بعد تولي وزير المال المصري الجديد هاني قدري دميان منصبه الشهر الماضي، كانت أولى الخطوات التي اتخذها هي خفض تقييم الحكومة لوضعها المالي، قائلا إن العجز في ميزانية هذا العام سيزيد بنحو الثلث عن تقديرات سلفه.
وأقر الوزير بتزايد عبء الدين العام الذي قد يصبح أكبر خطر يهدد التعافي الاقتصادي لمصر بعد سنوات من الاضطرابات السياسية.
ومنذ إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي في الثالث من يوليو/ تموز، تدفقت على مصر مساعدات خليجية بمليارات الدولارات، ساهمت في تخفيف حدة معظم المشكلات الاقتصادية الملحّة في البلاد، وظهر ذلك في استقرار الجنيه وتراجع حدة نقص الوقود.
غير أن وضع المالية العامة لمصر ما زال يتدهور، وسط توقعات بمواصلته التدهور في النصف الثاني من العقد الحالي على الأقل.
وفي هذه الفترة قد ترتفع نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 100%، وهو مستوى يرى الكثير من الاقتصاديين أنه ينطوي على مخاطر محتملة.
وفي أسوأ السيناريوهات قد يصبح الدين ضخماً إلى حد تلتهم فيه أعباء خدمة الدين جزءاً متزايداً من إنفاق الحكومة، وهو ما يضعها في حلقة مفرغة.
وقد يؤدي الدين، على أقل تقدير، إلى تراجع إنفاق القطاع الخاص، ومن ثم تفاقم التوترات السياسية من جراء الحد من إمكانيات التوظيف وخلق فرص العمل.
وسجلت مؤشرات اقتصادية عدة في مصر تراجعاً، خلال الأشهر الستة الأخيرة من عام 2013، التي شهدت بداية تولي الحكومة المؤقتة برئاسة، حازم الببلاوي، مقاليد الأمور عقب إطاحة الجيش الرئيس محمد مرسي.
وأعلن الببلاوي نهاية فبراير/شباط الماضي، استقالة حكومته، بعد أقل من 8 أشهر من تشكيلها، بتكليف من الرئيس المؤقت عدلي منصور.
وأشار الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في يناير/كانون الثاني الماضي، إلى ارتفاع نسبة البطالة في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2013، بعد 6 أشهر من تشكيل الببلاوي للحكومة، لتصل إلى 14.6%، بينما كانت 13.2% في نهاية يونيو/حزيران من العام نفسه، وهو آخر شهر في العام الذي قضاه مرسي في الحكم.
وبالنسبة لمعدلات التضخم (أسعار المستهلكين)، فقد بلغت على أساس سنوي في ديسمبر/ كانون الاول 2013، نحو 11.7%، فيما سجلت في يونيو 10.6%، حسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وحول الدين المحلي، فقد ارتفع الدين المحلي خلال الأشهر الستة الأولى من عمر حكومة الببلاوي، مسجلا 1.59 تريليون جنيه، مقابل 1.52 تريليون جنيه، بزيادة بلغت نسبتها 2.58%.
كما ارتفع الدين الخارجي لمصر إلى 49.3 مليار دولار في ديسمبر 2013، مقابل 43 مليار دولار في يونيو من العام نفسه، وفق بيانات البنك المركزي المصري، بزيادة 14.6%.
وبلغ حجم الاقتراض المحلي عبر طرح أدوات دين ممثلة في سندات وأذون خزانة نحو 486.7 مليار جنيه في الفترة من يوليو إلى ديسمبر 2013، مقابل 316.3 مليار جنيه في الفترة من يناير إلى نهاية يونيو من العام نفسه، بزيادة بلغت نسبتها 53.8%.
وقال مصطفى بسيوني الخبير الاقتصادي لدى معهد سيجنت المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية بالقاهرة: "تنفق مصر أكثر مما تستطيع اقتراضه في ضوء المعدلات المنخفضة لنمو الناتج المحلي الإجمالي".
وأضاف بسيوني "المسألة تتعلق بالثقة في القدرة على السداد... فمصر ستحتاج إلى تحقيق معدل نمو يتراوح بين 5 و6% في السنوات الثلاث المقبلة، وهذا مستبعد إلى حد كبير. صحيح أنها لم تصل بعد إلى مستوى خطر ولكنها تمضي في مسار في غاية الخطورة".
لا شك أن وضع مصر المالي كان ضعيفاً حتى قبل ثورة يناير، إذ بلغت مستويات العجز في ميزانية الحكومة نحو 8% من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات التي سبقت 2011.
لكن الاضطرابات السياسية والتي ازدادت حدتها بعد الانقلاب العسكري في يوليو 2013، زادت الطين بلة بانخفاض معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أكثر من النصف، وهو ما انعكس سلباً على الإيرادات الضريبية.
وقال وزير المال إن من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 2.3% في السنة المالية الحالية.
وفي ظل ضعف الاستثمارات الخاصة بسبب المخاطر السياسية والاقتصادية، تضطر الحكومة إلى إعادة تنشيط الاقتصاد عن طريق حزم تحفيزية لتزداد ديون الدولة.
وعلى الرغم من أن المساعدات الخليجية تساهم في احتفاظ مصر بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها، ويتوقع إرسال المزيد منها في الأشهر والسنوات المقبلة، إلا أنها تزيد من ديون الدولة ولا تقلصها.
ومن بين 10.7 مليارات دولار تلقتها مصر منذ يوليو/ تموز الماضي ثمة 6 مليارات قروضاً سيتعين عليها سدادها على عكس المنح النقدية والمنتجات البترولية.
وبلغت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 89.2% في السنة المالية المنتهية في يونيو/حزيران الماضي، فيما تتوقع بيانات صادرة عن وكالة رويترز بلوغ هذه النسبة 100% في يونيو حزيران 2017، إذا استمر الاقتصاد في النمو بهذه الوتيرة.
ومن بين حجم الإنفاق الحكومي المتوقع في السنة المالية الحالية والبالغ 717 مليار جنيه (103 مليارات دولار) ثمة 25.4% مخصصة لمدفوعات فائدة الديون.
وتستدين الحكومة عبر سندات وأذون خزانة، فيما تعد البنوك الحكومية المشتري الأكبر لهذه النوعية من أدوات الدين.
ويذهب نحو 11% من إنفاق الدولة إلى الاستثمار وبعض النفقات الأخرى غير الجارية. وفي ظل البنية التحتية المتهالكة وضعف نمو طلب القطاع الخاص فإن تقليص هذا الإنفاق أو حتى الحد من زيادته قد يعصف بالاقتصاد.
ويؤدي ذلك إلى الحاجة لخفض النمو في فاتورة رواتب القطاع العام التي تمثل نحو 20% من الإنفاق، وكذلك فاتورة دعم الغذاء والوقود التي تشكل 23% منه، وهي عملية ستنطوي على تغييرات جذرية لطريقة عمل الحكومة وسيتعين إجراؤها على مدى سنوات لتجنب إحداث هزة مفاجئة لمستوى المعيشة قد تدفع المصريين إلى التظاهر في الشوارع من جديد.
وقال محب ملاك الاقتصادي لدى شركة "برايم" لتداول الأوراق المالية في القاهرة: "هناك مشكلة هيكلية في ميزانية الحكومة لا يمكن حلها في فترة قصيرة. وهذا هو السبب في الحاجة إلى إصلاح هيكلي".
وتحاول مصر تقليص دعم الوقود الذي بلغ 128 مليار جنيه العام المالي الماضي، عبر تدشين نظام للبطاقات الذكية لمراقبة الاستهلاك في محطات الوقود ومخابز الخبز المدعوم.
وكان مسؤولون قالوا إنهم يهدفون إلى خفض دعم الطاقة بما يصل إلى 30% على مدى خمس أو ست سنوات.
وفي أثناء أزمة منطقة اليورو تمكنت دول مثل اليونان من تقليص العجز الأولي في ميزانيتها -الذي تستثنى منه مدفوعات الفائدة - عدة نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، لكن على حساب الركود الذي دفع معدل البطالة إلى الصعود.
ونظراً إلى أن مصر قد تواجه اضطرابات سياسية إذا تبنت مثل هذه التخفيضات القاسية، فمن المرجح أن تكون إصلاحاتها أبطأ كثيراً.
وقد يكون أقصى ما في استطاعتها هو خفض العجز في موازنتها نصف نقطة مئوية سنوياً عن طريق الحد من الإنفاق وجني إيرادات جديدة.
ومع إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقع هذا العام، قد تعطي الحكومة المقبلة في مصر تفويضاً باتخاذ قرارات صعبة، علاوة على ذلك تحظى مصر بدعم قوي من السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت، وهي دول لها مصالح سياسية في الحيلولة دون حدوث انهيار اقتصادي في مصر قد يسمح بعودة جماعة "الإخوان المسلمين" التي تعتبرها السعودية والامارات عدواً لدوداً لهما.
وحققت الدول الخليجية الثلاث فائضاً في ميزانياتها بلغ إجماليه أكثر من 150 مليار دولار العام الماضي، وهو ما يشير إلى أنها قد تستمر في مساعدتها لمصر بالمستوى الحالي نفسه إلى أجل غير مسمى، أو تزيدها إذا اعتبرتها أولوية من منظور اعتبارات الجغرافيا السياسية.
ورغم ذلك لن يكون هذا الترتيب مرضياً، فالاعتماد على مثل هذه المساعدات سيجعل مصر دولة تابعة للخليج اقتصادياً، وهو ما لا يجد ترحيباً لدى الكثير من المصريين. وأي فتور في العلاقات بين القاهرة والخليج في المستقبل سينطوي على مخاطر على الوضع المالي لمصر.
وفي الوقت نفسه ستستنزف الحكومة جزءاً متزايداً من الأموال المتاحة للإقراض لدى البنوك المحلية عن طريق اعتمادها على إصدار سندات وأذون خزانة بالعملة المحلية في الأساس لتمويل ديونها. وقد يتسبب ذلك في حرمان القطاع الخاص من رؤوس الأموال في وقت يفترض فيه أن ينهض القطاع.
جدول يوضح أوجه المقارنة بين مؤشرات الاقتصاد في كل النصف الأول والثاني من 2013.
عامل المقارنة
النصف الأول من 2013
النصف الثاني من 2013
إيرادات السياحة
4.4 مليار دولار
1.5 مليار دولار
البطالة
13.2%
14.6%
التضخم (أسعار المستهلكين)
10.6%
11.7%
معدل النمو
2.1%
أقل من 1%
الاقتراض المحلي
316.3 مليار جنيه
486.7 مليار جنيه
سعر صرف الدولار
7.02 جنيه بنهاية يونيو
6.93 جنيه بنهاية ديسمبر
المؤشر الرئيس للبورصة
4709 نقطة
6783 نقطة
الدولار = 6.95 جنيهات مصرية.