تركيا أمام الحرب ضد داعش
رفضت تركيا التوقيع على بيان مؤتمر جدة لمحاربة داعش، تعبيراً عن رفضها هذه المهمة. ووصف بعضهم الموافقة التركية على المشاركة في هذه الحرب بأنها مستحيلة، على الرغم من ضغوط أميركية هائلة على أنقرة، وذهب آخرون إلى المقارنة بين موقف تركيا من التحالف، الجاري في هذه الأيام، وموقفها عشية الغزو الأميركي للعراق عام 2003، عندما رفض البرلمان التركي استخدام أراضي بلاده لغزو البلد الجار.
بانتظار موقفها النهائي، فإن أنقرة تبدو في محنة خيارات صعبة، وجدل حسابات متداخلة في كل الاتجاهات، فحدودها (تركيا) باتت مجاورة حدود دولة داعش، وقرب هذه الدولة حدود الدولة الكردية الناشئة في العراق وسورية. وفي الأساس، بشأن قضية تنظيم داعش، منذ البداية وحتى لحظة الحرب ضده، ثمة أسئلة كثيرة، نادراً ما تجد لها إجابات مقنعة، وأينما تقلب تركيا بوصلتها، تجد نفسها أمام مخاطر جمة.
ثمة من يرى أن تركيا أمام سيناريوهات ثلاثة، لكل منها ثمن. الأول: سيناريو الأردن، أي أن تأخذ كل الاحتياطات والإجراءات على أراضيها، من دون التدخل المباشر في الحرب ضد داعش. الثاني: سيناريو المشاركة الكاملة، أي الانخراط في هذه الحرب، بوصفها دولة عضو في الحلف الأطلسي، وعلى علاقة متينة بالولايات المتحدة، وبالتالي، لا يمكن لها التخلف عن حربٍ يقودها هذا المعسكر باسم مكافحة الإرهاب. الثالث: سيناريو المشاركة الجزئية، أي تقديم الخدمات اللوجستية والاستخبارية ووضع المطارات التركية والمناطق الحدودية في خدمة هذه الحرب.
في جميع هذه السيناريوهات، لتركيا حسابات ومصالح، وكذلك مخاطر محتملة، وفي جردة بسيطة لهذه المخاطر، تقول الأوساط التركية إنها كثيرة، وهي، أولاً، الخوف على حياة 49 دبلوماسي تركي، ومنهم القنصل التركي في الموصل، خطفهم داعش في يونيو/حزيران الماضي، وسط خشية من يلجأ داعش إلى إعدامهم، في حال قررت تركيا المشاركة في الحرب ضده. الثانية، الخشية من أن يصل السلاح إلى حزب العمال الكردستاني، وحليفه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سورية، وبالتالي استخدامه لاحقاً في تركيا، ونسف عملية السلام الجارية مع الأكراد. الثالثة، الخشية من أن يكون النظام السوري المستفيد الأكبر من هذه الحرب، وتؤدي إلى تقويته. الرابعة، الخوف من حدوث فوضى واضطرابات، قد تصل إلى داخل تركيا. الخامسة، الخوف من زيادة التدخل الخارجي في المنطقة. السادسة، الخوف من أن لا تحقق هذه الحرب أهدافها، وولادة تنظيمات أكثر تطرفاً. السابعة، الشكوك الكثيرة في أهداف الدول المنخرطة في هذه الحرب، إذ ثمة من يعتقد أن الدول التي تحارب داعش، اليوم، هي نفسها التي دعمت داعش سابقاً.
هذه المخاوف وغيرها هي التي تقف وراء موقف تركيا ومحنة خياراتها وجدل حساباتها. وهنا، بالضبط، يكمن الفرق بينها وبين الدول العربية الجارية خلف الموقف الأميركي، من دون نقاش أو رؤية سياسية أو استقلالية في القرار، فيما لتركيا حسابات وثوابت تصطدم بالأجندة السياسية الأميركية، ومحاولة باراك أوباما العودة إلى أن يكون جورج بوش جديداً، ولو من بوابة داعش هذه المرة.
مهما يكن، قد تجد تركيا في محنتها السياسية، وأمام الضغط الأميركي الهائل والمتواصل، نفسها أقرب إلى الخيار الثالث، أي خيار المشاركة غير المباشرة، والموصوف، هنا، بتقديم الجهد الاستخباري وضبط الحدود وتكثيف الجهود لمنع تدفق المقاتلين وملاحقتهم، وحتى الاستفادة من المطارات والقواعد التركية، طالما أن البراغماتية، في مثل هذه الحالات، تحفظ مصالح الدول، ولا تضعها خارج سياق الانعطافات الدولية والأحداث التاريخية التي ستترك تداعيات في الاتجاهات كافة، خصوصاً وأن هذه الأحداث تجري على حدودها، وتمس أمنها القومي.