الناشطة الألمانية المحررة تستعد لمغادرة العراق وتفتح خلفها ملف مصير آلاف المختطفين العراقيين

24 يوليو 2020
مليشيات مسلحة متورطة بعمليات الخطف(Getty)
+ الخط -


أثار إعلان السلطات العراقية، اليوم الجمعة، تحرير الناشطة الألمانية هيلا ميفيس، والتي تم اختطافها من قبل مجموعة مسلّحة، مساء الاثنين الماضي، من وسط العاصمة العراقية بغداد، تساؤلات عن أسباب التكتم الحكومي عن الجهة التي تقف وراء عملية الخطف، وسط ترجيحات بأن الجهة الخاطفة مليشيات نافذة سياسياً، فيما دعا مسؤولون وناشطون الحكومة إلى متابعة ملف آلاف المغيبين العراقيين، الذين تم اختطافهم قبل سنوات عدّة، والكشف عن مصيرهم والجهات الخاطفة.
 وصباح اليوم الجمعة، أعلنت السلطات العراقية تحرير المختطفة الألمانية، من دون أن توضح أي تفاصيل أخرى، لكن بياناً آخر لوزارة الداخلية العراقية، صدر لاحقاً، قال بأن "تحرير المختطفة تم بمتابعة مباشرة من قبل رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، وإشراف مباشر لوزير الداخلية عثمان الغانمي"، مشيراً إلى أن تحرير المختطفة تم في منطقة بجانب الرصافة من بغداد.
وحتى الساعة، لا تفاصيل محدّدة حول ملابسات تحرير المواطنة الألمانية المختطفة، لكن مصادر سياسية في بغداد قالت لـ"العربي الجديد"، إنها لا تبدو عملية تحرير بل إطلاق سراح من قبل الجهة الخاطفة. ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن المختطفة الألمانية موجودة حالياً في مبنى السفارة الألمانية ببغداد وقد تغادر إلى بلادها بالساعات المقبلة"، لافتة إلى أن المؤشرات بالإجمال تؤكد أن الجهة الخاطفة مليشيات نافذة في بغداد، وهناك ترقب لما ستفصح عنه هيلا ميفيس نفسها من معلومات بعد وصولها إلى بلادها.

 وفي حين أثنى مسؤولون وسياسيون عراقيون على عملية تحرير الناشطة، انتقدوا عدم تعامل الحكومة والأجهزة الأمنية والقضائية بجدية مع ملف المختطفين العراقيين، الذي غيبوا منذ سنوات عدّة.
وقال رئيس لجنة الأمن في البرلمان السابق حاكم الزاملي، في حديث لـ"العربي الجديد"، "استبشرنا خيراً بتحرير الناشطة الألمانية، لكن عمليات الخطف والاغتيال بدأت تبرز أخيراً بشكل خطير"، داعياً الحكومة والأجهزة الأمنية لأن "تعطي اهتماماً كبيراً لمنع حالات الخطف وتكرارها، لأن لها تأثيرات سلبية خصوصاً مع المستثمرين الأجانب العاملين بالعراق والسواح والزوار".
وشدد على أنه "يجب أن تكون هناك خطوات لإطلاق سراح المختطفين العراقيين أيضاً، وأن يتم التعامل بجدية مع هذا الملف من قبل الجهات المسؤولة"، محملاً "الحكومة والسلطة القضائية والأمن مسؤولية المختطفين العراقيين".
ولم تتابع الحكومات العراقية ملف المختطفين، كما التزمت السلطة القضائية جانب الصمت إزاءه، في وقت لا توجد فيه أي تحقيقات لكشف ملابساته. وتقدر إحصاءات غير رسمية أعداد المختطفين والمغيبين بالعراق بما لا يقل عن 16 ألف شخص، اختطفوا على يد مليشيات مسلحة منضوية ضمن "الحشد الشعبي"، بعد عام 2014.

من جهته، أكد المتحدث باسم جبهة الإنقاذ والتنمية عبد الكريم عبطان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجهة التي اختطفت الناشطة الألمانية هي الجهة ذاتها التي اختطفت وغيبت آلاف العراقيين من المناطق الغربية وحزام بغداد وغيرها"، منتقداً "التكتم الحكومي عن الجهة التي كانت وراء حادثة الاختطاف، ما يجعل مسلسل الخطف والجريمة المنتظمة مستمرا، لأن الجهات الخاطفة أمنت من العقاب".
وحمّل الحكومة،مسؤولية مصير آلاف المختطفين المغيبين، والذين لم يكشف عن مصيرهم، إذ إن كشف الجريمة والجهة التي تقف وراءها هو جزء من القضاء على الإجرام، وأن التستر على الجريمة يمنح المجرمين فرص استمرار إجرامهم"، مشيراً إلى أن "ملف الاختفاء القسري هو قضية عصابات منظمة وترتيب وعمل شبكاتي، وهي قضية أمن دولة ويجب وضع حد لها، وكشف الجهات المسؤولة عنها".
كذلك، انتقد ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي، استمرار التجاهل الحكومي لملف آلاف المغيبين العراقيين، مطالبين بتحمل مسؤولية هذا الملف.
 وقال الكاتب والباحث العراقي شاهو القرداغي إن "تعامل الحكومة مع الخاطفين يغري لتنفيذ هذا النوع من الجرائم بالمستقبل"، مضيفاً "تعامل الحكومة مع الخاطفين يغري كل الجماعات الارهابية لارتكاب هذا النوع من الجرائم لتمويل نشاطاتهم. تقوم باختطاف مجموعة من الأجانب، إذا نجحت العملية تربح مليار دولار، وإذا فشلت تطلق سراحهم ويُسجل كإنجاز للحكومة ولا تتعرض لأي محاسبة أو تتحمل أي مسؤولية مع الحفاظ على سرية هويتك".


 وأبدى الناشط كرار أرشد عليوي، في تغريدة له، استغرابه من "قدرة الحكومة على كشف مكان رهينة أجنبية واحدة وسط هذه الفوضى، وإطلاق سراحها خلال ساعات، بينما لا تكشف مصير آلاف المختطفين والمغيبين العراقيين، ولا حتى الإفصاح عن الجهة الخاطفة".


 بدوره، دعا الناشط جاسم الحلفي، في تغريدة على "تويتر"، إلى "الحرية لكل المغيبين"، وقال "شكرا للتضامن. شكراً للقوات الأمنية. نتطلع إلى تحرير مازن لطيف وتوفيق التميمي. الحرية لجميع المغيبين".


 أما الناشط فايق الجنابي، فقد تساءل في تغريدته، عن "مصير المختطفين العراقيين وعن نتائج التحقيق بقتل الأبرياء".


 ملف المختطفين العراقيين يعد من أكثر الملفات المعقدة في البلاد، إذ إن تورط مليشيات "الحشد الشعبي" باختطاف غالبيتهم زاد من خطورة متابعة الملف، لما تتمتع به تلك المليشيات من سلطة ونفوذ واسع، استطاعت من خلالهما إغلاق الملف وإنهاء عمل اللجان التحقيقية التي أدانت في تحقيقها الأولي فصائل من "الحشد".
وشهد العراق على مدى السنوات السابقة أعمال خطف طاولت الآلاف من أبناء عدد من المحافظات، منها الأنبار وصلاح الدين والموصل وبغداد وديالى وكركوك وشمال بابل، بدوافع سياسية وطائفية، بينما كشفت تحقيقات أولية عن تورط مليشيات "الحشد الشعبي" بغالبيتها، لكن الملف تمت تسويته وأغلق التحقيق به، وتزايدت أعداد المختطفين بعد اختطاف واعتقال العشرات من المتظاهرين والناشطين المدنيين، خلال التظاهرات التي شهدها العراق خلال الأشهر الماضية.

المساهمون