نكاد نصل إلى شعور بأن أخبار تخريب تدمر باتت تمثّل زاوية ثابتة في الأخبار في العالم، خصوصاً في وسائل الإعلام الغربية. فمنذ أيام قليلة، ومع "عودة عمليات تخريب الآثار في تدمر"، يصعب أن نعثر على صحيفة أو تلفزيون في الغرب لم يركّز على بربرية الجماعات التكفيرية التي لا تتورّع كلما عادت إلى تدمر عن هدم "كنوز البشرية" دون أن ننسى برتوكولات "الإدانة" التي تنتشر في خطاب السياسيين كلما تطرّقوا إلى الشأن السوري.
هذه المرة توجّهت معاول الهدم "الداعشية"، وبنفس الطريقة الاستعراضية التي خرّبت معالم تدمر في وقت سابق، إلى واجهة المسرح الروماني في المدينة، وجرى تفخيخ الترابيلون والذي يتكوّن من 16 عموداً في ما يُعتبر الشارع الرئيسي في المدينة الأثرية.
نكاد نشعر بأننا داخل مسار لولبي تتكرّر في كل مرة حلقاته، ويعيدنا بعد لفّات قليلة إلى نقطة البداية. تبدأ الحكاية من تناقلٍ مكثّف لصور عن عمليات هدم للآثار تثير انتباه العالم، يليها بعد فترة إعلانات عن استرجاع النظام السوري للمنطقة الأثرية، والتي ترافقها في الغالب احتفالات كبيرة لعل أشهرها الحفل السيمفوني الروسي في المسرح الأثري في تدمر في أيار/مايو من العام المنقضي، ثم لا تمضي أشهر حتى نسمع باسترجاع "الدواعش" لنفس المنطقة وعودة عمليات التخريب، ومن ثم نبدأ في دورة جديدة بنفس العناصر.
ثمة لعبة تفوح روائحها، ليست ضحيتها الآثار فحسب، فالعقل والمنطق هما أيضاً أول ضحاياها. غير أن "الحلقة الجديدة" من المسلسل تحمل مفارقات مثيرة، فإحدى الضحايا الأثرية لـ"داعش" هذه المرة هو نفس المكان الذي جرى فيه الاحتفال باستعادة تدمر.
كما أن عملية التخريب الجديدة تأتي غير بعيدة زمنياً من مؤتمر عالمي ضخم انتظم في أبوظبي في بداية كانون الأول/ديسمبر الماضي، وانتهى بالدعوة إلى إجراءات دولية لحماية الآثار، وخصوصاً السورية والعراقية منها.
كذلك، يُمكن الإشارة إلى المعرض الضخم الذي انتظم في باريس منتصف الشهر الماضي، وحمل عنوان "معالم خالدة". معرض حظي باهتمام إعلامي موسّع وسياسي أيضاً (افتتحه الرئيسي الفرنسي فرانسوا هولاند) وفيه جرى الاحتفاء بإطناب بآثار تدمر وقيمتها.
وإلى جانب كلّ ذلك، تعيش الأزمة السورية منعطفاً سياسياً جديداً يتمثّل في "محادثات أستانة"، ولذلك فإن ما جرى يبدو تجهيزاً يخدم خطاب "إما بقاء النظام أو انقضاض البربرية على سورية". مع غبار التفجيرات، يصعب أن تكتمل الصورة، ولكن يمكن أن نبدأ في تخيّل إلى ماذا يريدون أن يفضي "اللولب".