تحديات أن تكون مسلماً في أميركا اليوم

15 مارس 2017
+ الخط -

لقد كنت مسلما أميركيا منذ ما يقارب خمسين سنة. نفس عمر استروترف ودوريتوس. خلال هذا الوقت، تضاعف سكان أميركا المسلمون أكثر من ثلاث مرات، من مليون في عام 1968، سنة اعتناقي الإسلام، إلى 3.3 ملايين في 2015.

في تلك الفترة، تطورت قناعاتي كمسلم على نفس الوتيرة التي تطورت فيها مواقف الأميركيين من الإسلام.

لقد اعتنقت الإسلام عندما كنت طالباً في جامعة كاليفورنيا. كنا نحمل لقب البطولة الوطنية لكرة السلة للرجال وكنت واحداً من اللاعبين الرائدين على مستوى الدولة، الأمر الذي جعلني مشهوراً أيضاً. أعلنت أنني لم أعد كاثوليكيا كما أراد والداي، لكنني مسلم، وهي الديانة التي لا يعرفها معظم الأميركيين، وخلق ذلك ردود فعل متباينة.

الكثير من الناس استجابوا للأمر كما استجاب زملائي في الفريق بالكثير من الدعم والفضول في الوقت ذاته، بعض الناس استجابوا للأمر بالكثير من العدائية أيضاً.

شعر هؤلاء العدائيون بأن الأمر يمسهم شخصياً، وكأنني خرقت أسس الحرية أو كأنني حطمت تمثال الحرية بعد أن منحني قطعة من الحلوى. بعد ذلك كله كنت مثالاً جيداً للعبد أو الزنجي، أو الطفل الأسود من هارليم الذي تم منحه منحة كاملة للدراسة في جامعة كاليفورنيا ثم أصبح لاعباً رياضياً مليونيراً. كيف أستطيع التذمر بعد ذلك كله؟

بالطبع، هؤلاء الناس لم يكونوا إلى جانبي عندما نعتني بعض الجماهير "بالزنجي" من المدرجات أو عندما ألقى هؤلاء أشياء عليّ من نوافد الفندق. ولم يلتفتوا إلى أي من القوانين التي جرى تمريرها للحد من إمكانية تصويت الملونين أو السود، وأنا منهم، في الانتخابات. نعم، لقد حصلت على فرصتي، لكنني لم أستطع حقيقة الاستمتاع بها، ولا حتى الآخرين الذين منحوا فرصاً مماثلة.

كان تحولي إلى ما كان يعتقد الأميركيون في ذلك الوقت بأنه دين للغرباء، غرباء، بالرغم من أننا نسكن في المنطقة الجغرافية نفسها مع المسيحيين أنفسهم، لم يكن رفضاً للقيم الأميركية، كما ادعى نقادي، لكنه كان رفضاً لمنطق النفاق كله.

لقد استخدمت الكنيسة الكاثوليكية والمدارس الكاثوليكية التي درست فيها الإنجيل نفسه من أجل تبرير العبودية، لقد تم استثناء الناس الملونين من الدروس وكأنهم لم ينجزوا ما يستحق أن يذكر. ومن أجل ذلك الدرس رفضت هذا الدين واسم الشخص الذي كان يستعبد عائلتي، لقد اعتنقت الإسلام، الدين الذي يعتنقه 30% من السود في أميركا، إنه أمر منحني راحة أكثر، واتصالاً أقوى مع تراثي كمسلم.

وعلى الرغم من أنني قد حصلت على نصيبي من غضب المعجبين الذين شعروا بأنني خنتهم شخصياً، فإن هذا لم يفقدني الحس بالانتماء للإسلام. لكنني ما زلت مؤمناً بأن الأميركيين لا يعرفون الإسلام ولا يهتمون لأمره.

لقد تغيّر ذلك كله بالتزامن مع الاعتداءات الإرهابية في 11/9. اليوم، المسلمون الأميركيون يواجهون تزايداً في العدائية العنيفة والتمييز السلبي بحقهم. حتى وإن لم يكن هنالك عنف حاصل وموجه بشكل مباشر ضدنا، لكن الحالة الضاغطة هذه تؤثر بحق على صحتنا وعلى منسوب السعادة لدينا.

وهي بالتأكيد أسوأ بكثير بالنسبة لأطفالنا، لأن الأطفال لا يفهمون بالضبط الغضب غير المبرر الموجّه ضدهم.

هذا ليس شعوراً بالاضطهاد، إنه تهديد حقيقي. بالنسبة لتقديرات مركز قانون الفقر الجنوبي، فإن الجماعات الكارهة للمسلمين تزايدت إلى ثلاثة أضعاف في عام واحد: أكثر من 34 في عام 2015 إلى 101 في عام 2016. في الأيام الـ34 التي تلت الانتخابات التي فاز فيها دونالد ترامب كان هناك أكثر من 1094 جريمة كراهية حدثت في البلاد. 

الواضح أن انتخاب الرجل الذي بشّر بالعنصرية وكراهية النساء والأجانب قد عزّز شريحة كبيرة من المجتمع، والتي تسيطر عليها الكراهية وليس لديها الذكاء أو المهارة من أجل تحرير نفسها. هؤلاء ينحدرون من عائلات وآباء وأجداد متعصبين ويفتقدون للذهن النقدي ومهاراته من أجل اختيار أنفسهم، لقد غرقوا في بحر من التعصب، وكأنهم في رمال متحركة، وهي كذلك.

يجري هذا الموضع الخبيث في المجتمع كنهر تحت الأرض من المياه العادمة. يخجل معظم الأميركيين من وجود هذه القطعة الخبيثة بينهم، لكنهم سعيدون ببقائهم بعيداً عن رائحتها ورؤيتها. لسوء الحظ، عندما انتخب دونالد ترامب كان يائساً من إمكانية تشكيل ائتلاف للمتطرفين، وبدأ بالحفر عميقاً أسفل المجتمع، محركاً المياه العادمة هناك، ثم أطلق كل هذه الكراهية إلى جانب هؤلاء الكارهين ومعادي السامية والخائفين من المثلية والعنصريين في كل مكان من المجتمع.

هذا الصرف الصحي أصاب حتى الحكماء من الناس بالخوف من إمكانية وجود شيء لا يرونه. إنه التخويف الذي مورس عليهم.

إنه من السهل أن تفعل الشيء الصحيح عندما يسير كل شيء بشكل سلس. ولكن هذا ما فعله الناس عندما وضعوا تحت الضغط الذي يكشف عن القيم الحقيقية. 

دستورنا هو أفضل وثيقة سياسية في التاريخ، وضعها السياسيون لتؤسس لمجموعة من المبادئ العظيمة، والأميركيون يحتفلون بذلك لأنه يستحق، لكن من الصادم أن تجد كيف يريد هؤلاء أن يتركوا كل هذه المبادئ العظيمة لأنهم فقط خائفون قليلاً.

ما هو محبط للمسلمين الأميركيين هو أن معظم ما يخيف البيض منهم لا أساس له في الواقع. إنها مخاوف عززها السياسيون أمثال دونالد ترامب في وسائل الإعلام المغرضة مثل Breitbart وفوكس نيوز، أدت إلى جنون مثل الغوغاء حتى لا يكلف هؤلاء أنفسهم عناء النظر إلى الحقائق.

الحقائق التي أثبتت وفقاً لمؤسسة أميركية حديثة، أن معظم الأميركيين الذين قتلوا، قتلوا على يد البيض أكثر من الجهاديين والإرهابيين، تبدو بلا تأثير لدى الأميركيين والرأي العام. بين عامي 2004 و2015 وقعت 9 هجمات إرهابية في البلاد من خلال إسلاميين نصبوا أنفسهم بأنفسهم، في مقابل 19 اعتداء نفذه أميركيون بيض وغير مسلمين.

وفي عام 2016 أظهرت دراسة نفذت من قبل "جامعة تشابمان" أن ثاني أكبر مخاوف الأميركيين كانت من الهجمات الإرهابية الإسلامية، على الرغم من أن 94 فقط قتلوا بين عامي 2005 و2015 من خلال مثل هذه الهجمات. لكن، وخلال الفترة ذاتها، كان هناك 301797 حالة وفاة مرتبطة بالأسلحة النارية في أميركا. ومع ذلك، أظهر التقرير أن الناس كانوا أكثر خوفا من فرض قيود على حيازة الأسلحة النارية، من خوفهم من وفاة شخص يحبونه.

لست مقتنعاً إلى الآن؟ أصدرت صحيفتا "واشنطن بوست" و"هافينغتون بوست" تقريراً في عام 2015 يفيد بأن عدد الأميركيين الذين تعرضوا لإطلاق نار وقتلوا في حينه أكبر من عدد ضحايا التنظيمات الإسلامية الإرهابية. في إشارة إلى انحراف معايير أميركا وأولوياتها ومخاوفها. طالما أن السياسيين قادرون على إلهاء الأميركيين وجعلهم مؤمنين بفكرة وجود العدو، فلا داعي لأن نلاحظ إنجازاتهم الشحيحة لتحسين حياتنا اليومية. لذلك أصدرت منظمة الصحة العالمية دراسة عام 2017 تفيد بأن متوسط العمر المتوقع لدى الأميركيين آخذ بالانحدار، في المقابل، وخلال السنوات الثلاث عشرة المقبلة ستحصل كوريا الجنوبية على أعلى نسب لمتوسط العمر بين أفرادها، بينما تتساوى الولايات المتحدة مع المكسيك وكرواتيا.

ربما يجب على المائة مجموعة ومجموعة الكارهين للمسلمين التركيز على هذه الإحصاءات، لأن تأثيراً مباشراً سيكون لها على حياة أطفالهم وأحفادهم أكثر من صلاة جيرانهم المسلمين. هذه هي حقيقة أن تكون مسلما أميركيا اليوم، إنها نفس حقيقة الناس أصحاب البشرة الملونة والمهاجرين والمثليين والنساء واليهود وغيرهم ممن واجهوها لقرون في هذه البلاد.

عندما ننظر إلى قائمة المهمشين سنرى بوضوح محدودية أعدادهم، ولكن عند دمجهم معاً فإنهم فعليا يشكلون أغلبية السكان في البلاد، ولكنهم سمحوا للآخرين بالترويع والتخويف منا لأننا لم نشكل يوما كيانا قويا. يجب ألا نتوقع أن تتحسن الأمور فقط لأننا نعرف الصواب، يجب أن نقوم بالأمور الصائبة والصحيحة بأنفسنا. تقع على عاتق المسلمين الأميركيين اليوم مسؤولية تثقيف جيرانهم عن معنى الإسلام الحقيقي. نستطيع القيام بذلك بالكلام، والأقوال دائماً أقوى مفعولاً.


عندما تعرض مائة وخمسون شاهد قبر يهودي للتخريب في مقبرة سانت لويس في فبراير/شباط الماضي، قام ناشطان مسلمان أميركيان بعمل حملة للمساعدة في إصلاح الأضرار. أحد الناشطين، طارق المسيدي، فسّر عمله بالاستشهاد بقصة عن النبي محمد "صلى الله عليه وسلم" حين وقف احتراماً لجنازة يهودي تمرّ من أمامه، وعندما سئل لماذا، أجاب: "أليس روحاً بشرية!".

وفي نفس الشهر تعرّض مسجد في تكساس للحريق، وفي غضون يومين جمع ما يقارب المليون دولار في تبرعات لإعادة البناء، وقام مسؤولون يهود ومسيحيون بفتح أبواب كنائسهم وكنسهم للمسلمين لكي يتعبّدوا فيها. وهذه من الأمثلة المشرقة للتعاطف الحقيقي ووحدة القيم الأميركية المتجسدة في أدياننا المختلفة، أو حتى في الجماعات غير الدينية. يجب على المسلمين الأميركيين أن يتخطوا فترة الخوف غير المبرر هذا بالمساعدة الفاعلة للمجموعات الأخرى التي تتعرض للاضطهاد والتمييز، إن كان نابعاً من أفراد أم من مؤسسات وإدارات بعيدة كل البعد عن عامة الناس والقيم الأميركية العامة.

بالتبرع لمنظمة اتحاد الحريات المدنية والرابطة الوطنية لتطوير الملونين ومنظمات أخرى تقاتل بضراوة يومياً وتخوض معارك قانونية للدفاع عن حقوقنا نكون قد ساهمنا في التخفيف من حدة هذه الظاهرة، وكذلك بالمشاركة في التجمعات العامة للاحتجاج على الظلم الواقع على المجموعات المهمشة، وتمكن المساهمة بشكل فردي أيضاً عن طريق الوصول إلى أي شخص ينظر نظرة مختلفة.


(ترجمه عن موقع The New ARAB: عزالدين التميمي)



FFA9F77B-A96E-4B9D-9CB8-CFEE1916B34F
FFA9F77B-A96E-4B9D-9CB8-CFEE1916B34F
كريم عبد الجبار

أميركي من أصول أفريقية. كان لاعب كرة سلة محترف، ومن مشاهير اللعبة العالميين. أعلن إسلامه ونشط في الدفاع عن حقوق المسلمين في الولايات المتحدة.

كريم عبد الجبار