تركيا تبحث عن "الشريك السوري" في "المنطقة الخالية"

27 يوليو 2015
تمتد المنطقة الخالية بعمق 40 كيلومتراً (الأناضول)
+ الخط -
يبدو أن التطورات الميدانية في الشمال السوري والاستعدادات لإقامة منطقة آمنة أو "خالية من داعش" كما اصطلح على تسميتها بحسب التوافق الأميركي التركي، التي بدأت ملامحها تتوضح وتنتظر الشريك السوري المعارض لتنفيذها على الأرض، ستعزز من الحراك السياسي للدول الحليفة للنظام السوري، إذ علمت "العربي الجديد" أن العاصمة القطرية الدوحة، ستشهد لقاءات بارزة سياسياً في 3 أغسطس/آب المقبل، إذ يزورها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لحضور اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي. كما يحضر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي طلب أن يزور الدوحة في التوقيت نفسه، من دون أن يحضر اجتماع وزراء مجلس التعاون.

ووفقاً لمعلومات "العربي الجديد" سيلتقي لافروف بعدد من كبار المسؤولين في الدوحة، بينهم أمير قطر تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني ووزير الخارجية خالد العطية على أن يلتقي كيري أيضاً. وعلمت "العربي الجديد" أن لافروف سيعقد مؤتمراً صحافياً مشتركاً مع العطية، سيطرح أفكاراً حول سورية في المؤتمر.

في غضون ذلك، بدأت ملامح المنطقة الخالية من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والمحمية بحظر الطيران، التي تنوي تركيا إنشاءها في شمال سورية تتوضح. وعلمت "العربي الجديد"، أمس الأحد، أن "المنطقة المُقرّر إنشاؤها ستمتد من مدينة جرابلس في ريف حلب الشرقي حتى مدينة مارع بريف حلب الشمالي، بعمق يبلغ نحو 40 كيلومتراً داخل الأراضي السورية". وهو ما يطرح تحديات عدة، إذ يسيطر "داعش" حالياً على هذه المنطقة، التي تنوي تركيا تحويلها إلى منطقة خالية من التنظيم ومن قوات النظام السوري. ويحتفظ التنظيم حتى الآن بالسيطرة على مدن جرابلس والباب ومنبج، وعلى بلدات الراعي والغندورة وقباسين وبزاعة وتادف وأخترين واحتيملات ودابق، فضلاً عن مئات القرى الواقعة أيضاً ضمن هذه المنطقة.

ويبدو أن دراسة المنطقة التي تعتزم تركيا حمايتها تمّ بعناية كبيرة، وتمّ اختيار العمق بطول 40 كيلومتراً كي تصبح مدينة منبج، أكبر مدن ريف حلب الشرقي، والمسكونة بأكثر من 400 ألف نسمة، داخل المنطقة المحمية من قبل تركيا. وتبعد منبج عن الحدود التركية نحو 35 كيلومتراً، أما مدينة الباب، ثاني أكبر المدن في ريف حلب الشرقي، ويبلغ عدد سكانها نحو 180 ألفاً، فتقع على بُعد 33 كيلومتراً من الحدود التركية.
وكان وجود قوات النظام السوري في المدينة الصناعية شمال شرقي حلب، عاملاً حاسماً في اختيار مسافة 40 كيلومتراً لتكون عمقاً للمنطقة العازلة، لبُعد المنطقة الصناعية 41 كيلومتراً عن الحدود التركية.

كما أن اختيار مدينة جرابلس لتكون نقطة محددة لامتداد المنطقة المحمية من جهة الشرق، دليل على أن تركيا لا ترغب بالتصادم مع "وحدات حماية الشعب" الكردية، إذ تقع جرابلس على الحدود السورية التركية، غربي نهر الفرات (يمين النهر)، وهي تحت سيطرة "داعش"، فيما تقع قرية زور مغار، شرق النهر (يسار النهر)، وهي تحت سيطرة "وحدات حماية الشعب".

أما حدود المنطقة العازلة من الجهة الغربية، فتمّ اختيارها على أساس اتصالها بمدينة مارع فقط، من دون أن تمتد إلى مدينتي تل رفعت وأعزاز، اللتين تقعان تحت سيطرة قوات المعارضة السورية، نظراً لتواجد قوات النظام السوري في قرية باشكوي جنوب تل رفعت، على بعد نحو 33 كيلومتراً فقط من الحدود السورية التركية المشتركة. كما أن مدينة نبّل، الموالية للنظام السوري، والتي تسيطر عليها مليشيات محلية موالية للنظام، تقع جنوبي أعزاز، على بُعد نحو 30 كيلومتراً فقط من الحدود السورية التركية.

وتتصف المنطقة التي تعتزم تركيا إخراج "داعش" منها وتحويلها إلى منطقة محمية للمعارضة السورية، بكونها منطقة كثيفة السكان، وذات أراضٍ خصبة ومجارٍ مائية كثيرة، كما يُشكّل العرب غالبية عظمى فيها مع وجود أقليّتين تركمانية وكردية.

اقرأ أيضاً: تركيا تحجب مواقع كردية عراقية مع هجماتها ضد "الكردستاني"

وتوجد في بلدة الراعي، الواقعة إلى الشمال من مدينة الباب بريف حلب الشرقي، أقلية تركمانية بالإضافة إلى أكثر من 20 قرية ذات غالبية تركمانية. أما الأقلية الكردية فتوجد في منطقة ريف الباب الشمالي، حيث تنتشر نحو 30 قرية ذات غالبية كردية، في الوقت الذي تتصف فيه جميع المدن والبلدات الكبرى ومئات القرى الموجودة في المنطقة، بأنها ذات غالبية عربية واضحة.

وخرجت هذه المناطق جميعاً عن سيطرة النظام السوري في صيف عام 2012، حين تمكنت قوات "الجيش السوري الحر" التي تكونت وقتها من منشقين عن قوات النظام ومتطوعين محليين، من طرد قوات النظام من مدن منبج والباب وجرابلس وأخترين والراعي وأريافها، تحديداً في شهر يوليو/تموز عام 2012.

وحافظت قوات المعارضة السورية المتمثلة بـ"الجيش السوري الحر" والفصائل الإسلامية المعتدلة، على السيطرة على هذه المنطقة حتى ظهور تنظيم "داعش" فيها مطلع العام الماضي، لتندلع مواجهات قوية بين الطرفين وتمكن في النهاية من السيطرة على المنطقة وإبعاد فصائل المعارضة.

ولا يبدو أن قوات المعارضة السورية مستعدة حتى الآن للتقدم على الأرض، للسيطرة على هذه المنطقة بغطاء جوي تركي يستهدف "داعش"، ذلك لأن الدفعة الأولى من مقاتلي قوات المعارضة الذي تم تدريبهم في تركيا، والتي وصلت إلى خطوط المواجهة مع التنظيم في بلدة صوران، مطلع الشهر الحالي، لا يُمكن أن يُشكّل وجودها تغييراً في موازين القوى على الأرض، ولا يتجاوز عدد عناصرها الستين عنصراً. أما قوات المعارضة المحلية في ريف حلب الشمالي، والمتمثلة بفصائل "الجبهة الشامية" و"أحرار الشام" و"فيلق الشام" وكتائب محلية أخرى، فمنشغلة بقتال قوات النظام السوري و"داعش" في آن معاً.

ويدفع ذلك إلى الاعتقاد، بأن تنفيذ المنطقة الخالية من التنظيم والمحمية بحظر جويّ، يحتاج إلى مزيد من الوقت، ريثما تصل دفعات جديدة من قوات المعارضة السورية المدرّبة في تركيا بإشراف الولايات المتحدة لقتال التنظيم، أو ريثما يتم الاتفاق مع أحد فصائل المعارضة السورية الكبيرة، كـ"حركة أحرار الشام" أو "الجبهة الشامية". ويُظهر ذلك استمرار البحث عن "الشريك الميداني" للجيش التركي في عملية طرد "داعش".

وفي شأن استعداد فصائل المعارضة للمشاركة في عملية عسكرية تركية لإنشاء منطقة خالية من "داعش" بريف حلب، أوضح القيادي الميداني لـ"كتائب شمس الشمال" السورية المعارضة، محمود أبو الحسن لـ"العربي الجديد" أن "قواته حصلت على تدريب سابقاً في تركيا، كما تملك خطوط إمداد دائمة من هناك، وتعمل مع باقي فصائل المعارضة على استعادة السيطرة على جرابلس ومنبج". وأشار إلى أن "الغطاء الجوي التركي المقترح، سيوفّر أفضلية كبيرة لقواته".

اقرأ أيضاً تركيا: "الشعب الجمهوري" مستعد للتحالف مع "العدالة والتنمية"
المساهمون