ترامب يوجه سهامه ضد البنتاغون: معركة قد تضر حظوظه الانتخابية

09 سبتمبر 2020
يسعى ترامب لسرقة الأضواء من خصمه الديمقراطي (درو أنغيرير/Getty)
+ الخط -

بعد أيام قليلة على صدور تقرير لمجلة "ذا أتلانتك"، نقلت فيه عن مصادرها الخاصة إهانة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجنود بلاده الذين قاتلوا خلال الحرب العالمية الأولى، لم يتوان ساكن البيت الأبيض الجمهوري، عن اتهام قادة الجيش الأميركي، بالارتهان لشركات السلاح المتعطشة للحروب. هذا الاتهام، أطلقه ترامب أول من أمس الإثنين، من البيت الأبيض، حين قرّر بشكل مفاجئ عقد مؤتمر صحافي، وضعته الصحافة الأميركية في خانة محاولة سرقة الأضواء من جولة كانت تقوم بها كامالا هاريس، مرشحة منافسه في الرئاسيات جو بايدن، لمنصب نائب الرئيس، في ولاية ويسكونسن، فيما كان بايدن نفسه يزور ولاية بنسلفانيا، التي تنتظر سباقاً محموماً بين الرجلين في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وللمفارقة، سرق ترامب الأضواء أيضاً من نائبه مايك بنس، الذي كان مقدراً لزيارته إلى ويسكونس، أن تحول الولاية إلى ساحة استعراض بينه وبين هاريس، في محاولة لكسب العمال البيض للحزب الجمهوري، والسود إلى جانب المرشح الديمقراطي ونائبته. إلا أن ترامب اختار القيام باستعراضه الخاص، خلال المؤتمر الصحافي، واصفاً منافسه للرئاسيات بـ"الغبي"، لكنه أثار الجدل خصوصاً بهجومه على قادة البنتاغون، بعدما لمح إلى أن رواية "ذا أتلانتك"، التي نفاها بشكل قاطع، هي من صنعهم.

تنتظر ولاية بنسلفانيا سياقاً محموماً بين ترامب وبايدن

ولاحقاً أصدر البيت الأبيض توضيحاً حول تعليقات ترامب المرتبطة بالبنتاغون، لكن ذلك كلّه لم يمنع التكهن السهل بمدى التخبط الذي تعيشه حملة الرئيس، وهوس الأخير بإرضاء قاعدته بأي ثمن، ولو بفتح معركة قد تبدو غير ضرورية مع قادة الجيش. وهي معركة كانت بدأت منذ أن رفضت هذه القيادة التدخل لقمع الحراك المناهض للعنصرية في البلاد، والذي أجج في بعض الأحيان أعمال عنف. وكان البنتاغون أبدى أخيراً حياده تجاه مسألة نتائج الانتخابات، واستبعد كلّياً فرضية تدخله لصالح أي من المرشحين، إذا ما حاول أحدهما الطعن في نتائج الانتخابات، تاركاً للدستور الأميركي مهمة حسم الموقف. أما موقف ترامب، الذي ربطه أول من أمس مجدداً، بـ"الحروب الطويلة" التي يريد إخراج الولايات المتحدة منها، وبـ"تيار العولمة بارد القلب"، الذي يعيش على الحروب، وبضرورة عودة الجنود الأميركيين إلى ديارهم، فهو موجه خصوصاً إلى قاعدته التي كان وعدها بالانسحاب من الحروب الخارجية. وقال ترامب للصحافيين "أنا لا أقول إن القيادة العسكرية واقعة في حبّي، بل الجنود"، وذلك فيما أظهر استطلاع للرأي أن حجم التأييد الذي يحظى به الرئيس الجمهوري لدى العسكريين أدنى مقارنة بحجم تأييدهم لبايدن. ومنتقداً القادة العسكريين في الجيش الأميركي، قال الرئيس "إنهم لا يريدون فعل شيء، سوى شنّ الحروب، كي تبقى كل هذه الشركات الرائعة، التي تصنع القنابل، والمقاتلات الحربية، وكل شيء آخر، راضية وسعيدة"، من دون أن يذكر اختياره هو نفسه لوزير الدفاع مارك إسبر، الذي شغل في السابق منصباً تنفيذياً في شركة "رايثيون" المتخصصة في صناعة الأنظمة الدفاعية.

وفي رسالة أخرى لقاعدته، ذهب الرئيس إلى حدّ التلويح بإمكانية الانفصال اقتصادياً عن الصين، في تنافس واضح مع خصمه على كسب ود الطبقة العاملة الأميركية، والشركات والأعمال الصغيرة. وفي هذا الوقت أيضاً، كان بايدن يلتقي نقابات عمالية وعمالاً سودا، وهم يشكلون قاعدة مهمة للحزب الديمقراطي.
وتبادل ترامب وبايدن أول من أمس، الانتقادات الحادة مع دخول السباق الرئاسي مرحلته الأخيرة، إذ وصف الرئيس الجمهوري خصمه الديمقراطي بأنه "غبيّ"، وطالبه بالاعتذار لخطابه المناهض للقاحات، ليردّ نائب الرئيس السابق بالقول إنّ سيد البيت الأبيض يفتقر إلى "جرأة" التصدّي لجائحة كوفيد 19. وفي حين توجّه بايدن وهاريس إلى بنسلفانيا وويسكونسن المتأرجحتين، عقد ترامب مؤتمراً صحافياً مفاجئاً في البيت الأبيض جدّد فيه طرح إمكان التوصل إلى لقاح مضاد للوباء بحلول موعد الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يستبعده خبراء كثر، متهماً خصمه والديمقراطيين بإقحام السياسة في موضوع اللقاح. وشنّ ترامب هجوماً عنيفاً على هاريس، قائلاً إن "بايدن وزميلته الليبرالية للغاية، الأكثر ليبرالية في الكونغرس بالمناسبة، ليسا كفوءين في رأيي، سيدمران هذا البلد وهذا الاقتصاد. يجب أن يعتذرا فوراً عن الخطاب الطائش المناهض للقاحات، هذا موجه لدور العلم".
وكانت هاريس أكدت في نهاية الأسبوع الماضي عدم ثقتها بما يقوله ترامب بشأن مدى سلامة وفعالية اللقاح الذي يتحدث عنه. وتغنّى ترامب بتسارع وتيرة خلق فرص العمل بعد فقدان عشرات ملايين الوظائف، مشدداً على أن الولايات المتحدة في طريقها لتخطّي الجائحة، متهماً بايدن بـ"محاولة إلقاء بلادنا في أحضان الفيروس، وإلقاء عائلاتنا في أحضان غوغائية اليساريين".

كان البنتاغون قد استبعد كلّياً فرضية تدخله لصالح أي من المرشحين، إذا ما حاول أحدهما الطعن في نتائج الانتخابات

في ظلّ كل ذلك، لم يكن مفاجئاً أول من أمس، تنظيم أنصار ترامب، ومعظمهم من اليمين المتطرف، وبعضهم مسلّح وبزيّ عسكري، مواكب سيارة في ضواحي مدينة بورتلاند في ولاية أوريغون، وهي المدينة التي شهدت أخيراً أعمال عنف احتجاجاً على قمع الشرطة، ما يثير الخشية من احتدام هذا النوع من المسيرات والمواكب، والأخرى المضادة، مع اقتراب موعد الانتخابات.
من جهته، ذهب بايدن بعيداً في مهاجمته الرئيس الجمهوري، معتبراً أنه "غير أميركي"، في معرض رده على ما ذكرته "ذا أتلانتك" عن إهانة الجنود. وفي بنسلفانيا، مسقط رأسه، التقى المرشح الديمقراطي قياديين نقابيين، كما عقد اجتماعاً مع قادة الاتحاد الأميركي للعمل ومؤتمر المنظمات الصناعية، حيث قال عن الرئيس إن "أصدقاءه الأغنياء يعتبرونه رائعاً، لكن بقيتنا لا تعتبره كذلك".
ولا تزال الاستطلاعات تظهر تقدّم بايدن بثبات على ترامب الذي، على غرار منافسه، يركّز بشكل متزايد على ولايات الغرب الأوسط الأساسية، مثل ويسكونسن التي يتوقّع أن تشهد سباقاً محموماً. ويعتقد مراقبون أن توجّه هاريس إلى ويسكونسن، يمكن أن يشكل عاملاً مؤثراً في السباق، نظراً إلى أن نسبة مشاركة السود في الانتخابات في هذه الولاية تراجعت في العام 2016. وكان ترامب استبق زيارتها، باتهامها بوضع "أجندة بيئية راديكالية" للولاية المعروفة بتوليد الطاقة من الفحم الحجري.