بعد أسابيع شهدت استطلاعات الرأي فيها تفوقا ملحوظا لمرشح الرئاسة الديمقراطي جو بايدن في مواجهة الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب، شهدت الأيام الأخيرة انكماشاً في الفارق بين المرشحين، ساهم في تحقيقه ماراثون قوي لأسعار الأسهم الأميركية، وتوقعات بإجراء تخفيضات ضريبية على أرباح البورصة، وتزايد التوقعات بأن تمثل الفترة الحالية ذروة حالات الإصابة في الولايات المتحدة، الأمر الذي يبشر بانتعاش قريب للاقتصاد، طال انتظار ترامب له.
وبعد الإغلاق الكبير في منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا، تحمس ترامب لإعادة فتح الاقتصاد في أسرع وقت، أملاً في استعادة ملايين الوظائف التي فُقدت، بعدما أغلقت المصانع والشركات والمحال أبوابها، واختفى الطلب على أغلب الخدمات بسبب حبس المواطنين في منازلهم، إلا أن ظهور موجة جديدة من حالات الإصابة بالفيروس في العديد من الولايات كاد يطيح بآمال الرئيس الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة في استعادة الاقتصاد لنشاطه قبل انتخابات نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
لكن خلال الأسابيع الأخيرة، منحت سوق الأسهم ترامب وفريقه قبلة حياة، حيث تمكنت مؤشراتها الرئيسية من تسجيل أعلى مستوياتها على الإطلاق، قبل مرور خمسة أشهر على أقل نقطة وصلت إليها، حين بدأ الوباء في حصد أرواح الأميركيين بصورة لم يتخيلها أحد قبل أن تحدث.
وبعدما ساعدت حزم الإنقاذ بتريليونات الدولارات، وتدخلات بنك الاحتياط الفيدرالي في أسواق الأسهم، بخلاف تخفيض معدلات الفائدة إلى مستويات صفرية، على محو كل الخسائر التي لحقت بها خلال أزمة الوباء، أنهى مؤشر "اس آند بي 500" تعاملات يوم الثلاثاء على أعلى مستوى في تاريخه، رغم أن الشركات التي انخفضت أسعار أسهمها كانت أكثر من تلك التي ارتفعت أسعار أسهمها، إلا أن الوزن الأكبر لعمالقة التكنولوجيا، أمازون وألفابيت، الشركة الأم لغوغل، وآبل ومايكروسوفت وفيسبوك، التي تمثل معاً أكثر من خمس قيمة المؤشر، والتي شهدت أسعار أسهمها ارتفاعات كبيرة حلال الأسبوع الأخير، تسبب في تسجيل العلامة الجديدة لمؤشر الأسهم الأميركية الأكثر شمولاً.
ورغم محاولات ترامب المتكررة لاستغلال ارتفاع أسعار الأسهم، باعتبارها أهم المؤشرات الاقتصادية التي يرسي عليها دعائم حملته الانتخابية، لا يجد المواطنون، الذين ما زال أكثر من 16 مليوناً منهم يعانون من البطالة، وأغلق الآلاف منهم شركاتهم الصغيرة لأجل غير مسمى، وانتهى برنامج الإعانات الاستثنائية الذي كان بمثابة تعويض لهم عن الدخل المفقود، انعكاساً لقفزات أسعار الأسهم في الاقتصاد الحقيقي من حولهم.
ويقول براد نيومان، مدير استراتيجيات الأسواق لشركة ألجير لإدارة الصناديق بنيويورك، إن "وول ستريت ليست مرآة للاقتصاد، نظراً لانخفاض وزن الشركات الأكثر تضرراً من أزمة الوباء، مثل المولات التجارية والفنادق وشركات الطيران، في مؤشرات سوق الأسهم".
واستمراراً لمحاولاته إرضاء داعميه من أثرياء الولايات المتحدة، وأصحاب ورؤساء صناديق التحوط وبنوك الاستثمار، وأغلبهم من أكبر مؤيديه، لم يكتف ترامب بما تم تحقيقه في أسواق الأسهم، حيث يعكف حالياً على تمرير مشروع قانون يخفض الضرائب المستحقة على الأرباح الرأسمالية المحققة من بيع الأسهم والسندات، أو على أقل تقدير يربطها بمعدل التضخم، فلا يدفع صاحبها ضرائب إلا على ما يتجاوز هذا المعدل.
وفي حين يعرف الجميع أن الغرض الأساسي من هذا القانون، بخلاف إرضاء داعميه من كبار المستثمرين، هو دفع أسعار الأسهم لتحقيق مزيد من الارتفاع، يقول ترامب إن هذا الإجراء سيؤدي إلى "خلق المزيد من الوظائف".
وعلى الرغم مما ينص عليه الدستور الأميركي من ضرورة موافقة الكونغرس على مثل هذا القانون قبل تنفيذه، أوحى بعض المستشارين لترامب بأنه يمكنه إصدار أمر تنفيذي يخفض مستحقات الضرائب على المستثمرين عند بيع أصولهم، وهو ما أثار حفيظة أعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي، حتى أن بعضهم هدد باللجوء للقضاء إذا فعل ترامب ذلك.
وبينما يحاول ترامب الترويج للفكرة على أنها تصب في صالح المواطن المتوسط، تشير تقديرات نموذج ميزانية وارتون بولاية بنسلفانيا، التي تم إعلانها في 2018، إلى أن أغلب المستفيدين من قانون تخفيض الضرائب على الأرباح الرأسمالية هم من الأسر ذات الدخل المرتفع، حيث يحصل 1% الأعلى دخلاً بينهم على 86% من الوفر المحقق. وأشار النموذج إلى أن مثل تلك الخطوة يمكن أن تقلل الإيرادات الضريبية بمقدار 102 مليار دولار على مدى عقد من الزمن.
ورغم اعترافه بأن سوق الأسهم الأميركية نجحت في استعادة انتعاشها في وقتٍ قصير، فيما يشبه حرف V اللاتيني، يؤكد جيم كريمر، محلل الأسهم الشهير ومقدم برنامج "مال مجنون Mad Money"، أن الاقتصاد الأميركي في حالة غير مستقرة "خاصة في الوقت الحالي، حيث نفدت حزم الحكومة الموجهة لإنقاذ الاقتصاد، وحصل أعضاء الكونغرس على إجازة لن يعودوا منها قبل عيد العمال الأميركي، الذي يحل في 7 سبتمبر/ أيلول القادم، دون إقرار حزم بديلة".
وأشار كريمر، الذي يحظى برنامجه بشعبية ونسب مشاهدة شديدة الارتفاع في الولايات المتحدة، إلى أن "سوق الأسهم لم تعد انعكاساً للاقتصاد الحقيقي كما كان الحال من قبل، والجلبة التي نسمعها في سوق الأسهم لا تعكس معاناة الملايين المنتظرين في طوابير للحصول على وجبات ساخنة مجانية، أو لاستخدام (طوابع الطعام) في شراء بعض المأكولات، أو الملايين ممن يعملون في قطاع الخدمات الذين يتوقعون تسريحهم في أي لحظة، أو المشردين، أو من يختبئون في منازلهم في انتظار التوصل إلى مصل يقيهم من الإصابة بالفيروس".