أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قراراً بإعفاء المستشار هشام جنينه رئيس الجهاز المركزي من منصبه. وقد أتت الإقالة مستندةً إلى قرار جمهوري رقم 89 لسنة 2015، والذي يسمح بإعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم في حال صدر من رؤساء هذه الأجهزة ما يمس أمن الدولة وسلامتها، أو إذا أخلوا بواجباتهم أو ألحقوا الضرر بالمصالح العليا للبلاد.
جاء الإعفاء فور مثول جنينه لتحقيقات أمن الدولة العليا التي استدعته للتحقيق بشأن تصريحاته المتعلقة بالمؤشرات المالية للفساد. ورغم أن مدة رئاسة هشام جنينه للجهاز تنتهي بعد شهرين، إلا أن النظام أراد بقرار الإقالة إهانته وجعله نموذجاً لكل من يفضح ممارسات الفساد، حتى وإن كان ذلك من مهام وظيفته الرقابية.
يحمل القرار رسالة واضحة مفادها، أنه من غير المقبول أن يقوم أي مسؤول برفع صوته أو إعلان موقف يخص أداء الدولة وملفاتها الاقتصادية دون إذن السلطة. كما أنه من غير المقبول إحراج الدولة أو فضح فساد أجهزتها، وليس مسموحاً أيضاً أن يكون هناك نموذج في الدولة يحارب الفساد.
لا شك أن القرار يشير إلى أن هناك مايسترو يضبط أداء الدولة، وهذا ما يبرر تحفظ الوزراء في الظهور الإعلامي، لا بل تعيين عدد من المسؤولين الإعلاميين، ليضمنوا التحكم فيما يصدر عن السلطة التنفيذية.
الحفاظ على النظام
يستهدف النظام من إقالة جنينه الحفاظ على مكونات النظام من الانحلال والفساد. فقد أحدثت إقالة وزير العدل أحمد الزند غضباً في دوائر السلطة. فهشام جنينه الوحيد الذي اتسم بالشجاعة وكشف النقاب عن عمليات فساد طاولت بعض الأجهزة الأمنية والهيئات القضائية، لذا تصاعدت الهجمة عليه من قبل الأصوات الإعلامية المؤيدة لقوى الفساد والاستبداد.
بعد إقالة وزير العدل أحمد الزند عادت بقوة الأصوات المطالبة بالتحقيق مع هشام جنينه وإقالته، حتى لا يبدو أن جنينه انتصر على الزند في معركته ضد الفساد، خاصة وأن تصريحاته المتعلقة بالفساد خصت في جانب منها عددا غير قليل من أعضاء الهيئات القضائية التي تدافع عن الزند بشراسة. فأتى قرار إقالة جنينه في جانب منه، استرضاء لتلك الفئات، وضمان بقاء تأييدها للحكم القائم، خاصة وأن هؤلاء اعتبروا الزند حائط صد وحماية للنظام.
تعود أسباب إقالة هشام جنينه بحسب أجهزة الدولة إلى الإضرار بالاقتصاد والاستثمار، وإعلان أرقام غير دقيقة حول الفساد، بل أن بيان أمن الدولة العليا بشأن التحقيق مع جنينه استند إلى رأي مسؤولين في وزارة الدولة للتنمية الإدارية لإعادة توصيف ما أعلنه جنينه من أرقام. وهو تلاعب وخلط مقصود يحاول استخدام أوجه تعريف الفساد علمياً، وأدرجها في توصيفات لا تدخل في إطار مصطلح الفساد. كما أضاف بيان نيابة أمن الدولة " أن الفساد لا يعد فساداً إلا إذا كان متعمداً"، وبهذا المعنى لا تعد واقعة إهدار المال العام فساد، واشترطت هذه الرؤية إثبات العمد والقصدية، فهدف هذا التلاعب بالمفاهيم، محاولة للخروج من المأزق الذي وقعت فيه أجهزة الدولة، واعتبار ما تم رصده ليس فساداً. وهذا يضعنا في إشكالية وصف الفساد بحسب الهوى، وتسمية أوجه الفساد بأسماء ومصطلحات أخرى، وعدم اعتبار نهب المال العام والثروات فساداً.
وجاء قرار محاسبة جنينه أيضاً إرضاء ودفاعاً عن هذه السلطة، وشكل مظلة حماية، خاصة أن من أتى ليخلف جنينه، المستشار هشام بدوي أحد أعوان رئيس العدل المقال أحمد الزند، لضمان انحياز القضاة للسلطة.
ما يلفت النظر أن بعض الأصوات التي تقدم نفسها على أنها من ضمن قوى الإصلاح، بررت إقالة جنينه واتهامه بالمبالغة والتشكيك في الأرقام التي أعلنها عن مؤشرات مالية حول الفساد، وطالبت بمحاسبته. بينما لم تطالب بمحاسبة الفاسدين الذين كشفهم تقرير الجهاز المركزي، إذا اعتبرنا فعلياً أن بعض الأرقام مبالغ بها، فماذا عن حالات الفساد المتفق عليها والتي لا يشوبها مبالغة ترتبط بنظرية المؤامرة التي تعيش عليها قوى الثورة المضادة؟
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)
اقــرأ أيضاً
جاء الإعفاء فور مثول جنينه لتحقيقات أمن الدولة العليا التي استدعته للتحقيق بشأن تصريحاته المتعلقة بالمؤشرات المالية للفساد. ورغم أن مدة رئاسة هشام جنينه للجهاز تنتهي بعد شهرين، إلا أن النظام أراد بقرار الإقالة إهانته وجعله نموذجاً لكل من يفضح ممارسات الفساد، حتى وإن كان ذلك من مهام وظيفته الرقابية.
يحمل القرار رسالة واضحة مفادها، أنه من غير المقبول أن يقوم أي مسؤول برفع صوته أو إعلان موقف يخص أداء الدولة وملفاتها الاقتصادية دون إذن السلطة. كما أنه من غير المقبول إحراج الدولة أو فضح فساد أجهزتها، وليس مسموحاً أيضاً أن يكون هناك نموذج في الدولة يحارب الفساد.
لا شك أن القرار يشير إلى أن هناك مايسترو يضبط أداء الدولة، وهذا ما يبرر تحفظ الوزراء في الظهور الإعلامي، لا بل تعيين عدد من المسؤولين الإعلاميين، ليضمنوا التحكم فيما يصدر عن السلطة التنفيذية.
الحفاظ على النظام
يستهدف النظام من إقالة جنينه الحفاظ على مكونات النظام من الانحلال والفساد. فقد أحدثت إقالة وزير العدل أحمد الزند غضباً في دوائر السلطة. فهشام جنينه الوحيد الذي اتسم بالشجاعة وكشف النقاب عن عمليات فساد طاولت بعض الأجهزة الأمنية والهيئات القضائية، لذا تصاعدت الهجمة عليه من قبل الأصوات الإعلامية المؤيدة لقوى الفساد والاستبداد.
بعد إقالة وزير العدل أحمد الزند عادت بقوة الأصوات المطالبة بالتحقيق مع هشام جنينه وإقالته، حتى لا يبدو أن جنينه انتصر على الزند في معركته ضد الفساد، خاصة وأن تصريحاته المتعلقة بالفساد خصت في جانب منها عددا غير قليل من أعضاء الهيئات القضائية التي تدافع عن الزند بشراسة. فأتى قرار إقالة جنينه في جانب منه، استرضاء لتلك الفئات، وضمان بقاء تأييدها للحكم القائم، خاصة وأن هؤلاء اعتبروا الزند حائط صد وحماية للنظام.
تعود أسباب إقالة هشام جنينه بحسب أجهزة الدولة إلى الإضرار بالاقتصاد والاستثمار، وإعلان أرقام غير دقيقة حول الفساد، بل أن بيان أمن الدولة العليا بشأن التحقيق مع جنينه استند إلى رأي مسؤولين في وزارة الدولة للتنمية الإدارية لإعادة توصيف ما أعلنه جنينه من أرقام. وهو تلاعب وخلط مقصود يحاول استخدام أوجه تعريف الفساد علمياً، وأدرجها في توصيفات لا تدخل في إطار مصطلح الفساد. كما أضاف بيان نيابة أمن الدولة " أن الفساد لا يعد فساداً إلا إذا كان متعمداً"، وبهذا المعنى لا تعد واقعة إهدار المال العام فساد، واشترطت هذه الرؤية إثبات العمد والقصدية، فهدف هذا التلاعب بالمفاهيم، محاولة للخروج من المأزق الذي وقعت فيه أجهزة الدولة، واعتبار ما تم رصده ليس فساداً. وهذا يضعنا في إشكالية وصف الفساد بحسب الهوى، وتسمية أوجه الفساد بأسماء ومصطلحات أخرى، وعدم اعتبار نهب المال العام والثروات فساداً.
وجاء قرار محاسبة جنينه أيضاً إرضاء ودفاعاً عن هذه السلطة، وشكل مظلة حماية، خاصة أن من أتى ليخلف جنينه، المستشار هشام بدوي أحد أعوان رئيس العدل المقال أحمد الزند، لضمان انحياز القضاة للسلطة.
ما يلفت النظر أن بعض الأصوات التي تقدم نفسها على أنها من ضمن قوى الإصلاح، بررت إقالة جنينه واتهامه بالمبالغة والتشكيك في الأرقام التي أعلنها عن مؤشرات مالية حول الفساد، وطالبت بمحاسبته. بينما لم تطالب بمحاسبة الفاسدين الذين كشفهم تقرير الجهاز المركزي، إذا اعتبرنا فعلياً أن بعض الأرقام مبالغ بها، فماذا عن حالات الفساد المتفق عليها والتي لا يشوبها مبالغة ترتبط بنظرية المؤامرة التي تعيش عليها قوى الثورة المضادة؟
(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)