19 أكتوبر 2019
تركيا والصواريخ الروسية وأميركا والناتو
بقرارها التزود بصواريخ أس - 400 الروسية المتطورة، في العام 2017 (بقيمة 2،5 مليار دولار)، على الرغم من تحذيرات أميركية، دخلت تركيا في صراع مع الأخيرة ومع حلف شمال الأطلسي (الناتو) الذي تشكل، بحكم موقعها الجيوسياسي، ركيزته الشرقية. والقضية مرجّحة للتصعيد (احتمال عقوبات أميركية)، خصوصا مع تسلم تركيا أولى شحنات هذه الصواريخ في شهر يوليو/ تموز الجاري. صحيحٌ أن العلاقة بين تركيا من جهة وأميركا و"الناتو" من جهة ثانية كانت دائماً معقدة، سيما أن تركيا تعيب على أميركا عدم تزويدها بما تريده من الأسلحة، بسبب الخلاف التركي – اليوناني، والحقيقة أن اليونان تعيب على أميركا الأمر نفسه.
يثير اقتناء تركيا منظومة الصواريخ الروسية عدة تساؤلات بشأن القرار التركي والإستراتيجية الروسية والموقفين، الأميركي والأطلسي. وليست هذه المرة الأولى التي تشتري فيها دولة عضو في الحلف الأطلسي أسلحة روسية، فقد سبق لليونان وبلغاريا وسلوفاكيا أن اقتنت صواريخ أس - 300 الروسية. اشترتها اليونان في تسعينيات القرن الماضي معبرة عن امتعاضها من عدم تزويدها من الولايات المتحدة بما تريده من أسلحة لمواجهة تركيا. فلماذا إذا تبدي أميركا و"الناتو" انشغالاً وقلقاً من تزود تركيا بمنظومة الصواريخ الروسية المتقدمة؟ عسكرياً، تثير هذه الصفقة ثلاث مسائل أساسية.
أولا، تتخوف الولايات المتحدة من أن تؤثر صواريخ أس - 400 المزودة بنظام رادار متقدّم
جداً على منظومة الدفاع الجوي الأميركية والأطلسية (التابعة لحلف الناتو). ثانياً تقول أميركا و"الناتو" إن الصواريخ الروسية لا تتوافق والمعايير المعمول بها في الحلف الذي تقوم إستراتيجية دوله على تطوير نظم تسلح متطابقة عملياتياً. ثالثاً، تتخوف الولايات المتحدة من أن يستغل الطاقم العسكري الروسي الموجود في تركيا لتدريب العسكريين التركيين على استخدام صواريخ أس - 400 الفرصة لاكتشاف أسرار تكنولوجية أميركية وأطلسية، خصوصا في ما يتعلق بطائرة أف - 35 المتطورة.
فضلا عن هذه الاعتبارات العسكرية، الإستراتجية البعد، هناك اعتبار أهم، أن الصفقة دلالة على وجود إستراتيجية روسية لدق إسفين بين أميركا وحلفائها وبين دول "الناتو" عموماً، فبعد التصعيد شرقاً لوقف الزحف الأطلسي عند مشارف الحدود الغربية لأوكرانيا، تبنّت روسيا، في سياق الأزمة السورية، توجهاً إستراتيجياً جديداً يقضي بتوظيف صادراتها للأسلحة لخدمة مخطط إستراتيجي، مستغلة توتر العلاقة بين تركيا وأميركا بسبب موقف الأخيرة من أكراد العراق وأكراد سورية. وتثير هذه الإستراتيجية الروسية قلق واشنطن و"الناتو". من هذا المنظور، يمكن القول إن روسيا نجحت في إحداث التوتر بين الحلفاء، مزعزعة العلاقة الإستراتيجية بين تركيا وحلفائها، سيما الولايات المتحدة.
ازداد قلق أميركا بعد تجاهل تركيا أردوغان تحذيراتها وتهديداتها، فحتى ترغم تركيا على العدول عن صفقة الصواريخ الروسية، علقت واشنطن تدريب الطيارين الأتراك، في قواعدها العسكرية، على قيادة الطائرة العسكرية الأميركية الجديدة أف - 35. وتهدّد باستبعاد تركيا من برنامج هذه الطائرة الذي تشارك فيه تركيا عبر مؤسساتها للصناعات العسكرية.
يمثل التقارب الإستراتيجي التركي - الروسي مشكلة إستراتيجية لأميركا وحلف الناتو، فهو
اختراق روسي لمنطقة الحلف في ظرف قياسي. ويبدو أن هذا ما تسعى إليه تركيا أردوغان التي يبدو أنها تصفي حسابات مع حلفائها، على طريقتها الخاصة، فأوروبا ترفض عملياً انضمامها للاتحاد أو على الأقل تتماطل في التفاوض الجدي بشأن هذه المسألة، خصوصا مع اتساع الهوة بين الطرفين، بسبب التوجهات التسلطية لحكم أردوغان. ولا مبالغة في القول إن النفور متبادل، لأن تركيا تبدو اليوم أقل اهتماماً بأوروبا. أما علاقتها مع أميركا فليست على أحسن حال. يعود الخلاف بينهما إلى الغزو الأميركي للعراق، وما تلاه من دعم أميركي لأكراد العراق، ثم أكراد سورية، مع اندلاع الحرب الأهلية في الأخيرة، بامتداداتها الإقليمية والدولية. ومن ثم فقرار تزودها بصواريخ روسية لما يأت من فراغ، بل جاء في سياق تنافسي إقليمياً ودولياً، لكل فاعل فيه حساباته الخاصة.
واضح أن الابتعاد التركي تدريجياً عن أوروبا، عن الولايات المتحدة و"الناتو"، لصالح التقارب مع روسيا، يندرج ضمن إستراتيجية الانعتاق الإستراتيجي عن الحلفاء الغربيين. وفي الوقت نفسه، يمكن اعتبار صفقة الصواريخ الروسية مراهنة من تركيا أردوغان على اختبار مدى قيمتها الإستراتيجية عند حلفائها الغربيين، فمجرد تعبير هؤلاء عن قلقهم وانشغالهم لهذه الصفقة التركية - الروسية دلالة على أنهم يعتبرونها حلقة أساسية في إستراتيجيتهم. ولكن في هذه المراهنة التركية مخاطرة أيضاً، لأن التوجهات التسلطية لأردوغان، وتراجع الحريات في تركيا، تجعل الأخيرة تفقد المدافعين عنها من بين حلفائها.
يثير اقتناء تركيا منظومة الصواريخ الروسية عدة تساؤلات بشأن القرار التركي والإستراتيجية الروسية والموقفين، الأميركي والأطلسي. وليست هذه المرة الأولى التي تشتري فيها دولة عضو في الحلف الأطلسي أسلحة روسية، فقد سبق لليونان وبلغاريا وسلوفاكيا أن اقتنت صواريخ أس - 300 الروسية. اشترتها اليونان في تسعينيات القرن الماضي معبرة عن امتعاضها من عدم تزويدها من الولايات المتحدة بما تريده من أسلحة لمواجهة تركيا. فلماذا إذا تبدي أميركا و"الناتو" انشغالاً وقلقاً من تزود تركيا بمنظومة الصواريخ الروسية المتقدمة؟ عسكرياً، تثير هذه الصفقة ثلاث مسائل أساسية.
أولا، تتخوف الولايات المتحدة من أن تؤثر صواريخ أس - 400 المزودة بنظام رادار متقدّم
فضلا عن هذه الاعتبارات العسكرية، الإستراتجية البعد، هناك اعتبار أهم، أن الصفقة دلالة على وجود إستراتيجية روسية لدق إسفين بين أميركا وحلفائها وبين دول "الناتو" عموماً، فبعد التصعيد شرقاً لوقف الزحف الأطلسي عند مشارف الحدود الغربية لأوكرانيا، تبنّت روسيا، في سياق الأزمة السورية، توجهاً إستراتيجياً جديداً يقضي بتوظيف صادراتها للأسلحة لخدمة مخطط إستراتيجي، مستغلة توتر العلاقة بين تركيا وأميركا بسبب موقف الأخيرة من أكراد العراق وأكراد سورية. وتثير هذه الإستراتيجية الروسية قلق واشنطن و"الناتو". من هذا المنظور، يمكن القول إن روسيا نجحت في إحداث التوتر بين الحلفاء، مزعزعة العلاقة الإستراتيجية بين تركيا وحلفائها، سيما الولايات المتحدة.
ازداد قلق أميركا بعد تجاهل تركيا أردوغان تحذيراتها وتهديداتها، فحتى ترغم تركيا على العدول عن صفقة الصواريخ الروسية، علقت واشنطن تدريب الطيارين الأتراك، في قواعدها العسكرية، على قيادة الطائرة العسكرية الأميركية الجديدة أف - 35. وتهدّد باستبعاد تركيا من برنامج هذه الطائرة الذي تشارك فيه تركيا عبر مؤسساتها للصناعات العسكرية.
يمثل التقارب الإستراتيجي التركي - الروسي مشكلة إستراتيجية لأميركا وحلف الناتو، فهو
واضح أن الابتعاد التركي تدريجياً عن أوروبا، عن الولايات المتحدة و"الناتو"، لصالح التقارب مع روسيا، يندرج ضمن إستراتيجية الانعتاق الإستراتيجي عن الحلفاء الغربيين. وفي الوقت نفسه، يمكن اعتبار صفقة الصواريخ الروسية مراهنة من تركيا أردوغان على اختبار مدى قيمتها الإستراتيجية عند حلفائها الغربيين، فمجرد تعبير هؤلاء عن قلقهم وانشغالهم لهذه الصفقة التركية - الروسية دلالة على أنهم يعتبرونها حلقة أساسية في إستراتيجيتهم. ولكن في هذه المراهنة التركية مخاطرة أيضاً، لأن التوجهات التسلطية لأردوغان، وتراجع الحريات في تركيا، تجعل الأخيرة تفقد المدافعين عنها من بين حلفائها.