تبدو الحرب بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، في هذه الأيام، أكثر من أي وقت مضى، حرباً من دون أفق يسمح للجيش والأمن التركيين بحسمها، نظراً لأسباب عديدة أبرزها أن حرب عصابات مماثلة يعجز أي جيش في العالم في إنهائها بالكامل، وخصوصاً أن الحديث يدور عن حرب يتقنها حزب "متمرس" في القتال الأهلي في مناطق ذات غالبية كردية تحتضن مقاتليه، ومجهز بالمقاتلين والسلاح بقدرات متعاظمة وتقنيات يبدو معها الحل السياسي حلاً وحيداً للأزمة الكردية التي تتشابك فيها العوامل الداخلية بالظروف والمعطيات الإقليمية.
هذه هي حكمة السنين الأربعين الماضية، أي منذ أن بدأ العمل المسلح للحزب الكردي القومي، ضد مؤسسات الدولة التركية، في حرب أهلية متقطعة أودت بحياة عشرات الآلاف حتى الآن. وصارت حصيلة قتلى الجيش والشرطة التركيين، في الأيام القليلة الماضية، ثقيلة جداً، ما يطرح التساؤلات عن أفق حلّها عسكرياً أو بوقف جديد لإطلاق النار مثل الذي سبق ودام ثلاث سنوات خلال مرحلة "عملية السلام" أو المفاوضات السياسية التي توقفت خلالها لغة السلاح.
وتصاعدت هجمات حزب العمال الكردستاني على قوات الأمن والجيش التركي خلال الأيام الأخيرة، بينما رد الأخير بشن حملة واسعة النطاق تجاه معاقل الأخير في كل من جنوب شرق تركيا وشمال العراق، لينفجر الوضع بالكامل بشكل غير مسبوق منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تاريخ آخر مرة اجتاز فيها الجيش التركي الحدود نحو الداخل العراقي.
وقامت فرقتان تابعتان للقوات الخاصة التركية برفقة 8 مجموعات من قوات الدرك الخاصة، بالعبور نحو الأراضي العراقية، مدعومة بتغطية جوية، أمس الثلاثاء، لملاحقة العناصر التابعة للكردستاني، مما أدى إلى مقتل ما يقارب المئة من عناصر الكردستاني، بحسب ما أكدته مصادر عسكرية تركية.
واشتعلت المواجهات بين الجانبين مجدداً، بعدما قامت عناصر تابعة للعمال الكردستاني، مساء الأحد، بالهجوم على قافلة عسكرية تركية، في منطقة داغلجا في ولاية هكاري جنوب شرقي البلاد، مما أسفر عن مقتل 16 جندياً تركيا وجرح 6 آخرين، ليرد الجيش التركي، بشن غارات جوية واسعة على معاقل الحزب داخل تركيا وفي شمال العراق.
وبحسب هيئة الأركان التركية، فقد شارك في الغارات التي انطلقت من ولاية دياربكر، 35 طائرة من طراز "إف 16" و"إف 4"، استهدفت مجموعات تابعة للكردستاني كانت تهم بالفرار باتجاه شمال العراق، الأمر الذي أسفر عن مقتل نحو أربعين عنصراً منها، كما شملت الغارات أيضاً معسكرات للمنظمة في شمال العراق، منها "هاكورك" و"أفشين" و"متينا" و"باسيان" و"كاره" و"زاب"، ومعسكرات جبال "قنديل" المحاذية للحدود العراقية – لإيرانية.
يأتي هذا بينما فجر عناصر لحزب العمال، يوم الثلاثاء، عبوات ناسفة، أثناء مرور عربات أمنية تقل عناصر للشرطة التركية، في ولاية إيغدير شرقي البلاد، أثناء توجهها لمعبر ديلوجو الحدودي مع أذربيجان، مما أسفر عن مقتل 14 شرطياً.
اقرأ أيضاً: معارك "الكردستاني" تؤزم سجال الانتخابات التركية المبكرة
يؤكد البروفيسور مسعود حقي جاشن، العسكري السابق والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، أن العمال الكردستاني استغل وقف إطلاق النار لسنوات ثلاث، لتجهيز نفسه للاشتباكات، قائلاً: "استغل الكردستاني وقف إطلاق النار مع الجيش التركي، لمراقبة الطرقات التي يسلكها الأخير، والتي يعدّ جزء كبير منها أراضي جبلية، فعمد إلى زرع ألغام على هذه الطرقات وفي المنافذ الهامة فيها، مما يمكن أن نسميه عبوات نائمة".
ويضيف جاشن أنه "عندما توضع هذه العبوات، يستطيع المتخصصون أن يميزوها، لكن هذه العبوات كانت مزروعة هناك منذ أشهر، ويستطيع جهاز الجامر أن يقوم بالتشويش على الأجهزة التي تتولى تفجيرها عن بُعد، ولكن الكردستاني عاد إلى طرقه القديمة المتمثلة بوصل هذه العبوات بأسلاك طويلة تحت الأرض، التي بدورها يتم وصلها ببطاريات 24 أو 12 فولت، قادرة على تفجير العبوة عن بعد. أما نوع المتفجرات التي يجري استخدامها فهي إما a4 أو C4، وهي نوع المتفجرات التي كان ينتجها الاتحاد السوفياتي السابق، وهي متوافرة في السوق السوداء".
وبينما بدأت التقارير الإعلامية التركية تتحدث عن استغلال حزب العمال الكردستاني لمناطق الإدارة الذاتية التي أعلن عنها جناحه السوري أي الاتحاد الديمقراطي في سورية، كممر لنقل السلاح وتخزينه في جنوب شرقي تركيا، يؤكد جاشن، الأستاذ في الكلية الحربية التركية، بأن المناطق المضطربة في كل من سورية والعراق هي المصدر الرئيسي لسلاح الكردستاني، قائلاً إن "المتفجرات التي يجري استخدامها ذات منشأ روسي وأوكراني، أما باقي التجهيزات فيجري الحصول عليها من الجيش السوري، حيث بات واضحاً مدى التعاون بين كل من النظام السوري والكردستاني عبر الاتحاد الديمقراطي، سواء عبر الدعم المباشر الذي يتلقاه الكردستاني من الجيش السوري، أو من خلال الأسلحة التي اغتنمها من معاركه مع داعش".
ويلفت الخبير العسكري إلى أن "هناك فرقاً واضحاً بين الكردستاني القديم والكردستاني الذي نواجهه حالياً، لقد بات بمقدوره الوصول إلى أسلحة أثقل بسهولة أكبر، بما فيها مضادات الدروع". ويضيف أن "الخبرات التي اكتسبها العمال الكردستاني بالقتال مع داعش، ومن ثم التدريبات والأسلحة التي تلقاها من بعض الدولة الغربية في الحرب على داعش، جعلته أقوى، وقد نجد نفسنا في وقت ما نواجه مضادات طائرات ومضادات دروع".
ورغم أن هذه الحرب المستمرة منذ عقود لا أفق حسم فيها، إلا أن الثابت في استراتيجية حزب العمال الكردستاني يرتكز على محورين: الأول هو الضغط على السكان المحليين عبر الاشتباكات في المدن، لدفعهم إلى الانتفاضة على أنقرة. أما الركيزة الثانية فهي إيجاد حالة من عدم الاستقرار في عموم البلاد والضغط على الحكومة التركية عبر التكيز على أرقام القتلى من الجيش التركي، لإعادتها إلى التفاوض معه، بعد محاولاتها تهميشه واستبداله بحزب الشعوب الديمقراطي كممثل وحيد، ووضع عملية السلام في البرلمان التركي، وبالتالي تحويلها إلى مسيرة بطيئة تعتمد على التفاوض مع مختلف الأحزاب التركية للحصول على الحقوق الكردية، مع استمرار سياسات الاستيعاب التي تعمل عليها أنقرة منذ سنوات.
ويقول جاشن: "يحاول العمال الكردستاني دفع المواطنين إلى الانتفاضة، كما فعل أثناء أحداث أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي أثناء الاحتجاجات المؤيدة لمدينة عين العرب السورية، وذلك بإدخال تركيا في دوامة أكبر من العنف، عبر نقل الاشتباكات إلى داخل المدن والبلدات، بحفر الخنادق بين الأحياء وفي الطرقات، وإعلان الإدارة الذاتية، ومحاولة دفع المدنيين إلى المواجهة مع الجيش التركي، الأمر الذي بدا الجيش وقوات الأمن التركية واعيين تماماً له حتى الآن. لكن مع ازدياد جرعات العنف، سيكون تجنيب المدنيين ويلات الحرب أقرب إلى المستحيل".
من جانبه، يؤكد إديب بِشار الجنرال المتقاعد في الجيش التركي، في تصريح صحافي، أن اللعبة الآن هي لعبة حرب نفسية أكثر من كونها لعبة تدمير عسكرية، قائلاً "هناك خسائر مادية ترافق التفجيرات، لكن أيضاً هناك خسائر نفسية موازية ومساوية، إذ يحاول الكردستاني دفع المجتمع التركي مع ازدياد أعداد القتلى، إلى النقطة التي يقول بها: يكفي، أعطوهم ما يريدون... وبالتالي الضغط على الساسة لتقديم تنازلات".
اقرأ أيضاً تركيا: تظاهرات غاضبة تنديداً باعتداءات "الكردستاني"
هذه هي حكمة السنين الأربعين الماضية، أي منذ أن بدأ العمل المسلح للحزب الكردي القومي، ضد مؤسسات الدولة التركية، في حرب أهلية متقطعة أودت بحياة عشرات الآلاف حتى الآن. وصارت حصيلة قتلى الجيش والشرطة التركيين، في الأيام القليلة الماضية، ثقيلة جداً، ما يطرح التساؤلات عن أفق حلّها عسكرياً أو بوقف جديد لإطلاق النار مثل الذي سبق ودام ثلاث سنوات خلال مرحلة "عملية السلام" أو المفاوضات السياسية التي توقفت خلالها لغة السلاح.
وتصاعدت هجمات حزب العمال الكردستاني على قوات الأمن والجيش التركي خلال الأيام الأخيرة، بينما رد الأخير بشن حملة واسعة النطاق تجاه معاقل الأخير في كل من جنوب شرق تركيا وشمال العراق، لينفجر الوضع بالكامل بشكل غير مسبوق منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012، تاريخ آخر مرة اجتاز فيها الجيش التركي الحدود نحو الداخل العراقي.
وقامت فرقتان تابعتان للقوات الخاصة التركية برفقة 8 مجموعات من قوات الدرك الخاصة، بالعبور نحو الأراضي العراقية، مدعومة بتغطية جوية، أمس الثلاثاء، لملاحقة العناصر التابعة للكردستاني، مما أدى إلى مقتل ما يقارب المئة من عناصر الكردستاني، بحسب ما أكدته مصادر عسكرية تركية.
واشتعلت المواجهات بين الجانبين مجدداً، بعدما قامت عناصر تابعة للعمال الكردستاني، مساء الأحد، بالهجوم على قافلة عسكرية تركية، في منطقة داغلجا في ولاية هكاري جنوب شرقي البلاد، مما أسفر عن مقتل 16 جندياً تركيا وجرح 6 آخرين، ليرد الجيش التركي، بشن غارات جوية واسعة على معاقل الحزب داخل تركيا وفي شمال العراق.
وبحسب هيئة الأركان التركية، فقد شارك في الغارات التي انطلقت من ولاية دياربكر، 35 طائرة من طراز "إف 16" و"إف 4"، استهدفت مجموعات تابعة للكردستاني كانت تهم بالفرار باتجاه شمال العراق، الأمر الذي أسفر عن مقتل نحو أربعين عنصراً منها، كما شملت الغارات أيضاً معسكرات للمنظمة في شمال العراق، منها "هاكورك" و"أفشين" و"متينا" و"باسيان" و"كاره" و"زاب"، ومعسكرات جبال "قنديل" المحاذية للحدود العراقية – لإيرانية.
يأتي هذا بينما فجر عناصر لحزب العمال، يوم الثلاثاء، عبوات ناسفة، أثناء مرور عربات أمنية تقل عناصر للشرطة التركية، في ولاية إيغدير شرقي البلاد، أثناء توجهها لمعبر ديلوجو الحدودي مع أذربيجان، مما أسفر عن مقتل 14 شرطياً.
اقرأ أيضاً: معارك "الكردستاني" تؤزم سجال الانتخابات التركية المبكرة
يؤكد البروفيسور مسعود حقي جاشن، العسكري السابق والخبير في شؤون مكافحة الإرهاب، لـ"العربي الجديد"، أن العمال الكردستاني استغل وقف إطلاق النار لسنوات ثلاث، لتجهيز نفسه للاشتباكات، قائلاً: "استغل الكردستاني وقف إطلاق النار مع الجيش التركي، لمراقبة الطرقات التي يسلكها الأخير، والتي يعدّ جزء كبير منها أراضي جبلية، فعمد إلى زرع ألغام على هذه الطرقات وفي المنافذ الهامة فيها، مما يمكن أن نسميه عبوات نائمة".
ويضيف جاشن أنه "عندما توضع هذه العبوات، يستطيع المتخصصون أن يميزوها، لكن هذه العبوات كانت مزروعة هناك منذ أشهر، ويستطيع جهاز الجامر أن يقوم بالتشويش على الأجهزة التي تتولى تفجيرها عن بُعد، ولكن الكردستاني عاد إلى طرقه القديمة المتمثلة بوصل هذه العبوات بأسلاك طويلة تحت الأرض، التي بدورها يتم وصلها ببطاريات 24 أو 12 فولت، قادرة على تفجير العبوة عن بعد. أما نوع المتفجرات التي يجري استخدامها فهي إما a4 أو C4، وهي نوع المتفجرات التي كان ينتجها الاتحاد السوفياتي السابق، وهي متوافرة في السوق السوداء".
وبينما بدأت التقارير الإعلامية التركية تتحدث عن استغلال حزب العمال الكردستاني لمناطق الإدارة الذاتية التي أعلن عنها جناحه السوري أي الاتحاد الديمقراطي في سورية، كممر لنقل السلاح وتخزينه في جنوب شرقي تركيا، يؤكد جاشن، الأستاذ في الكلية الحربية التركية، بأن المناطق المضطربة في كل من سورية والعراق هي المصدر الرئيسي لسلاح الكردستاني، قائلاً إن "المتفجرات التي يجري استخدامها ذات منشأ روسي وأوكراني، أما باقي التجهيزات فيجري الحصول عليها من الجيش السوري، حيث بات واضحاً مدى التعاون بين كل من النظام السوري والكردستاني عبر الاتحاد الديمقراطي، سواء عبر الدعم المباشر الذي يتلقاه الكردستاني من الجيش السوري، أو من خلال الأسلحة التي اغتنمها من معاركه مع داعش".
ويلفت الخبير العسكري إلى أن "هناك فرقاً واضحاً بين الكردستاني القديم والكردستاني الذي نواجهه حالياً، لقد بات بمقدوره الوصول إلى أسلحة أثقل بسهولة أكبر، بما فيها مضادات الدروع". ويضيف أن "الخبرات التي اكتسبها العمال الكردستاني بالقتال مع داعش، ومن ثم التدريبات والأسلحة التي تلقاها من بعض الدولة الغربية في الحرب على داعش، جعلته أقوى، وقد نجد نفسنا في وقت ما نواجه مضادات طائرات ومضادات دروع".
ورغم أن هذه الحرب المستمرة منذ عقود لا أفق حسم فيها، إلا أن الثابت في استراتيجية حزب العمال الكردستاني يرتكز على محورين: الأول هو الضغط على السكان المحليين عبر الاشتباكات في المدن، لدفعهم إلى الانتفاضة على أنقرة. أما الركيزة الثانية فهي إيجاد حالة من عدم الاستقرار في عموم البلاد والضغط على الحكومة التركية عبر التكيز على أرقام القتلى من الجيش التركي، لإعادتها إلى التفاوض معه، بعد محاولاتها تهميشه واستبداله بحزب الشعوب الديمقراطي كممثل وحيد، ووضع عملية السلام في البرلمان التركي، وبالتالي تحويلها إلى مسيرة بطيئة تعتمد على التفاوض مع مختلف الأحزاب التركية للحصول على الحقوق الكردية، مع استمرار سياسات الاستيعاب التي تعمل عليها أنقرة منذ سنوات.
ويقول جاشن: "يحاول العمال الكردستاني دفع المواطنين إلى الانتفاضة، كما فعل أثناء أحداث أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي أثناء الاحتجاجات المؤيدة لمدينة عين العرب السورية، وذلك بإدخال تركيا في دوامة أكبر من العنف، عبر نقل الاشتباكات إلى داخل المدن والبلدات، بحفر الخنادق بين الأحياء وفي الطرقات، وإعلان الإدارة الذاتية، ومحاولة دفع المدنيين إلى المواجهة مع الجيش التركي، الأمر الذي بدا الجيش وقوات الأمن التركية واعيين تماماً له حتى الآن. لكن مع ازدياد جرعات العنف، سيكون تجنيب المدنيين ويلات الحرب أقرب إلى المستحيل".
من جانبه، يؤكد إديب بِشار الجنرال المتقاعد في الجيش التركي، في تصريح صحافي، أن اللعبة الآن هي لعبة حرب نفسية أكثر من كونها لعبة تدمير عسكرية، قائلاً "هناك خسائر مادية ترافق التفجيرات، لكن أيضاً هناك خسائر نفسية موازية ومساوية، إذ يحاول الكردستاني دفع المجتمع التركي مع ازدياد أعداد القتلى، إلى النقطة التي يقول بها: يكفي، أعطوهم ما يريدون... وبالتالي الضغط على الساسة لتقديم تنازلات".
اقرأ أيضاً تركيا: تظاهرات غاضبة تنديداً باعتداءات "الكردستاني"