تركيا: صراع الانتخابات يصيب رئاسة "الشؤون الدينية"

04 مايو 2015
أردوغان: يريدون إقفال مدارس الإمام الخطيب (ياسين بلبل/الأناضول)
+ الخط -
أضحت رئاسة "الشؤون الدينية" في تركيا، التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، في قلب المعارك السياسية بين الأحزاب التركية، التي افتتحت حملاتها للانتخابات البرلمانية المقررة في 7 يونيو/حزيران المقبل، وكشفت من خلالها أزمة الصراع على الهوية بين العلمانيين والإسلاميين مرة أخرى.

وفي هذا الإطار، أكد حزب "الشعب الجمهوري"، أكبر أحزاب المعارضة، في برنامجه الانتخابي أنه "سيجعل رئاسة الشؤون الدينية على مسافة متساوية من جميع الديانات والمذاهب"، وذلك بعد أسابيع من دعوة زعيمه كمال كلجدار أوغلو، رئاسة "الشؤون الدينية"، لجعل الدعاء لمصطفى كمال أتاتورك ورفاقه، إلزامياً في خطب الجمعة في المساجد.

من جانبه، أكد الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطي"، الجناح السياسي لـ "العمال"، صلاح الدين دميرتاش، أن "الحزب ينوي إلغاء رئاسة الشؤون الدينية، التي لا تعمل لخدمة الدين، بقدر ما تُسخّره لخدمة رؤية الحزب الحاكم". ووعد دميرتاش بـ "إنشاء رئاسة شؤون العقيدة، التي ستتخذ موقفاً محايداً تجاه جميع الأديان والمذاهب الموجودة، وإلغاء الدروس الدينية الإجبارية في المدارس".

وأثارت هذه التصريحات غضباً كبيراً لدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي وجّه انتقادت شديدة لحزبي المعارضة اليساريين، الأسبوع الماضي في خطاب متلفز، في جمعية "رجال الأعمال والصناعيين المستقلين"، قائلاً "إنهم يهاجمون رئاسة الشؤون الدينية الآن، إذ أكد حزب الشعب الجمهوري في برنامجه الانتخابي، أنه سيجعل الرئاسة تقف على مسافة واحدة من جميع المعتقدات. إن دين هذه الأمة واضح، كما أن مجتمعات الديانات الأخرى لها مؤسساتها الخاصة، وهذا واضح أيضاً. لماذا تتوجه الانتقادات إذا إلى الرئاسة؟".

اقرأ أيضاً:الاشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين تطغى على عيد العمال بتركيا 

كما ردّ أردوغان على "الشعوب الديمقراطي" قائلاً "يريدون إلغاء الدروس الدينية الإجبارية ورئاسة الشؤون الدينية، من الواضح أي دروس يريدون تعليمها للأمة". وأضاف أن "الحزبين يريدان إغلاق مدارس الإمام الخطيب (ما يوازي المدارس الشرعية في العالم العربي)، بكل ما تحمله هذه القضية التاريخية من حساسية عالية لدى المتدينين الأتراك".

وانضمّ رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو إلى أردوغان. وذكر، في لقاء جماهيري عقده في مدينة سيواس، أن "الأمة لن تسمح لكم بإغلاق رئاسة الشؤون الدينية، سنقوم بحمايتها كما سنحمي جميع القيم الأخلاقية". ولم يكن دخول موضوع رئاسة "الشؤون الدينية" إلى الصراع الانتخابي أمراً مفاجئاً، بل جاء بفعل تراكم الكثير من الأسباب، أولها أنه في السنوات الأخيرة بين عامي 2003 و2013، تضاعفت ميزانية الرئاسة وعدد العاملين فيها، ليصل عددهم إلى 120 ألف موظف دائم و30 ألف موظف مؤقت. كما برزت اعتراضات كبيرة على شائعة شراء الرئاسة سيارة "مرسيدس" لرئيسها محمد غورماز، بقيمة 375 ألف دولار، قبل أن تعلن في وقت لاحق، بأن "ثمن السيارة هو 120 ألف دولار فقط".

وتتهم المعارضة حزب "العدالة والتنمية" بتحويل إدارة "الشؤون الدينية"، إلى إحدى أدواته في السياسة، مع العلم أن الأمر ليس بجديد في السياسة التركية. ومثّلت "الشؤون الدينية" منذ تأسيسها في العام 1924، كبديل عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي كانت في عهد السلطنة، أداة للسلطة. وفي الوقت الذي رأى فيه مؤسسو الجمهورية، في الدين، إحدى عقبات مشروعهم الحداثي، لم يتجاهلوا "الشؤون الدينية"، بل صنعوا إدارة خاصة مدمجة في نظام الحكم، للسيطرة عليها ومنعها من اكتساب مكانة بارزة في المستقبل، وأيضاً لتستمر في نشر معرفة دينية، لا تتعارض مع رؤية مؤسسي الجمهورية لمواطنيها الأتراك العلمانيين الحداثيين.
مع ذلك، لم تعد الإدارة مهمّشة كما في السابق، وتكفي نظرة واحدة على موقعها الإلكتروني، لمعرفة مدى تضخّم حجم نشاطها الخارجي. وفي تقرير الإدارة لعام 2013، تصف الأخيرة أجندتها بـ "تشكيل ونشر تصور موضوعي للإسلام في جميع أنحاء العالم، وتقديم فهم الإسلام يقوم على أسس علمية، وقيادة الجهود الرامية إلى نشره".

ويشير التقرير إلى أنه "في سبيل ذلك أقامت وساهمت الإدارة في ما يبلغ مجموعه 200.267 اجتماعاً ومؤتمراً وندوة خارج البلاد، وأرسلت أيضاً وفوداً رسمية لزيارة 80 بلداً إسلامياً، وأقامت مبادرات مشتركة في 79 بلداً، معظمها من الجمهوريات التركية في آسيا الوسطى والدول الأفريقية. وذلك لتوفير المساجد والمدارس التعليمية والخدمات الأخرى، كما عملت الإدارة على جلب ما مجموعه 3791 طالباً وطالبة من البلقان وجمهوريات يتواجد فيها أتراك وأفريقيون، للدراسة في مدارس الإمام الخطيب الدينية العالية، والدورات القرآنية، وبرامج الدراسات العليا والدكتوراه".

اقرأ أيضاً:داود أوغلو يوجه انتقادات شديدة لحزب "الشعب الجمهوري"
المساهمون