ترامب قد ينقلب على شعاره "الانسحاب من الحروب"

11 مايو 2019
حروب ترامب اشتعلت مرة واحدة(Getty)
+ الخط -
حروب إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من كل الأصناف اشتعلت مرة واحدة أو هي على وشك الاشتعال وعلى أكثر من جبهة في الخارج والداخل. حربها التجارية مع الصين بدأت يوم الجمعة؛ فيما صدامها مع إيران يبدو أنه دخل مرحلة التحضيرات الأخيرة، وأما تدخلها العسكري في فنزويلا فما زالت "ورقته على الطاولة"، في حين غيوم عودتها إلى لغة المواجهة مع كوريا الشمالية تتجمع في الأفق القريب، إلى جانب مشاركتها في حرب اليمن مفتوحة. هذا فضلاً عن نزاعاتها الناشبة مع أكثر من ساحة، كانت كندا آخرها حول الممر المائي الشمالي الغربي القريب من حدود البلدين.

تواكب ذلك حربها القانونية ــ السياسية مع الكونغرس التي تجاوزت الحدود في تجاهل الأصول والقوانين السارية المفعول، وتهدد بالزحف نحو أزمة دستورية مستعصية لو انسدت طرق الحلول والمخارج.

في وقت متأخر من أمس الجمعة، انتهت في واشنطن المفاوضات التجارية الأميركية ــ الصينية، بعد يومين من الاجتماعات من دون توافق. على الفور، ارتفعت التعرفة الجمركية الأميركية إلى 25 بالمائة على ما قيمته 200 مليار دولار من البضائع المستوردة من الصين. ومن المتوقع أن ترد هذه الأخيرة بالمثل. كما توعّد ترامب برفع الرسوم لاحقاً على 300 مليار أخرى من المستوردات الصينية، بحيث تصبح الحرب التجارية شاملة بين البلدين.

نتيجة خالفت التوقعات والإشارات التي صدرت قبل الجولة عن الإدارة الأميركية والتي أوحت بترجيح كفة الاتفاق. لكن يبدو أن حسابات البيت الأبيض تغيرت في ضوء ظروفه الداخلية الضاغطة التي يبدو أنها قضت بالتشدد ولو أدى إلى فشل المفاوضات مع الصين، على أمل أن تعقب ذلك عودةٌ إلى الطاولة لاحقاً تنتهي إلى تسوية يوظفها الرئيس ترامب على أنها جاءت كحصيلة لإصراره على تنازلات صينية، وبذلك تنزل كمكسب في رصيده. إلا أن ذلك غير المضمون في ضوء قبول الصين التحدي. وفي أحسن الحالات، قد لا يحصل قبل مرور فترة مؤذية للطرفين كما للتبادل التجاري العالمي. لكن ذلك لا يؤرق البيت الأبيض إذا ما انتهى في خدمة حساباته.

الحسابات ذاتها يبدو أنه كان لها الدور الرئيسي في التحشيد العسكري ضد إيران. حالة الاستنفار والاستعدادات التي كان آخرها قرارٌ بنشر بطارية صواريخ باتريوت في المنطقة، نقلت التوقعات بوقوع عمل حربي من خانة الترجيح إلى خانة "بداية العد العكسي". الخشية جدية والحديث عن ضربة عسكرية يطغى على قراءات المراقبين وأثار الكثير من التحذيرات. بعض الجمهوريين في الكونغرس أبدوا امتعاضهم من تجاهل الإدارة وعدم اطلاعهم على "المعلومات" التي تقول إنها حملتها على حشد القوة غير الاعتيادية في المنطقة. رافق ذلك كثير من الشكوك والريبة في نوايا المستشار جون بولتون الذي يعتبر مهندس هذا الاستنفار.

يأتي ذلك أيضاً في أعقاب الفيتو الذي استخدمه ترامب لإسقاط قرار الكونغرس بوقف دعم حرب اليمن. كما يأتي وسط تأكيد رئيس هيئة الأركان الجنرال جوزف دانفورد للكونغرس بأن القوات الأميركية باقية في أفغانستان "طالما بقيت حالة التمرد قائمة" هناك.

وحتى يكتمل مشهد الحروب، توسعت المواجهة في الأيام الأخيرة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وبدأت تلامس العصب الحساس، إذ بدأت الترتيبات لمقاضاة وزير العدل وليام بار وصدرت استدعاءات جديدة بحق وزير المالية (لرفضه تسليم البيانات الضريبية الخاصة بترامب وعائلته). وما أغاظ البيت الأبيض أن منها ما صدر عن جمهوريين. رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ استدعى ابن الرئيس، دونالد جونيور للإدلاء بإفادته. القضية تعقدت وصار التحدي فيها شخصياً وقانونياً. حتى الآن، ما زالت الأمور تسير عبر الآليات والقنوات المعتمدة. لكنّ هناك تخوفاً من أن تتعامل الإدارة مع قرارات القضاء في نهاية المطاف بالإهمال وعدم الاكتراث نفسَيهما اللذين تعاملت بهما مع استدعاءات وطلبات لجان مجلس النواب. عندئذ يقع الوضع في أزمة دستورية حقيقية، لأن الدستور لا ينص على مخرج لمثل هذا المأزق.

الشطط عنوان اللحظة الراهنة في واشنطن، والمعالجات متعذرة. ليس ذلك فحسب، بل إن الوضع مقبل على المزيد من التوتر المشابه كلما ارتفعت حرارة الحملة الانتخابية. والرئيس الذي رفع في حملته الانتخابية شعار "الانسحاب من الحروب" يتجه نحو الانقلاب على شعاره. تفاقم أزمة رئاسته خاصة بعد صدور تقرير روبرت مولر، ربما جعل ورقة الخارج مغرية لتغيير اللحن.

ما يطرح تساؤل: هل كان تزامن هذه الأزمات والتحديات صدفة؟

المساهمون