والأمر المعلن حتى الآن هو أن الرئيس ترامب سوف يوجّه خطاباً إلى القمة الثالثة يخص شعوب العالم الإسلامي، على غرار الخطاب الذي ألقاه سلفه باراك أوباما في جامعة القاهرة في بداية ولايته الأولى، والذي ركّز على البعد الديني والتسامح، وأطلق جملة من الوعود لم يتم تنفيذ أي منها.
يعطي الطرفان الأميركي والسعودي أهمية خاصة لزيارة ترامب، فمن جانب واشنطن تكرر القول، هذا الأسبوع، إن اختيار ترامب للسعودية في أول زيارة خارجية منذ دخوله البيت الأبيض أمر له مغزاه الكبير، وهو ترجمة مباشرة لما تحتله السعودية والعالم الإسلامي من اهتمام من طرف إدارته.
أما من جانب السعودية، فقد بلغ الاهتمام بالزيارة حد اعتبارها إعادة تأسيس للعلاقات السعودية الأميركية، وجرى مقارنتها في وسائل الإعلام السعودية باللقاء التاريخي الذي جمع الملك عبد العزيز آل سعود مع الرئيس الأميركي العائد من يالطا، فرانكلين روزفلت، على ظهر الطراد كوينسي عام 1945، والذي جرى خلاله الاتفاق على تقديم الولايات المتحدة الحماية للمملكة، مقابل ضمان السعودية إمداد الولايات المتحدة بالنفط.
لم يتعرض هذا الاتفاق لامتحان حقيقي إلا في فترة الرئيس الأميركي السابق، بارك أوباما، والذي احترمت إدارته الاتفاقات مع السعودية من حيث الشكل، وتصرّفت على نحو مختلف على صعيد الترجمة الواقعية لها، وانعكس ذلك إلى مخاوف في أوساط الحكم السعودي بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران في يوليو/ تموز 2015 من أن واشنطن تخلت عن المعادلة التقليدية التي حكمت علاقتها بمنطقة الخليج، واختارت التعامل مع إيران، وهو ما بدت براهينه في عدم إبداء رد فعل أميركي قوي على تدخلات إيران في البلدان العربية، من العراق وسورية ولبنان، وصولا إلى اليمن ودعم الحوثيين الذين هددوا أمن السعودية في صورة مباشرة.
البعد الثنائي في زيارة ترامب يحتل موقعاً أساسياً، ولكن القضايا العربية والإسلامية سوف تلقي بثقلها على أجندة القمم الثلاث. وحتى لا تكون جولة ترامب شبيهة بجولة أوباما الأولى، فإن العرب مطالبون بأن يطرحوا على الرئيس الأميركي أسئلة عدة، وأن يحصلوا على إجابات صريحة حولها.
السؤال الأول: ما هي خطة الإدارة الأميركية للتعامل مع مشاكل المنطقة العربية، في فلسطين وسورية والعراق واليمن وليبيا ومصر؟
السؤال الثاني: كيف تنظر الإدارة الأميركية إلى أمن منطقة الشرق الأوسط، ومنه أمن منطقة الخليج؟
السؤال الثالث: ما هي نظرة الإدارة الأميركية إلى إقامة استقرار دائم في المنطقة، والقضاء على الحروب؟
السؤال الرابع: ما هو تعريف الإرهاب؟ وكيف تفهم الإدارة الأميركية الإسلام؟ وما هي نظرتها الفعلية للمسلمين؟
لن يقدم ترامب إجابات مباشرة عن هذه الأسئلة، ولكن بدلاً من أن يتبرع الإخوة السعوديون للإجابة مكانه، مطلوب منهم ألا يضيّعوا الفرصة في الحصول على إجابات تشكّل معادلة تخدم الولايات المتحدة ودول المنطقة على قدم المساواة، وإلا فإننا سنعود إلى المربع الأول، وتنتهي الزيارة إلى توقيع اتفاقات تسلح وصفقات أخرى، تخدم الشركات الأميركية فقط.
المطلوب من دول الخليج أن تقدم بدورها خططها الخاصة من أجل استثمار الزيارة في الاتجاهين، بحيث تتحدد التزامات كل طرف من دون غموض أو ابتزاز. فالولايات المتحدة التي ترتبط باتفاقيات دفاعية وأمنية مع دول الخليج لا تؤدي خدمات مجانية لهذه الدول، ومن يراجع ما يترتب على دول الخليج يجد أنها تدفع مبالغ طائلة لصفقات التسلح والخبراء الأميركيين، ثم إن هذا لا يكلف دافعي الضرائب الأميركيين، على غرار التحالف مع إسرائيل التي تحظى بمساعدات تفوق 4 مليارات دولار سنويا.
معيار نجاح القمم الثلاث ليس الصخب الإعلامي الذي سيرافقها، بل الخروج بحلول عملية ترضي أهل المنطقة جميعاً، من خلال آليات تترجم نفسها بتغييرات على الأرض. وكي لا نبيع أنفسنا أوهاماً يتطلب الأمر قبل كل شيء عدم رفع سقف التوقعات، لأن ترامب سبق أن غير مواقفه أكثر من مرة بخصوص أوروبا وحلف الأطلسي، وحتى السعودية، كما أنه إذا استمر وضعه الداخلي على ما هو الحال سوف تستهلكه متاعبه الداخلية، وسينسى المنطقة.
تأتي الزيارة في وقت صعب، ووسط اختلاط أوراق وتضارب أجندات، وأمل ضئيل في إحداث تغيير كبير في المنطقة، يعوّل عليه البلد المضيف.