تركيا تخشى "داعش" وعينها على "الكردستاني" ونظام الأسد

16 أكتوبر 2014
لا تريد أنقرة رؤية النظام السوري على حدودها (Getty)
+ الخط -



لم تصحُ تركيا بعد من صدمة الأحداث التي أصابتها خلال الأسبوع الحالي. فمنذ عامين لم تمرّ البلاد بمثل هذا العنف. فقد عمّت الاحتجاجات أكثر من 22 مدينة، تقطنها أغلبية كردية، شرقي تركيا، ما تسبّب بفرز المجتمع الكردي بين مؤيّد ومعارض. وعلى الرغم من أن الاشتباكات تركزت بين حزب "الدعوة الحرة"، السلفي الكردي، ومناصري "العمال الكردستاني"، اليساري الماركسي، بعد مقتل أكثر من 30 مواطناً، فإن منع التجوال فُرض في أكثر من 6 ولايات، فضلاً عن خسائر اقتصادية فادحة.

وبدأت الأحداث حين دعا حزب "الشعوب الديمقراطي"، الجناح السياسي لـ"العمال" الكردستاني، إلى الاحتجاجات لنصرة مقاتلي "الحماية الشعبية" التابعة لجناحه في سورية، حزب "الاتحاد الديمقراطي" في عين العرب، التي تتعرّض إلى أعنف هجوم من قبل القوات التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، منذ أسابيع عدة.

لقد كان أنصار "العمال" غاضبين من عدم تقديم الحكومة التركية مساعدة عسكرية لقوات "الحماية الشعبية" في عين العرب، لكن المتابع للشأن التركي يعرف جيداً بأن هذه الاحتجاجات لم تستطع إقناع الرأي العام التركي بخطأ الحكومة، بقدر ما أدت إلى موجة غضب إثر أعمال العنف التي صاحبت بعض هذه الاحتجاجات، معيدة أحداث التسعينات إلى الذاكرة، ومدمّرة كل الصورة السلمية السياسية التي عمل عليها الجناح السياسي منذ سنوات.

وسارع الرئيس المشارك لحزب "الشعوب الديمقراطي"، صلاح الدين دميرتاش، إلى تجنّب الإحراج الذي تسبّبت به أعمال العنف، فدعا اتحاد "المجتمعات الكردستانية"، الذي يمثّل المظلة السياسية لجميع التنظيمات التابعة لـ"العمال"، إلى تجنب العنف، وطلب "بذل الجهود لتخفيف التوتر، والحثّ على تجنّب العنف، وفتح التحقيق بالهجمات المسلحة، واتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرار هذه الحوادث مرة أخرى".

هذا الكلام، ضاعف من إحراج دميرتاش، الذي بدا عالقاً بين اتحاد "المجتمعات الكردستانية" ومقاتلي "الكردستاني"، في جبال قنديل، و"الحكومة التركية"، فضلاً عن المصوتين له. فأنصار دميرتاش، بدأوا يشعرون بانتعاش اقتصادي، إثر الهدنة التي بدأت منذ سنتين، ولا يريدون العودة إلى حقبة التسعينات، ما جعل العنف الأخير مصدر إحراج لحزب "الشعوب الديمقراطي"، وخصوصاً أنه نجح إثر الانتخابات الرئاسية، بتقديم نفسه كطرف سياسي محترف وفاعل حقيقي مهتم بمصالح الجمهورية التركية، ما أكسبه الكثير من التعاطف من غير الأكراد.

أوجلان نفسه، كان قد أعلن عن المهلة التي منحها للحكومة التركية، حتى 15 من الشهر الحالي، للبدء بالمفاوضات الجادة، وإلا سيتم نسف عملية السلام، ليبدي بعد ذلك، أحد قيادات الجناح العسكري في جبال قنديل، جميل بايك، استعداد الوحدات العسكرية التابعة للعمال الكردستاني، والتي كان قد جرى سحبها، للعودة مرة أخرى إلى شرق تركيا، مهدداً باستئناف العمليات العسكرية في حال لم تستجب الحكومة التركية، في ما يتعلق بعين العرب.

ويؤكد بايك أنه "إذا استمرّت الأوضاع على ما هي عليه، يعني قيام وحداتنا العسكرية بالدفاع عن شعبنا، وهذه هي مهتمها الأساسية". ويشير إلى أن "المذكرة التي تم إقرارها في البرلمان التركي للسماح بقيام القوات المسلّحة التركية، بشنّ عمليات داخل كل من سورية والعراق، ليست إلا إعلان حرب على الكردستاني".

قد يبدو الموقف التركي من تقديم الدعم لقوات "الحماية الشعبية" في عين العرب غير مفهوم، إذ إن أنقرة، بالنسبة لبايك، "لا تبذل أي جهد لمساعدة المدافعين عن مدينة عين العرب في وجه الهجمة الشرسة من قبل وحوش القاعدة، الأمر الذي يتم تفسيره دائماً بأن الحكومة التركية متعاطفة مع داعش بسبب جذورها الإسلامية".

لكن الحقيقة، على ما يبدو، معقدة جداً، فهناك الكثير من الدلائل على أن أنقرة ترى في "داعش" تهديداً حقيقياً لحدودها الجنوبية. أبرزها الموقف من بدء تدريب "الجيش السوري الحر" لملء الفراغ الذي ستخلّفه ضربات التحالف على "داعش"، لكنها في الوقت نفسه ترى جناح "العمال"، الذي تخوض معه حرباً منذ عقود، يتمدّد هو الآخر، فضلاً عن نظام الأسد، الذي تشير الكثير من الدلائل إلى أنه لعب دوراً محورياً في إنشاء "داعش"، عبر الإفراج عن الكثير من القيادات السلفية المتطرفة من سجونه بعد ستة أشهر من بدء الثورة السورية، ومن ثم دعمهم بالمال وسمح لهم بالسيطرة على مساحات واسعة دون توجيه أي ضربات جوية، كما كان يفعل ما باقي أطراف "المعارضة المعتدلة".

انطلاقاً من هذا الدور، فإن أنقرة قد اتخذت قراراً واضحاً بعدم رؤية النظام السوري مرة أخرى على حدودها الجنوبية.

وقياساً على كل ما سبق، فمن غير المنطقي أن يُطلَب من أنقرة التخلي عن عدائها تجاه "العمال" بين ليلة وضحاها، والبدء بتسليحه في ظل عملية التسوية التي تقودها أنقرة، والتي تهدف في نهاية المطاف إلى نزع سلاح الحزب وتسوية القضية الكردية، تلك الأخيرة التي تعتبر أهم مشاكل الجمهورية. وعليه، فإن تقديم الدعم لـ"الاتحاد الديمقراطي" لا يعني سوى مزيد من التورّط لـ"العمال" في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيجعل عملية التسوية التي تنتهي بنزع سلاحه، شبه مستحيلة.
 

المساهمون