تركيا: استفتاءان منفصلان لحلّ العقدة المستعصية للدستور الجديد

05 مارس 2016
يحاول الرئيس التركي حلّ مسألة الدستور(آدم آلتن/فرانس برس)
+ الخط -
لا يزال أمر كتابة دستور مدني في تركيا عقدة مستعصية على السياسة الداخلية التركية. وبينما يصرّ حزب "العدالة والتنمية" الحاكم على إنجاز الدستور الجديد، مع إحداث تغييرات في طبيعة السلطة التنفيذية لناحية منح سلطات أكبر لرئاسة الجمهورية، يبدو حزب الشعب الجمهوري (أكبر أحزاب المعارضة التركية)، متشنّجاً لناحية مناقشة الأمر. ورفض "الشعب الجمهوري" متابعة العمل في اللجنة البرلمانية الخاصة بكتابة الدستور الجديد، على الرغم من أنّ التفاوض كان لا يزال على مستوى أصول وقواعد عمل اللجنة. وعاد الحزب المعارض، يوم الأربعاء، ورفض دعوة رئيس البرلمان التركي، إسماعيل كهرمان، ولجنة الدستور، للمشاركة في اللجنة مرة أخرى، على الرغم من موافقة باقي الأحزاب المتواجدة في البرلمان على العودة.

وأكّد زعيم "الشعب الجمهوري"، كمال كلجدار أوغلو، في رسالته إلى كهرمان على "خطوط الحزب الحمراء ممثلة في الحفاظ على النظام البرلماني الحالي، ورفض أي نقاش حول التحول إلى نظام رئاسي أو نصف رئاسي بأي صياغة كانت". وقال كلجدار أوغلو، "لن نكون جزءا في أي مساع تفتح باب التحوّل إلى النظام الرئاسي. ولن يستطيع العدالة والتنمية الذي يريد التحول إلى النظام الرئاسي الحصول على أية نتيجة منا. كما عليه أن يتوافق معنا في البداية على أن النظام البرلماني قبل استئناف عمل لجنة الدستور".

وفي الوقت الذي يبدو فيه أنّ تجاوز كل العقد التاريخية الخاصة بتعريف الهوية أو المواطنة التركية، بما يضمن الاعتراف بالأقليات وفي مقدمتهم الكردية، فضلاً عن فسح مجال أكبر للإدارات المحلية، أمر ممكن، يبقى النظام الرئاسي عقدة العقد. ويبرر "الشعب الجمهوري" تخوّفه من التحوّل إلى النظام الرئاسي من منطلق ما يسمّيه "نزعات أردوغان الديكتاتورية" التي قد تجعل من النظام الرئاسي بداية للتنازل عن الديمقراطية التركية. كما يرى الحزب في النظام الرئاسي أمراً مخالفاً للتاريخ السياسي للجمهورية التركية وأواخر الحقبة العثمانية، التي لم تعرف قط النظام الرئاسي حتى في ظل الديكتاتورية الأتاتوركية التي ميّزت الحقبة الأولى من تاريخ الجمهورية، على حدّ تعبيره.

في المقابل، يرى "العدالة والتنمية" والمحافظون المتشددون عموماً، في التحول إلى النظام الرئاسي، ضرورة تاريخية لإدارة الجمهورية التركية التي تحوّلت، خلال العقدَين الأخيرَين، إلى قوة إقليمية على المستوى الاقتصادي والسياسي والعسكري. كما يعتبرون أنّ النظام البرلماني لم يعد قادراً على الحفاظ على استقرار الجمهورية، وهو النظام الذي كان حجر عثرة تاريخية في الحفاظ على استقرارها. ويستشهد هؤلاء بحقبة الحكومات الائتلافية الهشّة في الثمانينيات والتسعينيات وما رافقها من أزمات اقتصادية، وانقلابات عسكرية، ومشاكل جوهرية في الإجماع السياسي التركي، التي شكّل تمرّد حزب "العمال الكردستاني" إحدى أهم معالمها التي لا تزال تركيا تدفع ثمنه حتى الآن.

اقرأ أيضاً تركيا: مخاض الدستور المدني الأوّل في تاريخ الجمهورية

وفي مواجهة تعنّت "الشعب الجمهوري"، طرح "العدالة والتنمية" عدداً من الأوراق، أوّلها إمكانية استمرار عمل الجنة البرلمانية، حتى وإنْ اضطر إلى ذلك وحده، كما أكد النائب عن "العدالة والتنمية"، رئيس لجنة الحزب الخاصة بالدستور الجديد، مصطفى شنتوب. وقال الأخير، إن "العدالة والتنمية يصرّ على الاستمرار في طريق الدستور الجديد حتى لو بقي وحده"، مشيراً إلى إمكانية قيام الحزب بكتابة نص نموذجي للدستور الجديد بعد مراجعة مقترحاته السابقة.
 

وعلى الرغم من موافقة باقي الأحزاب البرلمانية على الاستمرار في اللجنة، أشار زعيم حزب "الحركة القومية"، دولت بهجلي، إلى ضرورة إقناع "الشعب الجمهوري" بالعودة إلى الطاولة، لأن الدستور بحاجة إلى الحصول على أكبر قدر من التوافق. وبعد ترحيبه بالعودة لاستئناف عمل اللجنة، قال بهجلي "نود التأكيد على أنه لا بد من أن يحصل الدستور على القدر الأكبر من التوافق الاجتماعي حوله. لذلك ندعو إلى ضرورة العمل على إقناع حزب الشعب الجمهوري للعودة".

من جانبه، حاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وضع حلّ وسطي، مشيراً إلى إمكانية عرض كل من الدستور الجديد والنظام الرئاسي في استفتاءَين منفصلَين، تنهي خلاله "إرادة الأمة الخلاف". الأمر الذي أكده، قبل أيام، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إبراهيم كالن، قائلاً، "هناك طريقان أمامنا، وهو ما أشار إليه الرئيس أردوغان؛ إما أن يتم طرح الدستور بنظام رئاسي للاستفتاء، أو أن يطرح على الأمة استفتاءان منفصلان، أحدهما على الدستور الجديد والثاني على النظام الرئاسي".

وتم إيقاف لجنة الدستور الجديدة بعد الجلسة الثالثة، الشهر الماضي، وهي المرة الثانية التي تتوقف فيه لجنة صياغة الدستور الجديد، بعد اللجنة التي عملت بين عامَي 2011 و2013، إذ استمرت الخلافات حينها، على الرغم من التوافق على حوالي 60 مادة من الدستور.

اقرأ أيضاً تركيا: "الشعب الجمهوري" يجدد معارضته الانتقال لنظام رئاسي