ترامب وكورونا... معالجة مقلوبة وتقديم السياسة على العلم

25 مارس 2020
البيت الأبيض يعطي أولوية لإنقاذ الاقتصاد (Getty)
+ الخط -
خلال مشاركته في منتدى "دافوس" الاقتصادي، في يناير/ كانون الثاني الماضي، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إنّ فيروس كورونا "تحت سيطرتنا بالكامل". 

وبعد أيام، طمأن ترامب الأميركيين بأنّ الموجة لا تزيد عن وعكة عابرة ولمدة بسيطة، ثم مع تفاقم الوباء، اكتشف أنّ المسألة جدية فاضطر للاعتراف بخطورتها وإعلان حالة الطوارئ التي كان يُفترض أن يرافقها استنفار شامل، ولو متأخر، للإمكانات والموارد اللازمة للمواجهة، لكن ذلك لم يحصل، وبقيت الخطوات نصفية أو معلّقة.

أحد الأسباب أنّ البيت الأبيض علّق بعض الآمال على عقاقير متوفرة لمعالجة أمراض أخرى مثل الملاريا، علها تكون مجدية ضد كورونا، لكن سرعان ما تبيّن أنّ الرهان عليها في غير محلّه حتى الآن. بعد ذلك، جرى تحريك قانون "الإنتاج الدفاعي"، لاعتماده في مطالبة الصناعات الكبرى بتحويل إنتاجها نحو صناعة الأجهزة الطبية اللازمة بكميات كبيرة لمعالجة المصابين بالوباء، لكن الخطوة بقيت من دون تفعيل، كما بقيت الاستعانة بالجيش جزئية، رغم الإلحاح على وجوب توظيف إمكاناته الطبية واللوجستية الهائلة.

في النهاية، وبعد أسابيع من الترقيع والتردد والخطوات الجزئية، عاد ترامب فجأة إلى المربع الأول، من خلال دعوته لاستئناف الدورة الاقتصادية العادية وفك العزل للعودة إلى العمل قريباً، أي في حوالي الأسبوع الثاني من إبريل/نيسان المقبل، مبرراً ذلك بأنّ الإنفلونزا تحصد ضحايا أكثر من هذا الوباء وأنّه لا يجوز ترك أميركا "مقفلة" لمدة طويلة.
وأثار هذا التوجه، الشبيه بوضع العربة أمام الحصان، الكثير من الدهشة والتحذيرات الطبية من عواقبه البشرية. "العودة إلى العمل لم يحن وقتها بعد.. ولا تنفع"، كما قال أشيش جا؛ الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد. الأولوية هي لتطويق الفيروس كمقدمة لعودة تدريجية إلى العمل وبخلافه يفتح الباب أمام هجمة كاسرة للفيروس، إنه تنبيه أطلقته، بصورة أو بأخرى، مرجعيات طبية تتمتع بصدقية واسعة على رأسها الدكتور أنطوني فاوتشي مدير مركز الأوبئة المُعدية الذي غاب، الإثنين وقبله، عن المؤتمر الصحافي اليومي الذي يعقده الرئيس في البيت الأبيض، على خلفية تعاظم النفور بينهما، فالرئيس لم يعد يخفي انزعاجه من الطبيب المرجعي الذي طالما نقض تطميناته أكثر من مرة، أخيراً، أمام الكاميرا.
اقــرأ أيضاً


وحتى المنسقة الطبية في البيت الأبيض الدكتورة ديبورا بيركس، تحفظت ضمناً على خيار ترامب بالعودة القريبة إلى العمل. ولفتت، خلال المؤتمر الصحافي، إلى أهمية استناد قرار من هذا النوع إلى المعلومات التي تقدمها تطورات الوباء، فيما شددت الجهات المعنية على وجوب ترك هذا الأمر "لأهل العلم والاختصاص".

ويزيد من الاستغراب أن يطرح ترامب هذا الخيار في لحظة تضاعفت فيها أرقام المصابين خمس مرات، خلال أربعة أيام، من عشرة آلاف إلى خمسين ألفاً؛ توفي منهم حوالي 640 حتى كتابة هذه السطور. والمسلسل متواصل وينذر بالأدهى، بحسب أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك التي صارت "ووهان" الأميركية.

ويواكب هذه التطورات نقص متزايد في إمكانيات المستشفيات والإمدادات واللوازم الطبية الضرورية، والذي يقترب من الخط الأحمر، إضافة إلى نقص في تجهيزات الوقاية الأولية للطواقم والكوادر الطبية العاملة على خط الدفاع الأول في محاربة "كوفيد – 19" المستشري.

لكن الرئيس عنده أيضاً حسابات أخرى تتصل بتأثير الوضع الاقتصادي المتدهور على الانتخابات الرئاسية، واستمرار هذه الحال يهدد بتآكل رصيده، وبالتالي فرص تجديد رئاسته، فالوقت يمضي والحملات الانتخابية متوقفة.
ولاستباق مثل هذا الخطر، تحرك البيت الأبيض على خطين: خط تبديل الخطاب بحيث يجري التركيز على إعطاء الأولوية لإنقاذ الاقتصاد، الذي "تتقدم حمايته على الموت بالفيروس"، بحسب أحد مساعدي حاكم ولاية تكساس. وتشارك في هذا التوجه وتحث عليه، نخب من المحافظين من بينهم رئيس مجلس النواب الأسبق نيوت غينغريتش. ووصل هذا التركيز إلى حدّ تفضيل إعادة تحريك عجلات الاقتصاد، حتى "لو بلغت الكلفة البشرية وفاة 3,4% من المصابين حسب التقديرات"، فالمعركة في عمقها سياسية وإن اصطدمت بأولويات الحياة والعلم.
والخط الثاني يتمثل في مشروع "الإنقاذ والتحفيز" الذي يتفاوض فريق البيت الأبيض وخصومه في الكونغرس حول بنوده، منذ السبت الماضي، وآخر المعلومات أنه جرى التوافق على حزمة مخصصات بقيمة 1.8 مليار دولار موزعة على سائر القطاعات المتضررة، صوت عليها مجلس الشيوخ، ويصوت عليها لاحقاً مجلس النواب.


واحتلّت الاعتبارات السياسية والانتخابية جوهر عملية الشد والجذب الجارية، منذ أواخر الأسبوع، بين البيت الأبيض وفريقه، وبين الديمقراطيين في الكونغرس، لإقراره بالصيغة الملائمة قدر الإمكان للطرفين، لكن الصفقة على ضخامتها غير المسبوقة في تاريخ الكونغرس، ليست أكثر من مرهم للتسكين المؤقت، وكله مرهون بمدى ومدة تمدد الفيروس الذي يرى فاوتشي أنّ وطأته لن تخف "قبل عدة أسابيع"، وثمة حديث عن أشهر خلافاً لتوقعات الرئيس.

تباين وضع المشهد يقع في حالة "حيص بيص"، والأولويات والمعالجات متضاربة، والتحدي طبي واستعجال المعالجات الاقتصادية ليس المخرج، فالوقت لا يحل مشكلة فيروس كورونا، "فإما أن يسبقك وإما أن تسبقه"، كما يقول عن ذلك رئيس مجلس العلاقات الخارجية ريتشارد هاس، مضيفاً: "نحن في مأزق لأنّ الوباء سبق أميركا".

المساهمون