19 يناير 2024
ترامب وإعلان حال الطوارئ
أعلن الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، حالة الطوارئ الوطنية، بهدف السماح له باستخدام الأموال المخصصة لوزارة الدفاع الأميركية لبناء الجدار الذي أعلن في حملته الانتخابية أنه سيقيمه مع المكسيك. وعلى الرغم من أن ترامب ليس الرئيس الأميركي الأول الذي يستخدم هذه الصلاحية الممنوحة له بالدستور، فقد استخدمها أكثر من خمسين مرة تقريبا رؤساء سابقون، لكنها الأولى التي يستخدم هذه الصلاحية الرئيس الأميركي في ظل معارضة الكونغرس هذا الموضوع، بل والتصويت ضده في الكونغرس، وبالتالي، وكما هو معروف، النظام السياسي الأميركي مصمم على أن يعطي الكونغرس صلاحيات الصرف المالي، وحتى إذا طلب الرئيس ميزانية محدّدة، فإنها تحتاج موافقة الكونغرس.
وفي هذه المرة، طلب ترامب ما يعادل 5.7 مليارا تدولار لبناء الجدار، فوافق الكونغرس على مبلغ 1.8 دولار من أجل بنائه، وهو ما لم يعجب الرئيس ترامب الذي قرّر، رداً على ذلك، إعلان حالة الطوارئ، واستخدام 7 مليارات دولار من مخصّصات وزارة الدفاع الأميركية لبناء الجدار، وهو ما يعني، بشكل وآخر، التفافا على الكونغرس في موضوعٍ صوّت ضده.
السؤال الآن: ماذا سيحدث بعد ذلك، سيحاول الحزب الديمقراطي في الكونغرس تعطيل حالة الطوارئ أو إلغاءها، لكن الحزب الجمهوري يمتلك الأغلبية في مجلس الشيوخ، سيُفشل أي تصويت في النهاية. وهنا ليس أمام الحزب الديمقراطي سوى اللجوء إلى القضاء، وفعلا رفعت 17 ولاية زرقاء، وفي مقدمتها كاليفورنيا، دعوى بهدف إبطال حالة الطوارئ، وعلينا أن ننتظر قرار المحكمة.
لطالما أشار ترامب بازدراء إلى مفاهيم السلطة الرئاسية المحدودة والحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة، وامتدح النظام السياسي في الصين وروسيا، حيث يأمر الرئيس فالكل يطيع، ففهمه الديمقراطية في أميركا أنها تحد من طموحاته في السيطرة التنفيذية. وخلال حملته الانتخابية عام 2016، أثنى على الدكتاتوريين. ومع انزلاق الديمقراطيات في العالم إلى حكم استبدادي، وانتشار الشعبوية، فإن ترامب يستمد منها الكثير، ويعطيها الكثير، فهو أعلن دعمه انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولليمين المتطرّف في فرنسا، وغيره من حركات مثيلة
ومعادية للديمقراطية.
طبعا يقال دوما إن الولايات المتحدة تعد عصية على الحكم الفردي، بسبب قوة مؤسساتها، ولامركزية نظامها السياسي، وتوزيع القوى داخلها، والفصل بينها بشكل قوي وواضح، فلا يستطيع ترامب أن يفعل الكثير، من دون إطاحة الحدود التي حددها الدستور والكونغرس والسلطة القضائية. ولذلك فالذين يرون في ترامب تهديدا للديمقراطية يعزّون أنفسهم بالاعتقاد بأن هذه الحدود ستجعله تحت السيطرة.
ومع إعلان ترامب "حالة طوارئ"، وهو قرار خاضع لسلطته التقديرية، أثيرت المخاوف مجدّداً حول انزلاق النظام الديمقراطي في أميركا للنزعة الاستبدادية الفردية، حيث أنه مع إعلان حال الطوارئ، يصبح أكثر من مائة نص خاص متاحًا له. في حين أن عديدا من هذه النصوص تستجيب بشكل معقول لحالات الطوارئ الحقيقية، لكن بعضها مناسبٌ بشكل خطير لزعيم مصمّم على مركزة السلطة أو الاحتفاظ بها. مثلا، يمكن للرئيس، بجرّة قلم، تفعيل القوانين التي تسمح له بإغلاق أنواع عديدة من الاتصالات الإلكترونية داخل الولايات المتحدة، أو تجميد الحسابات المصرفية الأميركية. وهناك صلاحيات أخرى متاحة، حتى من دون إعلان حالة الطوارئ، بما في ذلك القوانين التي تسمح للرئيس بنشر القوات داخل البلاد، لإخضاع الاضطرابات الداخلية.
وقد استندت هذه النصوص من القوى الاستثنائية تاريخيا إلى افتراض أن الرئيس سيعمل في مصلحة البلد الفضلى عند استخدامها. مع وجود استثناءات قليلة جديرة بالملاحظة، فإن هذا الافتراض قد توقف الآن في حال ترامب، كما يُحاجج كثيرون، فالسؤال الآن: هل سيكون إعلان حالة الطوارئ مقدمة لترامب، من أجل التمسك بالسلطة والاحتفاظ بها.
في النهاية، يمكن القول إن القاعدة الانتخابية لترامب اقتصادية بشكل رئيسي، وليست أيديولوجية، على الرغم من تصريحات ترامب العنصرية تجاه الأقليات والنساء وغيرها من الطبقات. وعلى الرغم من أن محللين وضعوه في خانة اليمين المتطرّف، إلا أنه في الحقيقة بعيد عن هذا التصنيف، وهو أقرب إلى الشعبوية منه إلى أيدولوجيا اليمين المتطرّف.
لذلك يمكن القول إنه إذا ما حافظ ترامب على النمو الاقتصادي المرتفع الذي تحظى به الولايات المتحدة اليوم، حيث رفع نسبة النمو داخل الولايات المتحدة التي استقرت على 1.8، وهي أدنى نسبة نمو منذ عام 1948 إلى 3%، فربما تتغير الأمور، عندما يجد ترامب نفسه في البيت الأبيض، ويواجه تحديات ومشكلات داخلية وخارجية غير متوقعة، ومن خارج حدود معرفته الفقيرة. وبالتالي، يستخدم النمو الاقتصادي من أجل الحصول على صلاحياتٍ أكبر، بهدف استفرادٍ أكبر بالسلطة.
السؤال الآن: ماذا سيحدث بعد ذلك، سيحاول الحزب الديمقراطي في الكونغرس تعطيل حالة الطوارئ أو إلغاءها، لكن الحزب الجمهوري يمتلك الأغلبية في مجلس الشيوخ، سيُفشل أي تصويت في النهاية. وهنا ليس أمام الحزب الديمقراطي سوى اللجوء إلى القضاء، وفعلا رفعت 17 ولاية زرقاء، وفي مقدمتها كاليفورنيا، دعوى بهدف إبطال حالة الطوارئ، وعلينا أن ننتظر قرار المحكمة.
لطالما أشار ترامب بازدراء إلى مفاهيم السلطة الرئاسية المحدودة والحكم الديمقراطي في الولايات المتحدة، وامتدح النظام السياسي في الصين وروسيا، حيث يأمر الرئيس فالكل يطيع، ففهمه الديمقراطية في أميركا أنها تحد من طموحاته في السيطرة التنفيذية. وخلال حملته الانتخابية عام 2016، أثنى على الدكتاتوريين. ومع انزلاق الديمقراطيات في العالم إلى حكم استبدادي، وانتشار الشعبوية، فإن ترامب يستمد منها الكثير، ويعطيها الكثير، فهو أعلن دعمه انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ولليمين المتطرّف في فرنسا، وغيره من حركات مثيلة
طبعا يقال دوما إن الولايات المتحدة تعد عصية على الحكم الفردي، بسبب قوة مؤسساتها، ولامركزية نظامها السياسي، وتوزيع القوى داخلها، والفصل بينها بشكل قوي وواضح، فلا يستطيع ترامب أن يفعل الكثير، من دون إطاحة الحدود التي حددها الدستور والكونغرس والسلطة القضائية. ولذلك فالذين يرون في ترامب تهديدا للديمقراطية يعزّون أنفسهم بالاعتقاد بأن هذه الحدود ستجعله تحت السيطرة.
ومع إعلان ترامب "حالة طوارئ"، وهو قرار خاضع لسلطته التقديرية، أثيرت المخاوف مجدّداً حول انزلاق النظام الديمقراطي في أميركا للنزعة الاستبدادية الفردية، حيث أنه مع إعلان حال الطوارئ، يصبح أكثر من مائة نص خاص متاحًا له. في حين أن عديدا من هذه النصوص تستجيب بشكل معقول لحالات الطوارئ الحقيقية، لكن بعضها مناسبٌ بشكل خطير لزعيم مصمّم على مركزة السلطة أو الاحتفاظ بها. مثلا، يمكن للرئيس، بجرّة قلم، تفعيل القوانين التي تسمح له بإغلاق أنواع عديدة من الاتصالات الإلكترونية داخل الولايات المتحدة، أو تجميد الحسابات المصرفية الأميركية. وهناك صلاحيات أخرى متاحة، حتى من دون إعلان حالة الطوارئ، بما في ذلك القوانين التي تسمح للرئيس بنشر القوات داخل البلاد، لإخضاع الاضطرابات الداخلية.
وقد استندت هذه النصوص من القوى الاستثنائية تاريخيا إلى افتراض أن الرئيس سيعمل في مصلحة البلد الفضلى عند استخدامها. مع وجود استثناءات قليلة جديرة بالملاحظة، فإن هذا الافتراض قد توقف الآن في حال ترامب، كما يُحاجج كثيرون، فالسؤال الآن: هل سيكون إعلان حالة الطوارئ مقدمة لترامب، من أجل التمسك بالسلطة والاحتفاظ بها.
في النهاية، يمكن القول إن القاعدة الانتخابية لترامب اقتصادية بشكل رئيسي، وليست أيديولوجية، على الرغم من تصريحات ترامب العنصرية تجاه الأقليات والنساء وغيرها من الطبقات. وعلى الرغم من أن محللين وضعوه في خانة اليمين المتطرّف، إلا أنه في الحقيقة بعيد عن هذا التصنيف، وهو أقرب إلى الشعبوية منه إلى أيدولوجيا اليمين المتطرّف.
لذلك يمكن القول إنه إذا ما حافظ ترامب على النمو الاقتصادي المرتفع الذي تحظى به الولايات المتحدة اليوم، حيث رفع نسبة النمو داخل الولايات المتحدة التي استقرت على 1.8، وهي أدنى نسبة نمو منذ عام 1948 إلى 3%، فربما تتغير الأمور، عندما يجد ترامب نفسه في البيت الأبيض، ويواجه تحديات ومشكلات داخلية وخارجية غير متوقعة، ومن خارج حدود معرفته الفقيرة. وبالتالي، يستخدم النمو الاقتصادي من أجل الحصول على صلاحياتٍ أكبر، بهدف استفرادٍ أكبر بالسلطة.