تحفيظ القرآن بالمدارس خلال العطلة يثير جدلاً في تونس

22 ابريل 2016
مدارس تونس (GETTY)
+ الخط -
أثار قرار تدريس القرآن والتدريب على حفظه في المؤسسات التربوية خلال العطل، جدلاً في تونس، بين من يرى أنها خطوة جيدة للحفاظ على القيم الإسلامية وتكوين الناشئة على أسس لغوية قوية، وبين من يرى أن هذا القرار يساهم في تفريخ متطرفين دينياً ويركز منظومة الحفظ دون مناقشة المتن.

وعلّق وزير التربية التونسي، ناجي جلول، على قراره بقوله إن "تونس دولة عربية ومسلمة كما جاء في الدستور الذي يجب تطبيقه، والذي أنهى الجدال الدائر حول الهوية التونسية"، مؤكداً أنه "اقترح سابقاً أن تحتضن المؤسسات التربوية خلال العطلة الصيفية أنشطة ثقافية ورياضية وفكرية ومن بينها حفظ القرآن".

ونفى جلول أن "تتسبب هذه المبادرة في تحويل المدارس إلى (كتاتيب)، أو وضعها بين أيدي مؤسسات مشبوهة"، بحيث يشرف على حلقات تحفيظ القرآن أساتذة التربية الإسلامية، بالاشتراك مع وزارة الشؤون الدينية وتختتم بمسابقات لاختيار المتفوقين.

وإثر تفاعل بعض النخب في تونس مع القرار، دعا المخرج السينمائي، إبراهيم لطيف، على موقع التواصل "فيسبوك"، وزير التربية إلى السماح للفنانين بتدريس المسرح والسينما والرقص والموسيقى بالمدارس في العطل، على غرار تحفيظ القرآن.

كما هاجمت أستاذة الحضارة الإسلامية، نائلة السليني، البرنامج المشترك بين وزارتي التربية والشؤون الدينية لتحفيظ القرآن للتلاميذ خلال العطلة المدرسية. وقالت إن "المدرسة مؤسسة عمومية تابعة للدولة، فكيف تتبنى مشروع تحفيظ القرآن مثل الكتاتيب التابعة للمساجد. هل سيتم مقاومة الفكر الداعشي (في إشارة إلى تنظيم "الدولة الإسلامية" داعش) بهذه الطريقة؟".

وتساءلت: "هل سنُدرس أبناءنا آية (فاقتلوهم حيث ثقفتموهم) على سبيل المثال؟ وهل سيتم تدريسهم بعض الآيات الأخرى مثل (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم)؟".

واتهمت السليني، في مداخلة لها بقناة الحوار التونسية الخاصة، وزير التربية جلول، بـ"محاولة التقرب من حركة النهضة" من خلال قراره هذا، معبرة عن اعتقادها أن "النهضة" لم تشجع وزير الشؤون الدينية على القرار، وإنما "هو الذي يشتغل وفق ما تريده النهضة بهدف نيل رضاها".

بدوره، استهجن الباحث في علم الاجتماع، سامي براهم، في حديث لـ"العربي الجديد"، مواقف "المعترضين على تحفيظ القرآن للأطفال، بدعوى ما يمكن أن يؤدّي إليه عدم التوازي بين الحفظ والفهم إلى تشويش العقول واضطراب الأفهام والتباس المدلولات في متشابه الآيات"، مؤكداً أن "ما لم يفهمه هؤلاء أن الأطفال في مرحلة تعلّم اللغة إنّما يسترسخون أبنيتها النحويّة والصرفيّة وأساليبها البلاغيّة وأنظمتها الصّوريّة وتكوين رصيد معجمي بقطع النّظر عن المعلومات الدّقيقة والتفصيليّة والخلافيّة وعن مدلولات الألفاظ وسياقاتها".

وأضاف براهم "نسمع الأطفال يردّدون الأغاني والأناشيد التي يحفظونها في الروضات أو من خلال وسائل الإعلام أو بالتواصل مع الكبار، وقد يتقنون ترديد ما لا يفهمونه من الكلام دون أن يسبّب لهم ذلك أزمة في المفاهيم والمدلولات والتّواصل باللغة، لذلك يردّدون الأناشيد الوطنيّة والدّينيّة والتاريخيّة ذات المحمولات الرمزيّة والثّقافيّة والسياسيّة".

ويرى الباحث أن حفظَ التلاميذ في المنظومات التعليميّة القديمة القرآنَ والحديثَ وعيون الشعر العربي من الجاهليّة حتّى مرحلة الشعر الكلاسيكي وصولاً إلى متون النّحو والفقه، يكسب مدوّنة الحفظ لديهم ثروة لغويّة ورصيداً معرفيّاً يوم ينتقلون بشكل تراكمي متطوّر إلى مراحل الفهم والتحليل والتّأويل.
وبارك رئيس جمعية الأئمة، شهاب الدين تلّيش، في تصريح لـ"العربي الجديد" قرار وزارتي التربية والشؤون الدينية المتمثل في تحفيظ القرآن للأطفال خلال فترة العطل بالمدارس. واعتبر تلّيش أن الموضوع يندرج في إطار المصالحة مع هوية ودستور البلاد، مستغرباً التجاذبات السياسية فيما يتعلق بثوابت المجتمع التونسي المتمثلة في الدين الإسلامي، مؤكداً أن تصادم بعض الأطراف مع هوية البلاد يربك السلم الاجتماعي ويعطي أسباباً للإرهابيين لنشر أفكارهم المحرّفة.

ويرى رئيس جمعية الأئمة أن تحفيظ القرآن يحصّن الأطفال من الفكر المتطرف، مشيراً إلى أن "المتشددين دينياً يستفيدون من تفسيرهم للقرآن حسب هواهم وليس من تحفيظ القرآن"، مضيفاً أن "من مصلحتنا ومصلحة أطفالنا أن نعلمهم ونفسر لهم قيم الإسلام الحقيقية من خلال القرآن الذي يدعو إلى المحبة والسلام وإلى تقوية الروابط الاجتماعية والأسرية".

دلالات
المساهمون