تحولات أبواق السلطة... فنانون سوريون يدعون للحجر المنزلي

06 ابريل 2020
تراجع عن الخرافات ومشاركة للنظام في "التوعية"(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
بعد الفضيحة الكبيرة التي أثارها التقرير المصور الذي بثته "بوسطة دراما"، والذي شجع الفنانين السوريين الناس على الاستخفاف بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، وعلى الاختلاط وعدم تطبيق أي إجراءات وقائية، قامت وزارة الإعلام السورية بحملة إعلامية مضادة، شارك فيها العديد من الفنانين والإعلاميين والرياضيين الداعمين للنظام السوري، تهدف إلى توعية الناس بمخاطر كورونا وضرورة الالتزام بتعليمات الحجر الصحي. 

ولا يبدو غريباً أن العديد من الفنانين السوريين الذين أطلوا في الفيديو السابق ليقولوا بأنّ الفيروس ليس سوى وهم صنعته أميركا لتصيب العالم بالذعر، تراجعوا اليوم ليشاركوا في الحملة التوعوية. فمعظم هؤلاء الفنانين ليسوا سوى أبواق للسلطة، يتبنون مواقفهم بما يتناسب مع متطلباتها؛ ليكون هذا التحول ليس سوى نتيجة حتمية لتبدل استراتيجية النظام الإعلامية، إذْ أعلن النظام السوري عن أولى حالات الإصابة بالفيروس ضمن مناطق سيطرته الأسبوع الماضي، بعد أن غالى بالإنكار.

وتولى المخرج زهير قنوع مهمة إخراج مقاطع الفيديو التوعوية، والتي لا يتجاوز طول الواحد منها الدقيقة الواحدة. والأمر الغريب هو أن قنوع وصف فيديوهاته بأنها أفلام قصيرة توعوية، وتفاخر فيها بطريقة مبالغ فيها، وتعامل معها باعتبارها إنجازاً يثبت مدى جدية الفنانين بالتعاطي مع فيروس كورونا.

وفي الحقيقة، إن توصيف مقاطع الفيديو هذه بأنها أفلام قصيرة هي مغالطة لا يمكن تجاوزها، إذ إنها لا تحتوي على أي مقومات تجعلها ترتقي لهذا التصنيف. وإذا ما أردنا أن نصفها بدقة، فهي ليست سوى مجموعة من الإعلانات التربوية والوطنية ثقيلة الظل، تتكرر فيها الفكرة والصورة كل مرة. فهي جميعها صورت بمكان واحد وتحمل الرسالة ذاتها "خليك بالبيت".
وتزداد الفيديوهات رداءة كلما حاول المؤدي فيها أن يستثمرها ليظهر قدراته التمثيلية، كما هو الحال في فيديو نانسي خوري، والتي تنفعل وتصرخ لتزيد الأمور سخافة، قبل أن تنهي الفيديو بكلماتها المتعالية والمبتذلة، والتي تؤكد فيها الجهود الكبيرة التي تبذلها من أجل الناس في الحجر الصحي.

ولكن هذه الفيديوهات تصبح أفضل نسبياً عندما يقوم المؤدي فيها بطرح الرسالة التوعوية بشكل مباشر، كما هو الحال بفيديوهات الإعلامي باسل محرز والموسيقي طاهر ماملي، أو عندما يقوم بتأديتها ممثل جيد يتعاطى معها ببساطة باعتبارها إعلاناً لا أكثر، كما هو الحال في فيديو مصطفى الخاني.

لكن كثيراً من هذه الفيديوهات ينحرف عن المسار التوعوي الصحي، والذي من المفترض أن تتأطر فيه، نحو المسار الوطني؛ ففي بعضها يتم توصيف ما يحدث على أنه معركة وطنية، وعلى المواطنين الفوز بها، فتضمنت الفيديوهات عبارات مثل: "خليك بالبيت كرمال الوطن". وبعض الفيديوهات لا تبدو إطلاقاً أنها تسعى للتشديد على السلامة والصحة، بل تقوم بتحميل المواطنين مسؤولية انتشار المرض وارتفاع الأسعار بدلاً من ذلك؛ كما هو الحال في فيديو تولين البكري، والذي تتهم فيه المواطنين بتخزينهم كميات كبيرة من المواد الغذائية وتسببهم في رفع سعر تلك السلع؛ في الوقت الذي تنتشر فيه فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي توثق طوابير الناس المصطفة أمام الأفران والمؤسسات الاستهلاكية، التي تدار بشكل عسكري.

وفعلياً، لا يمكن التعامل مع هذه المقاطع بجدية، ولا يتعلق الأمر برداءتها الفنية فقط، وإنما لما تحتويه من تناقضات كبيرة مع تصريحات الفنانين أنفسهم في منصات أخرى؛ كما هو الحال مع الفنان غسان مسعود الذي صرح قي تقرير "بوسطة دراما" أن الفيروس هو مجرد خدعة أميركية ولا وجود له على أرض الواقع وهو مجرد وهم إعلامي، قبل أن يظهر في الحملة الجديدة ويطلب من الناس الالتزام بالحجر الصحي، لأن الفيروس متفشٍّ في الجوامع والكنائس بحسب تعبيره، فكيف للمشاهد أن يصدقه ويأخذ بنصيحته؟
المساهمون