تحوّلات عونيّة

03 فبراير 2014
+ الخط -
قبل أيّام، أعلن رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" في لبنان، النائب ميشال عون، بكلّ ثقة عن انضمام الأميركيين لينا وإلى حلفائنا في محاربة الإرهاب"! موقف يحمل في طياته مؤشرات عديدة إلى قناعة الرجل وفريقه بأنهم قادرون على إقناع جمهورهم بأي نظرية سياسيّة يُطلقونها. فبحسب عون، انضمّ الأميركيون أخيراً إليه وإلى حلفائه (نظام البعث وحزب الله وإيران) في محاربة "الإرهابيين"، والمقصود هنا، السلفيّة الجهادية! من يُتابع قناة الـ"أو تي في" التابعة للقائد الأسبق للجيش اللبناني، يدرك معنى هذا الكلام. فالخطاب الإعلامي لعون ينطلق من أن تيّاره جزء من حلف يبدأ في الرابية ولا ينتهي في موسكو، من دون أن ننسى طهران ودمشق، ويمر هذا الحلف بكاراكاس وبكين. وفي نظر هذا الخطاب، فإن عون ليس تفصيلاً في هذا الحلف؛ إنه زعيم مسيحيي المشرق. هكذا نرى أن الخطاب العوني تحوّل من خطاب يُنادي بإصلاحات داخل النظام اللبناني، اقتصادياً وسياسياً، إلى خطاب مشابه لخطاب الأنظمة العربية؛ يحتاج دوماً إلى عدوّ خارجي وهمي (اخترع فريق عون في انتخابات 2009 النيابية مقولة إن هناك حرباً كونية تُخاض ضده). ولعل التخلي عن شربل نحاس، الذي كان وزيراً للعمل في عز معركة تصحيح الأجور في لبنان، والتي خاضها نحاس في وجه أرباب العمل، خير دليل على ذلك.
إذاً، بات ميشال عون "زعيم مسيحيي المشرق". وللحفاظ على دور هؤلاء، لا بد أن يبقى جبران باسيل وزيراً للطاقة والنفط! هذا ليس تهكماً. إنه كلام قاله باسيل نفسه. ربط حقوق المسيحيين بتولي وزارة الطاقة والنفط. لكن لماذا هذا التمسّك الشديد بهذه الوزارة، التي تُعد عبئاً سياسياً على كلّ من يتولاها، بسبب انقطاع الكهرباء دورياً في لبنان؟ تقتضي الإجابة عن هذا السؤال، النظر سريعاً إلى الأرقام المتوافرة عن عقود الغاز التي سيوقّعها لبنان قريباً مع عدد من الشركات للتنقيب عن الغاز مقابل الشاطئ اللبناني. هذا هو لبّ الموضوع.
لقد عبّر النائب ابراهيم كنعان (وهو من أبرز نواب عون) بوضوح عن هذه الفكرة. فهو استعمل في إحدى المقابلات التلفزيونية عبارة: "بقينا 15 سنة خارج السلطة، اليوم دورنا لنحكم". تتكرر هذه العبارة دائماً على لسان العونيين. أمّا بعد الدخول إلى السلطة، فلا بد من تعويض السنوات العجاف هذه. الغاز الموجود مقابل الشواطئ اللبنانيّة، وعقوده، يعوّضان هذه السنين. هذا ما يُفسّر تحالف عون مع سياسيين لطالما اتهمهم بالفساد (الرئيس نبيه بري، النائب ميشال المر، النائب سليمان فرنجية)، إلى جانب تبنّي عون عدداً من إدرايي الرتب العليا في لبنان، ممن هم متهمون بالفساد.
هكذا تحوّلت مطالبة عون من وزارة المالية إلى وزارة الطاقة والنفط. فطوال السنوات الماضية، طالب الجنرال بوزارة المالية لكشف الفضائح، كما كان يقول هذا الفريق؛ أمّا اليوم، فباتت هذه الوزارة تغيب عن المطالب العونيّة.
منذ سنوات، قال أحد السياسيين المتقاعدين في لبنان، إن ميشال عون دخل الساحة السياسيّة عام 2005 وهو متفوق أخلاقياً على باقي السياسيين من خلال عدم تورطه في الفساد المالي. وأضاف هذا السياسي في حينها "لا يُمكن لعون أن يستمر بهذا التفوق"، واضعاً ثلاثة خيارات أمامه: الأول أن يضع هذه الطبقة في السجن، وهذا مستحيل عملياً، والثاني أن يتحوّل عون إلى قوة معارضة دائمة للنظام السياسي من داخله، وهذا يعني تقلّص قاعدته الجماهيريّة مع الوقت، والخيار الثالث الانضمام إلى هذه الطبقة واللعب في ملعبها. وقال هذا السياسي آنذاك إن الرئيس نبيه بري كفيل بإدخال عون إلى هذه المنظومة. لم ينتظر عون كثيراً. دخل بسرعة، وبات منافساً لقدامى هذه الطبقة. فجلّ معركة عون اليوم تتلخّص بوزارة لصهره جبران باسيل، وتأمين موقع قيادة الجيش لصهره الثاني العميد شامل روكز؛ وبين هذا وذاك، تأمين انتقال سلس للتيار منه إلى الصهرين.