تحذيرات من تصاعد الأزمة الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن

08 سبتمبر 2017
يشكل تقليص البنية التحتية الدبلوماسية ضربة للبلدين (جاستين سوليفان/Getty)
+ الخط -

تتجه الأزمة الدبلوماسية بين موسكو وواشنطن نحو مزيد من التصعيد، بعد إقدام الولايات المتحدة على إغلاق القنصلية الروسية في سان فرانسيسكو وتفتيش بعثات دبلوماسية روسية على أراضيها، وتلويح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإمكانية خفض إضافي لعدد الدبلوماسيين الأميركيين في روسيا.

وفي هذا الإطار، يرى كبير الباحثين في "مركز السياسة الراهنة" في موسكو، المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأميركي، فيكتور أوليفيتش، أن روسيا والولايات المتحدة دخلتا "حرباً باردة جديدة"، بادرت واشنطن إليها نهاية العام الماضي، بإقصاء 35 دبلوماسياً روسياً ومصادرة أملاك دبلوماسية روسية، مشيراً إلى أن إغلاق القنصلية في سان فرانسيسكو يشكل بداية لـ"الجولة الثانية" من الحرب الدبلوماسية. ويقول أوليفيتش، في حديث لـ"العربي الجديد": "يشكل تفتيش البعثات الدبلوماسية الروسية انتهاكاً صارخاً لأحكام اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، وسيكون رد روسيا سريعاً وحازماً". ويوضح "على مدى نصف عام، لم ترد روسيا على الإجراءات الأميركية، أملاً في تطبيع العلاقات مع الإدارة الجديدة، ولكن ذلك لم يحدث، بل ازدادت العلاقات سوءاً، وتم تثبيت العقوبات بشكل قانوني بحق روسيا".

وحول أسباب تدهور العلاقات في عهد الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، رغم نيته تحسينها، يشير أوليفيتش "كان ترامب وأنصاره يدركون أن المواجهة مع الصين وكوبا وإيران وروسيا في آن معاً لا تصب في مصلحة الولايات المتحدة، فأرادوا إغراء روسيا بإلغاء العقوبات مقابل تراجع شراكتها الاستراتيجية مع الصين وإيران. ولكن الإستبلشمنت قام بكل ما بوسعه لمنع ذلك، ربما خوفاً من أن روسيا لن تنفذ المطالب بل ستعزز مواقعها". ويشير إلى سابقة مماثلة في سبعينيات القرن الماضي، عندما استغل الرئيس الأميركي آنذاك، ريتشارد نيكسون، ووزير خارجيته، هنري كيسنجر، الخلافات بين موسكو وبكين لإبعاد الصين عن الاتحاد السوفييتي وجعلها شريكاً في الحرب الباردة. ويذكّر بأن الصين انضمت إلى مقاطعة الألعاب الأولمبية في موسكو في العام 1980 ودعمت المجاهدين في أفغانستان. ويعتبر المحلل السياسي الروسي أن موسكو تتوهم بإمكانية تحسين العلاقات مع تولي كل رئيس جديد زمام السلطة في البيت الأبيض. ويقول "كانت روسيا تأمل في الحوار مع جورج بوش (الابن)، ولكن واشنطن انسحبت في عهده من معاهدة الدفاع المضاد للصواريخ، كما انتهت ولايته الثانية بالحرب في جورجيا في أغسطس/ آب 2008، والتي ما كان للرئيس الجورجي آنذاك، ميخائيل ساكاشفيلي، أن يجرؤ عليها من دون ضوء أخصر من بوش. أما إعادة إطلاق العلاقات في عهد الرئيس (السابق) باراك أوباما، فانتهت بالدخول في حرب باردة جديدة".


تصفية حسابات داخلية

وأثارت الأزمة الدبلوماسية الراهنة تساؤلات حول أبعادها الداخلية في البلدين، في ظل التوترات بين ترامب والكونغرس، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في روسيا المقرر إجراؤها في العام 2018، وما قد يترتب عليها من تشديد الخناق على المعارضة وتعبئة الناخبين بمشاعرهم الوطنية. وفي مقال بعنوان "أفق التصعيد: كيف تخرج الحرب الباردة الجديدة عن السيطرة"، يشير مؤرخ العلاقات الروسية الأميركية، إيفان كوريلا، إلى أن "روسيا والولايات المتحدة تستخدمان السياسة الخارجية لتصفية الحسابات الداخلية كما كان الحال عليه في الماضي". ويوضح كاتب المقال، الذي نُشر في صحيفة "إر بي كا" الروسية، أن الأزمة الراهنة في العلاقات مع واشنطن تصب في مصلحة "حزب تشديد الخناق" في روسيا، مشككاً، في الوقت ذاته، في أن هذا السيناريو سيندرج بشكل لائق في أجندة عام ما قبل الانتخابات بعد أن تم تطبيقه على مدى السنوات الخمس الماضية.
وحول المستفيدين من أزمة العلاقات مع روسيا داخل الولايات المتحدة، يوضح كوريلا أن "الأنصار البديهيين للمواجهة في الولايات المتحدة هم خصوم ترامب، ويبدو أن هذه القضية محكوم عليها أن تستمر حتى نهاية رئاسته". ويعتبر الخبير الروسي أن "منطق الرد على الأعمال غير الودية مفهوم"، ولكن الهدف "غير واضح"، مشيراً إلى انعدام أمثلة ناجحة لتغيير سياسة قوة كبرى عن طريق فرض العقوبات، بينما "يشكل تقليص البنية التحتية الدبلوماسية ضربة للبلدين، ويزيد من صعوبة التعاون على المستوى غير السياسي".

وكان بوتين أكد، الثلاثاء الماضي، أن روسيا تحتفظ بحق تقليص مزيد من موظفي البعثات الدبلوماسية الأميركية في روسيا، ليصبح متساوياً مع عدد الدبلوماسيين الروس لدى الولايات المتحدة. وأوضح، في ختام مشاركته في قمة مجموعة "بريكس" في الصين، أن 155 من أصل 455 موظفاً دبلوماسياً روسياً في الولايات المتحدة يعملون بالممثلية الروسية لدى الأمم المتحدة، وليسوا معتمدين لدى الخارجية الأميركية. وفي تلك الأثناء، سلم السفير الروسي الجديد لدى الولايات المتحدة، أناتولي أنطونوف، صوراً من أوراق اعتماده إلى وزارة الخارجية الأميركية تمهيداً لتسليمها إلى ترامب، معرباً عن أمله في انتهاء المواجهة الدبلوماسية بين البلدين. يذكر أن العلاقات الروسية الأميركية تشهد، منذ نهاية يوليو/ تموز الماضي، موجة من التصعيد بعد توسيع وتثبيت العقوبات الأميركية ضد روسيا، ورد هذه الأخيرة بطرد مئات الدبلوماسيين الأميركيين.



المساهمون