء وتمثيلا. التأثير في وسائل الإعلام المصري. إنها الصور المركبة من الهيمنة الثقافية والرياضية والسياسية والإعلامية، محاولات مترابطة للسيطرة على المجتمع والتأثير في الثقافة.. تركي آل الشيخ هنا حالة نموذجية للهيمنة عبر بوابة الاقتصاد والثقافة والرياضة.
ليس مستغربا هنا أن توفر لتركي آل الشيخ كل أدوات الحماية والدفاع، بداية من صفوفٍ تسانده بالحق والباطل، أو توجهات عليا من أجهزة الدولة المصرية بعدم المساس به في وسائل الإعلام، خصوصا وأنه مقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة.
من جانب آخر، تعد محاولات الهيمنة أحد أوجه سعودة مصر، سياسيا وثقافيا، والتي تجد أصداءها ليس في الرياضة فحسب، فهناك تأثيراتٌ على مستوى فوقي سلطوي ونخبوي، وأخرى على مستويات أقل، وكلتاهما تنطلق من المنطق نفسه، الزبونية، المصالح المشتركة. وقد أصبحت مقاهٍ مصرية كثيرة تبث أغنيات سعودية وخليجية، واستبدلت أغلب حفلات الفنادق الفنانين المصريين بآخرين خليجيين، سعوديين خصوصا، حتى كافتيريا نقابة الصحافيين لم تسلم من هذا النمط من الغناء. وبعضُ رؤساء الصحف المصرية دائمو الحضور لدى المسؤولين السعوديين، ويحجون إلى مكاتبهم، كما يذهبون إلى الحرم على نفقات الكفيل السعودي. وتعد هذه الموجة انعكاسا للحالة السياسية التي يُراد لها أن تكتمل بغطاء ثقافي، حتى أنك تشعر بأنها محاولات خلجنة لمصر، تحت تأثير قوة المال التي تحميها، وترعاها دوائر متنفذة في السلطة. أما معارضو هذا التوجه فيتم كيل الاتهامات لهم، بداية من الانتماء إلى الإخوان المسلمين، أو مناوءة الدولة، وإفساد العلاقات السعودية - المصرية، ومعاداة الاستثمار لتعطيل عجلة التنمية وإفساد العلاقة بين الأشقاء، وهو الخطاب السائد في الاتهامات التي يوجّهها إعلاميون معروفون بقربهم من السلطة، ويوظّفون للنهش في كل دوائر المعارضة والحركة الشبابية التي تنادي باستقلال مصر سياسيا، والحفاظ على كرامة الوطن، ورفض التدخلات في الشأن الرياضي والسياسي والثقافي المصري.
إجمالا، يمكن القول إن تدخلات رئيس الهيئة العامة للرياضة في السعودية، تركي آل الشيخ، لم تعد شأنا رياضيا، فهناك حالة غضب تجاه تصريحاته المتعجرفة التي يملأها الغرور والكبرياء 
مع تهديدٍ كثير، جديدها إعلانه وقف ضخ الاستثمارات في قطاع الرياضة، وأن الوجه الآخر سيظهر، ومطالبته بعقاب المسيئين، وتبعه انسحاب شركة "صلة" السعودية من دعم النادي الأهلي الذي كان رئيسا شرفيا له خمسة أشهر انتهت بعد تدخلاته المتكررة. وجاء قراره سحب ما يزيد عن ملياري جنيه مصري ردّا على هتافات جمهور النادي الأهلي في أثناء مباراة النادي مع منافسه الغيني في دوري أبطال أفريقيا، والتي أعلن فيها الجمهور بشكل حادّ وعنيف رفضه تدخلات آل الشيخ، الأمر الذي أغضب الرجل والموالين له، فطالب بموقف رسمي، يرد على ما تعرّض له من إساءة.
ويفتح انسحاب تركي آل الشيخ من الاستثمار الرياضي في مصر سيناريوهاتٍ عديدة، منها تراجعه عن القرار، واتخاذ قرار بحظر حضور الجمهور مباريات كرة القدم لاعتبارات أمنية وسياسية، أو انسحابه الفعلي وإيجاد بديلٍ آخر لتنفيذ ما أراد بالوكالة. وفي كل الأحوال، استطاع آل الشيخ أن يجمع أغلب جمهوري ناديي الأهلي والزمالك، بل وكثيرين من غير المهتمين بالشأن الرياضي، على موقف واحد محل اتفاق وتأييد مشترك، وهو رفض تدخلاته في الرياضة المصرية، بوصف هذه التدخلات من أشكال الهيمنة على المجتمع المصري.
D75BB17B-0520-4715-86EC-B6995DA95615
عصام شعبان

باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة القاهرة، أحد مؤسسي الجمعية الوطنية للتغيير، عضو المجلس الأعلى للثقافة لدورتين متتالتين، عضو شعبة العلوم الاجتماعية. أحد كتاب الرأى في صحيفة وموقع "العربي الجديد".يقول: "نفعل كما يفعل السجناء، نربي الأمل".