لقيت موافقة البرلمان التركي على طلب الحكومة السماح للجيش بالتدخل ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ردّ فعل إيرانياً فورياً على قرار تراه طهران أنه سيزيد الأمور تعقيداً في المنطقة.
لم تتأخر طهران في نقل رد فعلها إلى المسؤولين الأتراك، إذ أجرى وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، اتصالاً هاتفياً بنظيره التركي، مولود جاووش أوغلو، ليعرب عن قلق بلاده من القرار التركي.
انتقد ظريف الخطوة التركية، بحسب ما نقلت المواقع الرسمية الإيرانية، معتبراً أنه "على دول المنطقة العمل على تحمّل المسؤولية بجدية، وعدم جرّ المنطقة إلى أوضاع أكثر تأزماً".
وركّزت بعض المواقع الإيرانية على رفض بعض الأحزاب التركية لقرار البرلمان، الذي صوّت عليه 298 نائباً، فيما اعترض عليه 98 آخرون، في مقدمتهم نواب حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، الذين اعتبروا أن "الهدف من توجيه ضربات للتنظيم، يحمل بين طياته هدف إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد".
من جهتها، رفضت حكومة أحمد داود أوغلو هذه الاتهامات، موضحة أن قرارها قد لا يعني انضماماً فورياً لتحالف الحرب على "داعش"، الذي شكّلته الولايات المتحدة، ولكنه يمنح الجيش التركي الحق في الهجوم على التنظيم والرد على ضرباته، وهو الذي تحوّل إلى أمر واقع مع تصريحات أوغلو نفسه، اليوم الجمعة، حين تحدث عن أن بلاده لن تسمح بسقوط مدينة عين العرب، الكردية المحاصرة من قبل التنظيم، في الشمال السوري.
وفي الوقت ذاته، منح قرار البرلمان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساحة أكبر للدخول إلى معادلة الحرب على "داعش" عملياً، قبل جرّه إليها من قبل قوات التحالف الدولية.
ويرى مراقبون أن "الساحة في سورية تهم تركيا أكثر من العراق حالياً، فالتنظيم بات يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي التركي من هذه الجهة، ومن جهة ثانية يفصل إقليم كردستان العراق بين تركيا وداعش، فالجبهة هناك لا تشكل الخطر ذاته الموجود على الجبهة السورية الآن".
وسيرتب قرار البرلمان مسؤولية كبرى على أنقرة، التي ستجد نفسها أمام مواجهة مع "داعش"، ما قد يقلب المعادلة إلى تحالف تركي ـ سعودي بدعم أردني، يشنّ ضربات شديدة على التنظيم في سورية، ويتحمّل المسؤولية الكبرى في هذا الشأن بدلاً من واشنطن.
كل هذا يعيد التنافس الإيراني التركي إلى الواجهة، وهو تنافس تاريخي بين بلدين يلعبان دوراً كبيراً في تقليب أوراق الملفات في المنطقة، يحتد أحياناً ولكنه كلما احتد كان يحاول الطرفان احتواء الموقف، والحفاظ على علاقات قوية تربطهما بعيداً من الخلافات الإقليمية.
إلا أن النظام السوري يبقى خطاً أحمر بالنسبة لإيران، وهي جملة كررها المسؤولون الإيرانيون كثيراً منذ بدء الأزمة في سورية، ما أشعل نار الخلاف مع أنقرة قبل ثلاث سنوات، منذ اتخاذها موقفاً داعماً للاحتجاجات في سورية، إذ تحوّلت الأخيرة إلى ساحة صراع ترتبط ارتباطاً مباشراً بالأمن القومي لكلا البلدين، ما دفعهما للمسارعة إلى نيل نفوذ إقليمي أكبر بالاستفادة من مواقفهما المتباينة حول ما يجري في سورية.
وعلى الرغم من الخلاف، تكررت الزيارات واللقاءات بين مسؤولي البلدين، وحاول الطرفان خلال زيارة أردوغان إلى طهران قبل توليه الرئاسة، وزيارة روحاني إلى أنقرة، أن يتقاربا في وجهات النظر حول سورية، وطرح صيغة لحلول مشتركة لتسوية الأزمة برعاية دولية، غير أن هذا قد جرى قبل التقدم الكبير لـ"داعش" على الأرض.
ويقول الخبراء، إن "سورية هي الساحة الأهمّ بالنسبة لإيران التي رفضت الانضمام للتحالف الدولي، كونها تشكك بالنوايا الأميركية والتي تهدف لتوجيه ضربة لاحقة لنظام الرئيس السوري، بشار الأسد"، وهو ما قاله مسؤولوها في تصريحات علنية، بدأت من المرشد الأعلى، علي خامنئي، الذي أعلن رفض الانضمام لحلف تتزعمه واشنطن.
ومن المرجح أن يفضي القرار التركي إلى تشنج في العلاقات بين طهران وأنقرة من جديد، لكن كما جرت العادة، يقول المراقبون، فإن الطرفين سيحاولان الحفاظ على مسار العلاقات التي تقوم على مصالح ثنائية مشتركة على الرغم من التنافس على الملفات الإقليمية، فبين طهران وأنقرة ميزان تبادل تجاري يتجاوز الـ10 مليارات دولار.
وستشهد الفترة المقبلة زيارات إيرانية إلى تركيا، كما حدث مع بدايات الأزمة في سورية قبل ثلاثة أعوام، ولكن هذا الأمر قد يعني زيادة القلق الإيراني من هذه الحرب الإقليمية على "داعش"، والتي إن دخلتها تركيا بجيشها وعتادها فسيكون هذا كفيلاً بتغيير موازين القوى، هذا بعد أن حاولت طهران استرجاع مكانتها بدعمها للحرب على "داعش"، وتقديمها للعون في العراق بالذات، إلا أن دخول تركيا إلى ساحة الصراع على الأرض، أمر يقض مضجع الإيرانيين ولاسيما أنه أمر متعلق بسورية، وبميزان القوة في المنطقة.