عاد رئيس الحزب الاجتماعي المسيحي في ألمانيا، وزير الداخلية، هورست زيهوفر، الشريك في الائتلاف الحاكم، ليهاجم سياسة الهجرة للمستشارة أنجيلا ميركل على نطاق واسع، في مؤشر يوحي بأن التهدئة، التي تم إرساؤها بعد الجدل حول أزمة اللاجئين، لن تستمر.
ويبدو أن الأمر سيتخذ منحى تصاعدياً، وفق ما بدا الأسبوع الماضي، عندما أعلن زيهوفر، في جلسة مغلقة لحزبه، بحسب ما ذكرت صحيفة "دي فيلت"، أنه يتفهّم غضب المواطنين الذين خرجوا في كيمنتس شرق البلاد، على خلفية مقتل أحد الألمان على يد اثنين من اللاجئين. وقال "لو لم أكن وزيراً لخرجت إلى جانبهم"، من دون أن يصدر أي بيان واضح ضد التطرف اليميني في حينه، معتبراً أن المشاكل الاجتماعية للألمان سببها اللاجئون. لكن الموقف الأكثر وضوحاً كان ضد المستشارة، إذ اعتبر وزير الداخلية أن سياسة الهجرة هي أم جميع المشاكل السياسية في البلاد، لتردّ ميركل في مقابلة تلفزيونية بالقول "مقاربتي للموضوع مختلفة. تعترينا بعض المشاكل في قضية الهجرة، إنما أيضاً هناك نجاحات". أما الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وعلى لسان أكثر من سياسي حزبي بارز بينهم الأمين العام للحزب، أندريا ناليس، وصف تصريحات زيهوفر بالهراء اليميني الشعبوي. بدوره، انتقد نائب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي، رالف شتيغنر، وزير الداخلية، متوجهاً له بالقول "ينسى الوزير أنه بالنسبة للكثير من الناس، ألمانيا أصبحت حرة ومتسامحة ودستورية. التنوع هو قوتنا، واليمين هو مشكلتنا".
ويعتقد كثيرون في ألمانيا أن وزير الداخلية يسعى فعلياً لتفجير انتفاضة جديدة ضد ميركل. وتوقفوا عند ما قاله أخيراً في اجتماع لحزبه، بأن السكان كانوا يتوقعون تحولاً في سياسة الهجرة، ما يؤشر إلى أن المنحى التصادمي آتٍ مع اقتراب موعد انتخابات ولاية بافاريا، عرينهم التقليدي، الشهر المقبل، إذ تشير استطلاعات الرأي إلى أن الحزب الاجتماعي المسيحي في تراجع مستمر، فضلاً عن أن الأخير يعمل لاستقطاب المؤيدين الذين خسرهم حزبه في الانتخابات العامة، العام الماضي، لصالح "البديل من أجل ألمانيا". في المقابل، يعتبر سياسيون بارزون أن المستشارة، ومن خلفها حزبها، كما "الاشتراكي" الشريك في الائتلاف الحاكم، لن يسمحوا لشريكهم في الحكم بأن يهدد بكسر الائتلاف، والعمل على اهتزاز قوة المستشارة، لما لألمانيا من دور مهم على المستوى الأوروبي، ولميركل شخصياً من مكانة واحترام بين القادة في العالم. وذهب نائب رئيس البرلمان الاشتراكي، توماس أوبرمان، أبعد من ذلك، معتبراً أن مؤهلات زيهوفر لا تسمح له بالمنصب، فهو "يتعرّض لأكثر من 20 مليون ألماني من أصول مهاجرة".
ويرى محللون أن زيهوفر وقادة حزبه في حال من التخبط قبل الانتخابات الإقليمية المقررة في 14 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في وقت يسعى فيه الحزب البافاري لاستعادة مصداقيته في سياسة اللاجئين، بعدما فقد الكثير من أصوات الناخبين، ووصلت نسبته في الانتخابات العامة في 2017 في بافاريا إلى 38.8 في المائة، بعد أن نال 49.3 في المائة في انتخابات عام 2013. وبات قادة الحزب على يقين بأن خسارة الانتخابات البرلمانية المحلية قد تكون بداية النهاية للميزة الفريدة لحزبهم، الذي يعتبر نفسه الأكثر التزاماً بتمثيل مصالح الناس، وبعد أن باتت الخشية لدى الجزء الأكبر من السكان ألا تتطابق مهاراتهم مع المتطلبات الأوروبية الجديدة للعمل في زمن العولمة والرقمنة. وكردة فعل، سيدفع الصراع بالناخب إلى أحضان الحزب اليميني الشعبوي، وهذا ما يشكل تحدياً كبيراً له، مع العلم أن زعيم "البديل"، ألكسندر غاولاند، رحب بتصريحات زيهوفر في ملف الهجرة. وقال، لصحيفة "أوسنبروكر تسايتونغ"، "في التحليل، الوزير لديه الحق تماماً، لكن ذلك لن يساعد كثيراً، لأن المستشارة تضع العقبات، وبصورة مستمرة، في الطريق".
هذا الأمر أبرزته صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، أمس الإثنين، إذ ذكرت أن تصرفات زيهوفر تحيّر سياسيي حزبه، فبدلاً من أن يترك لرئيس وزراء الولاية، ماركوس سودر، إثارة اهتمام البافاريين، خلال الحملة الانتخابية، حول الرعاية والعائلة والأمن والتقاعد، قام بفتح مناقشات حول أحداث كيمنتس وميركل واللاجئين، وهذا ما يعتبر خطأ استراتيجياً. قبل أن تتساءل لماذا لم يهاجم الوزير "البديل" بقوة، ولم ينتقل إلى كيمنتس لمعاينة الأحداث على أرض الواقع؟ وهناك من يرى من المراقبين أن على زيهوفر ومسؤولي حزبه إعادة النظر في مقاربتهم للملفات، وأهمها ملف الهجرة والتفكير في العمل للصالح العام والحكومة الاتحادية في برلين وليس لبافاريا فقط، لأن "الاتحاد المسيحي" تحالف عمره 50 سنة، ولا بد أن يبقى، بغض النظر عما ستسفر عنه نتائج انتخابات بافاريا، منبهين إلى واقع أن الاستفزازات بدأت تمتد إلى القاعدة، وهذا الصراع لن يخدم "الاتحاد المسيحي" بل سيقدم خدمة مجانية إلى "البديل من أجل ألمانيا" من جهة و"الاشتراكي الديمقراطي" من جهة أخرى.