في أول خطاب له أمام الكونغرس فجر الأربعاء، بدا الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رئاسيا في الأسلوب والنبرة، لكنه بقي على حاله في القناعات والسياسات الداخلية والخارجية.
في الأداء، كان على مستوى هذه المناسبة السنوية، التي يتوجه فيها الرئيس إلى الشعب الأميركي وممثليه، ليعرض ما قام به خلال الأسابيع الخمسة من رئاسته، وليقدم عرضاً لبرنامجه في السنة الجارية.
ظهر ترامب في خطابه بصورةٍ مغايرةٍ للتي كان عليها أثناء الحملة الانتخابية، خاصة أنه تحدث بلغة سلسة ومتفائلة، غلب عليها طابع الدعوة للتعاون والتقارب، مع رزمة وعود اقتصادية وتنموية وعسكرية، يستلزمها فتح فصل جديد لـ"استعادة مجد أميركا".
وقد استفاض في الحديث عن وعوده الداخلية التي بدت مبالغا فيها خلال خطابه، الذي خلا من مشروع قد يحدث فارقاً نوعياً يمكن أن يميز بداية رئاسته على غرار ما فعله كثيرون من أسلافه.
أما الشق الخارجي، قد كانت حصته خاطفة في خطابه، من دون أن يحيد عن قديمه، إذ وصف الرئيس الأميركي السياسة الخارجية لبلاده بأنها كانت كارثية. وغابت عن خطابه روسيا والصين وكوريا الشمالية، وأيضاً غاب ذكر أزمات الشرق الأوسط وحروبه. فقط عرّج على موضوع التطرف مستخدماً عبارة "الإسلام الرديكالي"، خلافاً لنصيحة مستشاره الجديد لشؤون الأمن القومي.
في كل مرة يلجأ الرئيس إلى هذه التسمية "يهمّش المسلمين، ويعزز عملية التجنيد" في صفوف المتطرفين، كما علّق السناتور الديمقراطي كريس مورفي.
وبهذا يؤكد الرئيس ترامب بأنه غير معني في الشرق الأوسط إلا بملاحقة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بل هو غير معني، على الساحة الدولية، بمواصلة الدور الأميركي المتوارث منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية. "أنا معني بتمثيل أميركا" فقط، كما قال، قبل أن يشدد على أن السياسة الخارجية الأميركية كانت "كارثية"، حسب وصفه.
وإذ يتعهد بممارسة دبلوماسية مباشرة ونشطة، مع أنه ينوي خفض موازنة وزارة الخارجية بنسبة كبيرة، إلا أنه يشترط على الشركاء في أوروبا والشرق الأوسط الوفاء بمسؤولياتهم.
المقاربة نفسها تنطبق على التجارة الدولية، حيث شدد ترامب على أهمية الانسحاب من الاتفاقيات الدولية واستبدالها بالعلاقات التجارية الثنائية، ملوحاً بالمعاملة بالمثل على صعيد فرض رسوم الاستيراد على البضائع الأجنبية. وبذلك فهو لم يتراجع عن طروحاته التي سبق وأعلنها، بالرغم من التحذيرات التي أطلقتها مرجعيات اقتصادية من عواقب مثل هذا التوجه؛ ليس فقط على الاقتصاد الأميركي، بل أيضاً الدولي، لما قد يؤدي إليه من "حرب تجارية".
لكن الرئيس متشبث بنظرته "للاقتصاد الوطني" الذي يقول إنه منهوب من الخارج. تماماً كما هي نظرته للتحالفات التي يقول إنها كلفت أميركا ثروات لحماية الآخرين.
الرئيس ترامب وفريقه النافذ ينتمون إلى المدرسة الحمائية التي تتوجس من الآخر، والمشدودة بحبال الحنين إلى الماضي، يوم كانت الولايات المتحدة تنفرد بموقعها الممتاز. فهي لا تقبل أن هذا الموقع انتهى.