ويبدو أن اتساع هذا التحالف الناشئ، بعد لقاء ميلانو الذي استضافه في بداية إبريل/نيسان الماضي وزير داخلية إيطاليا، وزعيم حزب "الليغا" المتشدد، ماتيو سالفيني، ليشمل تسعة من أحزاب معسكر التشدد، يقلق اليوم الأحزاب التقليدية، من اليسار إلى اليمين المحافظ والليبرالي، لما يمكن أن يؤثر في مستقبل توزع الكتل النيابية، بفقدان كتلتي يمين ويسار الوسط، المحافظة والاجتماعية الديمقراطية، أغلبيتهما في التأثير على القرارات والمناصب القيادية في مؤسسات الاتحاد الأوروبي.
إلى جانب ذلك، تثير مواقف هذه الأحزاب المتشككة بضرورات روابط أوروبا الوثيقة؛ وخصوصا فيما يتعلق بالتشريعات والقرارات المشتركة، العابرة للقوميات وسيادة الدول، وإمكانية تحولها إلى عامل قوة في البرلمان، كما باتت الصورة في برلماناتها الوطنية خلال الأعوام الماضية.
ويأمل التحالف الأوروبي للشعوب والأمم "European Alliance for People and Nations" بخلط الأوراق وقلب التوازنات في توزع القوة بين كتل البرلمان الأوروبي.
من هي تلك الأحزاب؟
أحزاب "الليغا" الإيطالي و"الشعب" الدنماركي و"التجمع الوطني" (الجبهة الوطنية سابقا) الفرنسي و"الفنلنديين الحقيقيين" (الفنلندي) و"البديل لأجل ألمانيا" "و"فلامس بيلانغ" البلجيكي و"حزب المحافظين الأستوني" (استونيا، احدى دول البلطيق) وحزب "الحرية" النمساوي و"سام رودينا"(نحن أسرة) السلوفاكي.. هذا مع بقاء الباب مفتوحا لحزب "ديمقراطيو السويد" للالتحاق بالكتلة.
ولا يستبعد المراقبون والمختصون بشؤون البرلمان الأوروبي، وحتى أعضاء حاليون، أن ينتهي الحال بحزب رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، "فيديز" بالانضمام إلى هذا التكتل، على خلفية نزاع طويل يتعلق بعلاقاته المتوترة مع مجموعته البرلمانية الأوروبية، كتلة أحزاب المحافظين، وزعيمها مانفريد فيبر ورئاسة المفوضية بشكل عام. وبالإضافة إلى اليمين المجري المتشدد، يسود اعتقاد بأن ينضم بعد الانتخابات حزب "القانون والعدالة" البولندي إلى هذه الكتلة.
مساعي زعيم "ليغا" الإيطالي مع زملائه الأوروبيين لتشكيل هذا الائتلاف جاءت بعد سنوات من العمل المتفرق لهذه الأحزاب التي ظلت موزعة على مختلف الكتل الأخرى، وبدون تأثير أو نفوذ يذكر. وينتهج هؤلاء سياسة تقوم على أنه "بالإمكان إجراء تغييرات من الداخل وبالحصول على نفوذ في البرلمان الأوروبي"، بحسب ما يسوق على الأقل زعماء حزب الشعب الدنماركي لتبرير تعاونهم مع مارين لوبان، بعد سنوات من معارضة التقارب معها.
ماذا تريد هذه الأحزاب؟
تسعى أحزاب التشدد اليميني من خلال تكتلها إلى تحقيق عدد من الأهداف، ولعل أهمها، وفقا لتسويقها وأدبياتها وخطابها الانتخابي في الشارع، يتمثل في: سيادة أكثر للدول الوطنية وسلطة أقل لبروكسل. تعددية ثقافية أقل (وهنا المقصود تعدد الثقافات المتعلقة بمجتمعات المهاجرين تحديدا). الحق في وضع ضوابط وطنية حدودية للدول. وقف تام للهجرة غير الشرعية وتعزيز الحدود الخارجية لأوروبا، وبعضها في تشدده يطالب بترحيل مئات آلاف اللاجئين، كحزب ليغا والبديل لأجل ألمانيا والشعب الدنماركي.
مدى تأثيرها الفعلي؟
لو استطاعت الكتلة جذب المزيد من الأحزاب البرلمانية، فيمكنها التحول عمليا إلى قوة ثالثة في البرلمان الأوروبي، مسبوقة بكتلة المحافظين والاجتماعيين الديمقراطيين.
وذلك يعني بشكل تلقائي حصولها على نفوذ أكبر في ما خص اللجان ومقرريها، وربما نيابة رئاسة المفوضيات وعدد من المواقع في هرمية البرلمان. ويمكن للأحزاب هذه، إن بقيت تتحدث على أرضية مشتركة، أن تجعل من الصعوبة على القوى المؤيدة لأوروبا تجاهلها كما فعلت خلال الدورات السابقة.
تأثير روسيا
يبدو التأثير الروسي أحد أهم العقبات التي يمكن أن تنسف هذا التقارب بين أحزاب اليمين القومي المتشدد. فعمليا ثمة تنافر بين مارين لوبان المقربة من الكرملين، أو على الأقل ما تشير إليه الصحافة الإسكندنافية، والسياسي السويدي زعيم حزب "ديمقراطيو السويد"، جيمي أوكسون، مؤيدا بمواقف أحزاب أخرى مثل الشعب الدنماركي برفض الارتباط برجالات الكرملين، وهو ما كشف النقاب عنه كصدمة وقنبلة سياسية ألقيت صباح السبت على الساحة النمساوية، بالكشف عن صلات زعيم حزب الحرية المتشدد بأموال روسية. ومقابل رفض البعض تلك العلاقة بروسيا، يندفع ماتيو سالفيني الإيطالي منذ زمن نحو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبرا إياه مثلا أعلى له. هذا عدا عن الكشف عن العلاقات الروسية لبعض أقطاب "البديل لأجل ألمانيا" وقوميي سلوفاكيا وأستونيا، إلى جانب أيضا العلاقات الناشئة بين المجري فيكتور أوربان وموسكو، جنبا إلى جنب مع منظر الشعبوية وضرورة تعاونها ستيف بانون، المستشار السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، بانتقاله بين عدد من دول القارة للـتأثير عليها.
ما من سر في أن بعض أقطاب اليمين المتشدد تدعو إلى رفع العقوبات عن موسكو، مثل سالفيني ولوبان، في ذات الوقت الذي تبدي فيه أخرى مخاوفها من الرئيس الروسي. الدنماركيون المتشددون لا يجدون في الأمر حرجا فيطرحون الحل الوسط "دعوا الاتحاد الأوروبي يقرر العلاقة بروسيا.. ولنركز نحن على تحالفنا ومهامنا القادمة"، وفقا لما طرحه عضو البرلمان الأوروبي عن "الشعب" الدنماركي، أندرس فيستين اليوم السبت.