وعلى غرار الفتاوى الصادرة في مدينة سامراء شمال بغداد مطلع العام الماضي، القاضية بتحريم بيع الأهالي منازلهم بدأت حركات شبابية، انضوت تحت حركة باسم "سكان ديالى الأصليين"، بالتحرك وتوعية السكان الفارين بعدم بيع منازلهم والإبقاء عليها، كي لا تتغيّر هوية المحافظة، مع بدء شركات عقارية بشراء المنازل والمزارع والأراضي من أصحابها الفارين. وباع الأغلبية كل شيء لحاجتهم إلى المال أو لشراء منزل آخر في مكان فرارهم. وهو ما بدا واضحاً من خلال دعوات كثيرة أُطلقت على مواقع التواصل أو من خلال تبادل رسائل على تطبيقات الهواتف الذكية.
بدورها، تعترف مصادر كردية بأن مسؤولين في بلدات أخرى حدودية مع محافظة السليمانية مثل كلار وخانقين، يقومون أيضاً بعمليات تهجير وتضييق على العرب السنة والشيعة على حد سواء. وفي المقابل تمارس مليشيات الحشد الأمر نفسه في مناطق نفوذها على العرب السنة، الذين كانوا يشكلون 75 في المائة من نسبة السكان بالمحافظة حتى عام 2007. واليوم لا تتجاوز نسبتهم الـ50 في المائة بفعل عمليات التهجير واستيطان متعمّد آتٍ من جنوب العراق".
ووفقاً لمسؤول محلي بارز في محافظة ديالى، فإن "عملية التغيير الديمغرافي توشك على الانتهاء في ديالى، كأول محافظة عراقية تتعرّض إلى تغيير يضرب النسيج الاجتماعي العراقي في الصميم". وأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "دوائر المحافظة المعنية بالسكان سجلت مغادرة 98 ألف مدني منذ مطلع العام الحالي، غالبيتهم من الأطباء والمهندسين والمثقفين والأغنياء والتجار، بسبب القتل والخطف والابتزاز. وتعدّى الأمر إلى رسائل يجدونها عند أبواب منازلهم صباحاً كتب فيها (أرحل) مع رصاصة وضعت داخلها".
واتهم المسؤول مليشيا "بدر" ومليشيا "العصائب"، كأبرز فصائل "الحشد الشعبي" بـ"التورط بعمليات التهجير"، لذلك نجد عمليات التهجير الأوسع في مناطق شهربان وجلولاء ومندلي وغيرها. واتهم في الوقت ذاته الأمم المتحدة باتخاذ دور المتفرج على ما يجري في هذه المحافظة.
وتولى إدارة المحافظة قائد مليشيا "بدر" في المحافظة نفسها مثنى التميمي، المعروف باسم الحاج مثنى، بعد انقلاب مسلح منتصف عام 2015، تمكن خلاله من محاصرة مبنى المحافظة وديوان مجلس المحافظة. وعلى الأثر فرّ المحافظ السابق عامر المجمعي إلى كردستان العراق، فتمّ إجراء انتخابات شكلية داخل مجلس المحافظة، غابت عنه الكتلة العربية السنية والكردية. ورغم طعن القضاء بقرار تنصيب التميمي محافظاً، إلا أنه ما زال حتى الآن في منصبه.
من جهتها، قالت النائبة عن المحافظة، غيداء كمبش لـ"العربي الجديد"، إن "هناك مشاكل تواجه محافظة ديالى، وإنّ أكثر من جهة أكدت أن هناك حرباً على المكون السنّي، سواء بالنسبة للتغيير الديمغرافي أو بالنسبة إلى تغيير البطاقات السكنية والبطاقات المدنية". وأوضحت أنّ "هناك أكثر من قاض لدائرة الجنسية والأحوال المدنية تعرّض للتهديد والقتل، وأنّ كثيراً من النازحين يعانون من بطاقاتهم التي تسمّى (بطاقات العائدين)، والتي تسبب لهم معاناة كبيرة في التنقل من منطقه لأخرى، فلا يستطيعون مراجعة الدوائر الرسمية". وأكدت أنّ "الحرب أصبحت علنية على محافظة ديالى، ونحن كنواب عن المحافظة ندعو لتسليط الأضواء على المحافظة بعد أن أعلن رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية أنّ العراق خاضع للسيادة الإيرانية"، معتبرة أنّ "هذه السيادة بدأت في محافظة ديالى".
من جانبه، أكد محافظ ديالى السابق، عمر الحميري، أنّ "موضوع التغيير الديمغرافي في المحافظة، واضح كالشمس ولا يصح الحديث عن أي مصالحة وطنية وعمليات تسوية قبل إعادة السكان إلى منازلهم ومدنهم ووقف مصادرتها". وأكد الحميري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "مناطق كاملة في ديالى تعرضت للتخريب، فقد تم تفجير المنازل وحرق البساتين بشكل كامل، والنازحون لا يستطيعون العودة اليوم إلّا بضمانات من الحكومة المحلية والمركزية". وبيّن أنّه "فيما يتعلق بحفظ الأمن في تلك المناطق فإنّ كل الناس الذين خرجوا متفقون على محاربة الإرهاب، وهم يطالبون بأن يكون السلاح بيد الدولة".
وأشار إلى أنّ "انتشار السلاح وعمليات الاغتيال التي حصلت على الهوية في محافظه ديالى أثّرت بشكل كبير على التوزيع الجغرافي في المحافظة، وقد حصل فيها تغيير ديموغرافي كبير، وتلك العائلات لا تستطيع العودة رغم مطالبتنا الحكومة المحلية والمركزية بإعادتها". وتساءل "هل هناك قرار سياسي بعدم عودة العائلات إلى مناطقها رغم التدقيق الأمني الذي جرى عليها من قبل أربعة أجهزة أمنية"؟ مؤكداً أنّ "عودة العائلات مرهونة بقرار سياسي، وحتى النواب عن ديالى لا يعلمون أنّ هذا القرار بيد أي جهة". وحذّر "تحالف القوى العراقية"، وهو إحدى كتل البرلمان الرئيسية في وقت سابق، من "مخطط يرمي لإفراغ ديالى من ساكنيها وإحداث تغيير ديموغرافي لصالح جهات معينة".
وذكر القيادي في التحالف رعد الدهلكي، أن "بعض أقضية ومناطق محافظة ديالى، وفي مقدمتها مناطق المخيسة ودوجمة وزاغنية وبهرز ومناطق أخرى، تتعرّض إلى حصار وعمليات قتل وترهيب من قبل جماعات مسلحة"، معتبراً ذلك "إبادة جماعية ترتكب بحق المدنيين". وكشف الدهلكي وهو رئيس لجنة الهجرة البرلمانية، أن "تلك العمليات تجري تحت أنظار القوات الحكومية، ويتعارض ذلك مع مبادئ حقوق الإنسان التي كفلت للمواطن العيش بأمان وحرية في أي منطقة من مناطق هذا البلد". واعتبر أن "استمرار استهداف السكان لا يمكن تفسيره إلا بأنه مخطط يرمي إلى إفراغ هذه الأقضية من ساكنيها وإحداث تغيير ديموغرافي لصالح جهات معينة".