تركيا: لا تدخّل أميركياً في عملية السلام مع "العمال"

20 نوفمبر 2014
سينال أوجلان امتيازات اضافية في سجنه (أريس ميسينس/فرانس برس)
+ الخط -

شهدت الأزمة التي أثارتها احتجاجات التضامن مع مدينة عين العرب السورية ذات الغالبية الكردية، بين الحكومة التركية وحزب "العمال" الكردستاني، حلحلة كبيرة بعد تصريحات الطرفين، التي أكدا فيها التزامهما بعملية السلام، والرغبة بالوصول إلى حلّ ينهي القضية الكردية في تركيا عبر الحوار.

وجاء ذلك، بعد اللقاء الذي جمع نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أكدوغان، وثلاثة من نواب حزب "الشعوب الديمقراطي" (الجناح السياسي للعمال الكردستاني)، إذ تم الاتفاق على ضمّ شخصيتين إضافيتين إلى النواب الثلاثة، وتشكيل الهيئة التي ستقوم بزيارة زعيم "العمال" عبد الله أوجلان، الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد في جزيرة إمرالي التركية، إضافة إلى تشكيل هيئة كطرف ثالث لمراقبة المفاوضات والتزام الأطراف المشاركة في العملية، على أن تكون مؤلفة من 16 عضواً، كما تمّ الاتفاق على إنشاء سكرتارية لأوجلان.

ولوحظ في الأسابيع الثلاثة السابقة، تداول عدد من مسؤولي "العمال" والحكومة التركية، أخباراً عن دور الولايات المتحدة في عملية السلام. إذ بينما اتهمت الحكومة التركية الإدارة الأميركية بالتدخل غير المباشر في العملية، طالب العديد من قيادات "العمال" بدخول واشنطن كطرف ثالث مراقب وضامن.

وأكد القائد العسكري لميليشيات "العمال"، جميل بايك، في حديث لصحيفة "دير شتاندر" النمساوية، مطلع الشهر الحالي، أن "الحزب يريد أن تكون الولايات المتحدة طرفاً مراقباً وضامناً في العملية بين الطرفين". ممّا يُعتبر تحولاً كبيراً في سياسات الحزب الماركسي في اتجاه "رأس الإمبريالية العالمية".

أما الحكومة التركية، فانتقدت على لسان النائب عن حزب "العدالة والتنمية"، محمد علي شاهين، التدخّل الأميركي، بحسب قولها. وأشار علي شاهين، إلى "انعقاد اجتماعات بين مسؤولين أميركيين وقيادات العمال في مقرّ الأخير في جبال قنديل في شمال العراق".

وادّعى أن "الأميركيين كانوا يقدمون للعمال ضمانات بشأن عملية السلام، لمحاولة إقناعهم بالدخول في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". ولمّح إلى أن "واشنطن غير متحمسة لحلّ القضية الكردية، الذي سيعني بطبيعة الحال نزع سلاح العمال، الذي يُعتبر إحدى القوى في الحرب على داعش".

وتعكس تصريحات كل من بايك وشاهين الكثير من الإشكالات، أولها محاولة "العمال" استغلال التحالف ضد "داعش"، للاحتفاظ بسلاحه بحجة "محاربة الإرهاب"، ومن ثم الاستفادة من التحالف لتحسين مواقعه ضد أنقرة، والحصول على مزيد من المكاسب في المفاوضات المرتقبة.

كما أن "العمال" لا يثق بحكومة "العدالة والتنمية"، وهو الأمر الذي بدا جلياً في البيان الذي أصدره "اتحاد المجتمعات الكردستانية"، الذي يشكّل المظلة التي تعمل تحتها جميع التشكيلات السياسية التابعة لـ"العمال".
فقد نشرت وكالة "فرات" للأنباء، المقرّبة من "العمال"، بياناً، انتقدت فيه "العدالة والتنمية"، بشكل حاد. واعتبر البيان أنه "لا يُمكن التفاوض مع سياسيين لا يعترفون بوجود الشعب الكردي". وطالب البيان الحكومة بـ"الاعتراف الكامل بوجود الشعب الكردي، عبر تغيير القوانين في الجمهورية التركية، كشرط للبدء بعملية السلام".

ولم تكن هذه المرة الأولى التي يبحث فيها "العمال" عن وسطاء أو مراقبين خارجيين، إذ كشف الدبلوماسي والرئيس الفنلندي السابق مارتي أهتيساري، الحاصل على جائزة "نوبل" للسلام في عام 2008، الدور الذي لعبه في المفاوضات التي أنهت الكثير من الصراعات المسلّحة في كوسوفو وناميبيا وغيرها، وأفاد بأن "العمال كان قد تواصل معه للتوسط في عملية حلّ القضية الكردية عام 2010، لكن الحكومة التركية رفضت وجود أي طرف خارجي في العملية".

من جانبه، نفى السفير الأميركي في أنقرة، جون باس، الأسبوع الماضي، أي نية لواشنطن بأن تكون جزءاً من عملية السلام أو أن تُصبح طرفاً ثالثاً. وقال "من الواضح أن عملية التسوية هي عملية محلية، ولا يُمكن حلّها إلّا داخلياً".

ويُظهر ذلك أن تفاهماً ما قد حصل بين أنقرة وواشنطن، على طبيعة العلاقة مع "العمال" بكل أجنحته، خصوصاً بعد الغضب التركي الشديد الذي أثاره إنزال الأميركيين مساعدات عسكرية لقوات حزب "الاتحاد الديمقراطي" (جناح العمال الكردستاني في سورية)، الذي كان محاصراً في مدينة عين العرب.

ويشير الكثير من المحللين إلى أن "واشنطن لن ترغب في إغضاب تركيا أكثر من ذلك، خصوصاً في ظلّ الوضع الجديد الذي بدأت تتمتع به أنقرة كحليف رئيسي على جبهات عدة، من بينها المعركة السياسية لحلف شمال الأطلسي مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأيضاً الحرب على داعش. فالعلاقات بين العمال وواشنطن لن تتجاوز الحرب على التنظيم، لكون قوات العمال تقوم بدور رئيسي في المعركة، في مقابل الحفاظ على مواقعه في سورية".