تحولات في شرقي الفرات... هل يتفاهم الأكراد مع النظام؟

01 يوليو 2018
مصير "قسد" مهدد في الرقة (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -

يتجه الشرق السوري إلى تحوّلات ربما تفضي إلى عودة سلطة النظام تدريجياً إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة فصيل كردي، يحاول تجنّب تبعات تفاهم تركي أميركي تجلى في عفرين ومنبج، ومن الممكن أن يزيح الأكراد من واجهة الحدثين السياسي والعسكري السوريين. وبات بحكم المؤكد وجود مفاوضات غير معلنة بين النظام وحزب "الاتحاد الديمقراطي" الكردي حول محافظة الرقة، في محاولة من الحزب لسحب الذرائع من يد أنقرة للقيام بعمل عسكري في شرقي الفرات شبيه بعملية "غصن الزيتون" التي جرت في بداية العام الحالي في منطقة عفرين شمال شرقي حلب، وانتهت بطرد الوحدات الكردية، الذراع العسكرية للحزب المذكور، من هذه المنطقة.

وأكدت مصادر محلية مطلعة أن "النظام اشترط حلّ لواء ثوار الرقة الذي لا يزال منتسباً للجيش السوري الحر، وهو محل احترام للشارع المعارض في الرقة، وتسليم قائده أبو عيسى واعتقال بقية العناصر، من أجل المضي قدماً بالمفاوضات. وهو ما تم بالفعل، مع حلّ اللواء بعد التوصل لاتفاق جرى بوساطة عشائرية وتضمن إخراج قائد اللواء من الرقة، بعد رفضه عرضاً بأن ينضم للوحدات الكردية بصفة قائد عسكري وتسليم أسلحة اللواء وعناصره". وأكدت المصادر لـ "العربي الجديد"، أن "بعض الموالين للنظام في الرقة يعملون على استثمار الأخبار عن مفاوضات بين الأكراد والنظام وقرب دخول النظام إلى المحافظة، بهدف تخويف السكان، وخلق أرضية تمهد لعودة النظام".

وكانت صحيفة "الوطن" السورية، المقربة من النظام، قد ذكرت يوم الخميس، نقلاً عن مصادر محلية لم تسمها، أن "حزب الاتحاد الديمقراطي توصّل إلى اتفاق مع النظام لإزالة الأعلام الكردية وصور رموز حزب العمال الكردستاني الذي يتبع له، وصور قتلاه من الشوارع الرئيسية في مدينتي القامشلي، والحسكة"، مشيرة إلى أن "الاتفاق يشمل مدن رأس العين وعامودا شمال غرب وغرب الحسكة". وأضافت أنه "ستتم إعادة شعب التجنيد إلى بعض المدن في المحافظة وإقامة حواجز مشتركة بين قوات الجيش العربي السوري ومسلحي المليشيات الكردية التي تتبع للحزب".

من جانبه، قال أكاديمي كردي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هناك مباحثات حول مصير المنطقة، لم تعلن بعد، إلى حين اتضاح الخطوط العريضة المتوافق عليها من قبل الطرفين"، مضيفاً أن "النظام يطرح الإدارة المحلية والمدنية، على أن تكون المليشيات الكردية ضمن منظومة النظام، وقد يكون الشكل المقبل لإدارة المنطقة على أساس اللامركزية الإدارية الموسعة".



واستبعد أن "تلقى هذه المفاوضات معارضة أميركية"، مضيفاً أن "الأميركيين يطلبون عدم محاربة النظام، فليس في أجنداتهم إسقاط النظام، وأولويتهم اليوم هي الوجود الإيراني فقط". بدوره قال مستشار الرئاسة المشتركة، عضو الهيئة التنفيذية في حزب الاتحاد الديمقراطي سيهانوك ديبو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "لا يوجد شيء رسمي حول وجود مفاوضات"، مستدركاً بالقول: "لكن الطرفين أبديا استعداداً للعملية، كما أن الوضع الميداني يدفع لذلك، حيث يجب أن يهدف التفاوض لإيجاد الجمهورية الثالثة".

وأشار إلى أن "الطرفين يسعيان إلى ردم الهوة والتقارب"، مضيفاً أنه "نحن سنناضل للوصول إلى نموذج الإدارات الذاتية سلمياً ولا يمكن أن تفرض بالقوة على مكونات الشعب السوري". ولفت إلى أن "إزالة الصور والشعارات والأعلام الحزبية، تندرج ضمن مسألة خدمية تنظيمية لا غير، ويجب أن تكون محصورة في المقرات الحزبية والخاصة، وليست في الأماكن العامة أو المؤسسات الرسمية".

ويسيطر حزب الاتحاد الديمقراطي، تحت غطاء "قوات سورية الديمقراطية" وبدعم أميركي مباشر، على نحو ربع مساحة سورية، إذ يسيطر على كل منطقة شرق الفرات التي تعدّ "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية، وتسيطر قواته على أغلب محافظة الرقة، وكامل ريف دير الزور شمال نهر الفرات، وأغلب محافظة الحسكة باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة. كذلك يسيطر على ريف حلب الشمالي الشرقي، شرقي نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً. وأدّت التطورات الكبيرة في منطقة عفرين شمال غربي حلب، وفي مدينة منبج شمال شرقي حلب، دوراً مهماً في تعديل استراتيجية هذا الحزب، الذي تُرك لمصيره أمام الجيش التركي وفصائل تابعة للمعارضة السورية، وهو ما دفعه إلى فتح باب حوار جدي مع النظام، والتسريع في خطوات تفاهم مع النظام، تجنباً لعملية عسكرية تركية في محافظة الرقة ربما تفضي إلى اختفاء الحزب نهائياً من المشهد العسكري والسياسي السوري.



وتتلقّى "الوحدات الكردية" دعماً مباشراً من واشنطن، ما يعني أن أي مفاوضات تجرى مع النظام لا يمكن لها أن تستمر من دون ضوء أخضر من الولايات المتحدة التي تتخذ من شرقي سورية الغني بالثروات الطبيعية والزراعية منطقة نفوذ مباشر لها، ولكن مسؤولين أميركيين ألمحوا أخيراً إلى احتمال انسحاب القوات الأميركية من سورية مع الاحتفاظ بأكثر من قاعدة. وأكدت مصادر محلية في مدينة الطبقة التابعة إدارياً للرقة لـ"العربي الجديد" أن "وفداً كبيراً من النظام زار المدينة أخيراً، حيث جرى اتفاق مع الوحدات على إعادة بعض مؤسسات النظام الخدمية على مراحل"، مشيرة إلى أن "المفاوضات لم تفض لاتفاق حول السيطرة العسكرية وهي لا تزال مستمرة".

وكانت "قوات سورية الديمقراطية" قد سيطرت في أكتوبر/ تشرين الأول في عام 2017 على مدينة الرقة، بعد معارك طاحنة امتدت لأشهر مع تنظيم "داعش"، انتهت بتدمير المدينة بشكل شبه كامل نتيجة القصف الجوي من طيران التحالف الدولي، بقيادة أميركا، والمدفعي من هذه القوات. وتُتهم الوحدات الكردية من قبل فعاليات مدنية معارضة باتباع سياسة لا تقل خطورة عن سياسة "داعش" في فرض ثقافة دخيلة على المحافظة، تقوم على مبادئ زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان. وهي ثقافة تجد رفضاً من عموم سكان محافظة الرقة، وذات الطبيعة العشائرية المحافظة. وتدرك الوحدات الكردية أن وجودها في محافظتي الرقة ودير الزور محفوف بالمخاطر، حيث لا حاضن اجتماعياً لها، فالوجود السكاني الكردي يكاد يكون معدوماً في المحافظتين، ومن هنا فهي تعمل على نسج خيوط تفاهم مع النظام لحفظ مصالحها في الشرق السوري.

وأكد مصدر عسكري في مجلس دير الزور العسكري التابع لـ "قسد" منذ أيام أن "هناك توتراً كبيراً بين المكون العربي والأحزاب الانفصالية الكردية داخل قسد"، مشيراً إلى أن "هناك خوفاً دائماً لدى الطرفين من خوض صراع مسلح على السلطة في مناطق دير الزور". وأضاف أن "قسد تسعى بشكل مستمر لإيجاد حالة من الخلخلة وعدم الترابط بين أهالي وعشائر دير الزور، متخذة تنظيم داعش والانتماء له شماعة تعلق عليها كل التهم".

ولا يوجد أي حضور سكاني كردي في ريف دير الزور وفي ريف الحسكة الجنوبي، وتنتشر قبائل عربية في المنطقة، ولا تخفي تخوفها من الوجود العسكري الكردي في المنطقة. ومن المرجح أن تعمل الوحدات على تفاهم مع قوات النظام لتحديد مصير ريف دير الزور شمال نهر الفرات، الذي يضم أبرز حقول النفط في الشرق السوري، ولكن من غير الواضح الموقف الأميركي النهائي حيال هذه المنطقة مع اعتراض الطيران الأميركي أكثر من مرة قوات تابعة للنظام، من بينها مرتزقة تدعمهم إيران وروسيا، حاولت التقدم فيها.