وقد تعزز هذا التوجه بعدما أعاد رئيس وزراء الحكومة الانتقالية، أحمد داود أوغلو، التكليف الرئاسي بتشكيل الحكومة، أمس الثلاثاء، عقب فشل جهوده في تشكيل الحكومة الائتلافية التركية. وجاء ذلك بعد اللقاء الذي جمع داود أوغلو مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، واستمر لما يقارب الساعة ونصف الساعة في القصر الرئاسي في العاصمة أنقرة، فيما ينتظر حزب "الشعب الجمهوري" أن يقوم أردوغان بتكليف زعيمه كمال كلجدار أوغلو، كونه يتزعم ثاني أكبر كتلة نيابية في البرلمان بعد كتلة "العدالة والتنمية"، بعد فشل جهود داود أوغلو.
اقرأ أيضاً: 25 نوفمبر موعداً محتملاً للانتخابات التركية... ومؤتمر "العدالة" بسبتمبر
وكان زعيم حزب "العدالة والتنمية" المكلف بتشكيل الحكومة، أحمد داود أوغلو، قد التقى أول من أمس، بزعيم "الحركة القومية" دولت بهجلي، لما يزيد عن الساعتين، في محاولة أخيرة لتشكيل الحكومة التركية. لكن، كما كان متوقعاً، انتهى اللقاء بالفشل على التوافق، رغم الحديث المتكرر عن التقارب في القاعدة الجماهيرية للحزبين كونهما ينتميان إلى "الإسلام التركي"، ويشكلان الجناح اليميني في المشهد السياسي التركي.
وجاء هذا الفشل رغم التقارب الأخير بين الجانبين الذي ظهر في عدّة مواقف منها، ورفضهما معاً لتمرير اقتراح حزب "الشعب الجمهوري" لإنشاء لجنة للتحقيق بالتفجير الانتحاري الذي نفذه تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في مدينة سروج وأدى إلى مقتل 32 وجرح أكثر من مئة مواطن تركي.
وأكد داود أوغلو في المؤتمر الصحافي الذي عقده في مقر حزبه بأنقرة أن "بهجلي لا يعتبر التحالف مع (العدالة والتنمية) أمراً ممكناً"، مضيفاً "استمر بهجلي بإعادة شروطه الأربعة لتشكيل الائتلاف، وتناولنا هذه الشروط بنقاش مستفيض، ولم يغلق بهجلي الباب فقط أمام تكوين ائتلاف حكومي، بل رفض أيضاً أن يكون جزءاً من حكومة قصيرة الأمد لحين إجراء الانتخابات المقبلة، كما رفض الدعم من الخارج لحكومة أقلية للعدالة والتنمية".
وتتمثل شروط الحركة القومية الأربعة بإنهاء عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني"، والحصول على تعهدات بالحفاظ على البنود الأربعة الأولى للدستور التركي الحالي بما فيها تحديد اللغة الرسمية باللغة التركية وتعريف للمواطنة التركية المبنية على أساس "القومية التركية"، فيما يراه "الحركة القومية" حفاظاً على البلاد من الاستقطابات الإثنية والطائفية، والتأكيد على مكافحة الفساد وإعادة محاكمة الوزراء المتهمين بالفساد فيما يعرف بالإعلام التركي بعمليتي 25-17 ديسمبر/كانون الأول التي طاولت أربعة وزراء ومقربين من رئيس الحكومة التركية حينها رجب طيب أردوغان، والشرط الرابع يرتبط بالتزام الرئيس التركي بصلاحياته الدستورية والابتعاد عن التدخل في عمل الحكومة؛ الشروط التي يعتبرها "العدالة والتنمية" خطوطاً حمراء لا يمكن قبولها.
وأشار داود أوغلو إلى أن الخطوات المقبلة سيتم اتخاذها بعد المشاورات التي سيجريها مع أعضاء اللجنة المركزية للحزب، وبعد التشاور مع رئيس الجمهورية، رافضاً إعطاء أي جواب واضح في ما يخص دعوة "الشعب الجمهوري" إلى إعادة التكليف إلى الرئيس قبل انتهاء مدة الـ 45 يوماً الدستورية لتشكيل الحكومة، والتي تنتهي في 23 أغسطس/آب الحالي. وقال "سنتشاور مع رئيس الجمهورية، وإن لزم الأمر سأعيد التكليف له"، وهو ما أقدم عليه داود أوغلو بالأمس.
ورغم استحالة قدرة "الشعب الجمهوري" على تشكيل الحكومة في ظل المشهد السياسي الحالي، ومع أنه لم يبق في المدة الدستورية سوى أيام، أكد نائب رئيس "الشعب الجمهوري" والمتحدث باسم الحزب، خلوق كوج، أنهم ينتظرون تكليف رئيس الجمهورية لزعيم حزبهم كمال كلجدار أوغلو، بتشكيل الحكومة.
وأشار كوج في بيان صادر عنه، إلى أن داود أوغلو الذي كُلف من قبل رئيس الجمهورية بتشكيل الحكومة في 9 يوليو/تموز الماضي وفقاً للمادة 109 من الدستور، لم يتمكن من تشكيل الحكومة، لذلك يتعين عليه إظهار احترامه للشرعية والديمقراطية والإرادة الوطنية، عبر إعادة مهمة تفويض تشكيل الحكومة إلى رئيس الجمهورية، وفقاً للأعراف، مشيراً إلى أنهم يتوقعون من رئيس الجمهورية أن يفوض كلجدار أوغلو بمهمة تشكيل الحكومة.
كما أشار زعيم الكتلة النيابية للشعب الجمهوري، لونت غوك، إلى أن حزبه سيعمل على عدم ترك البلاد بدون حكومة، وأنه سيحاول في حال تلقّيه التكليف بأن يشكل حكومة أقلية من "الشعب الجمهوري" و"الشعوب الديمقراطي"، رغم أن تمرير مثل هذه الحكومة في اختبار تصويت الثقة يبدو مستحيلاً.
وتقضي المادة 116 من الدستور التركي، بأنه في حال الفشل في تشكيل الحكومة خلال 45 يوماً من تاريخ أول تكليف يقوم به رئيس الجمهورية، فإنه يحق للأخير أن يدعو إلى انتخابات مبكرة بعد التشاور مع رئيس البرلمان التركي، وبالتالي فإن رئاسة الجمهورية غير مجبرة على الدعوة إلى إعادة الانتخابات مباشرة.
وفي حال الدعوة إلى انتخابات مبكرة، على الحكومة الحالية أن تقدم استقالتها، ويقوم رئيس الجمهورية بتعيين رئيس وزراء لحكومة مؤقتة تتولى التحضير للانتخابات، يكون فيها كل من وزراء الداخلية والعدل والاتصالات من المستقيلين سواء كانوا برلمانيين أو لم يكونوا، ويتم توزيع الحقائب الرئاسية على الأحزاب بحسب حصتها من المقاعد البرلمانية، وفي حال رفض أي حزب المشاركة في الحكومة المؤقتة أو انسحب منها يتولى حقائبه مستقلون من داخل أو خارج البرلمان.
وبما أن الحكومة الحالية تضم 21 وزارة، يتوقع أن يتولى ثلاثاً من حقائب الحكومة المؤقتة مستقلون، وهي كل من الاتصالات والعدل والداخلية. وقياساً على حصة الأحزاب من المقاعد البرلمانية، يتوقع أن ينال "العدالة والتنمية" 9 حقائب، و"الشعب الجمهوري" 4 حقائب، بينما تحصل الحركة الكردية ممثلة بـ"الشعوب الديمقراطي" لأول مرة في تاريخ الجمهورية على 3 وزارات، فيما تذهب ثلاث وزارات لحزب "الحركة القومية"، وبما أن الأخير أعلن بأنه لن يشارك في الحكومة المؤقتة فإن حصته أيضاً تذهب للمستقلين.
ولا يحدد الدستور لرئيس الجمهورية أي شروط في اختيار رئيس الحكومة المؤقتة، كما لا يقيد الأخير بأي شروط في توزيع الحقائب. ولا تعرض هذه الحكومة المؤقتة على البرلمان لتنال الثقة، وتستمر بإدارة شؤون البلاد لحين انعقاد أول جلسة للبرلمان الجديد، وبالتالي سيكون لأردوغان صلاحيات تكاد تكون مطلقة في تشكيل الحكومة، سواء من ناحية اختيار رئيس الوزراء أو من ناحية توزيع الحقائب، في الوقت الذي لا تمتلك فيه أحزاب المعارضة سوى حق الانسحاب أو رفض المشاركة بالحكومة المؤقتة.
اقرأ أيضاً: مفاوضات تشكيل الحكومة التركية: "العدالة والتنمية" يعمل على جبهتين