تحالف 14 آذار اللبناني... نهاية بلا نعي رسمي

14 مارس 2016
انتقلت 14 آذار من الاحتفالات العامة للقاعات (حسين بيضون)
+ الخط -
قرّرت القيادات الحزبية والسياسية لفريق 14 آذار اللبناني أن لا ضرورة لإحياء الذكرى الحادية عشرة لانطلاق التحالف في الرابع عشر من آذار/مارس 2005. في مثل هذه الأيام، طوال السنوات العشر الماضية، كانت الاتصالات والاجتماعات تتلاحق ولا تتوقف بين مكوّنات هذا الفريق للتحضير لـ"اللحظة المليونية"، التي تمكّنت فيها هذه القوى من جمع آلاف اللبنانيين في ساحة الشهداء (وسط بيروت)، للمطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان، وإنهاء وصاية نظام آل الأسد على لبنان.

هذا العام، لم يتصل أحد بأحد. بقيت الخطوط شبه مقطوعة بين المكوّنات، ولدى مراجعة عدد من المسؤولين والناشطين المستقلين للقيادات السياسية لم يحصلوا على جواب. فَهم الجميع أنّ أي حزب أو تيار في 14 آذار لا ينوي التخطيط والتحضير وصرف ملايين الدولارات من أجل إحياء الذكرى. وحده منسّق الأمانة العامة لقوى 14 آذار، النائب السابق فارس سعيد، أخذ مبادرة شخصية بالدعوة إلى مؤتمر صحافي في هذه الذكرى. وبحسب ما تؤكد مصادر هذا الفريق لـ"العربي الجديد"، فإنّ سعيد لم ينسّق الدعوة مع أي طرف ولم يتواصل مع أي مكوّن، لتكون الدعوة فعلاً فردية يمكن أن تختصر واقع هذا الفريق وما آلت إليه أحواله.

جاءت الترشيحات لرئاسة الجمهورية لتحسم الخيارات داخل صفوف 14 آذار، والتأكيد على أن لا قواسم سياسية مشتركة بين المكوّنات ولا مشروعا سياسيا فعليا يجمع المتحالفين. دَعم، ولا يزال، زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، ترشيح حليف النظام السوري وحزب الله، النائب سليمان فرنجية للرئاسة.
في المقابل، كرّس رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الوحدة المسيحية، بورقة تفاهم وشبه تحالف مع حليف حزب الله، رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورشّح الأخير للموقع الرئاسي.

منذ لحظة تشكيل الحكومة الحالية، برئاسة الرئيس تمام سلام، في فبراير/شباط 2014 بدأ التباين يظهر داخل 14 آذار. رفضت القوات اللبنانية المشاركة في الحكومة، انسجاماً مع الموقف الصادر عن 14 آذار، القائل بعدم جواز المشاركة قبل انسحاب حزب الله من الحرب في سورية. كان لتيار المستقبل وحزب الكتائب اللبنانية برئاسة الرئيس أمين الجميّل (وقتها، قبل أن يتسلم نجله النائب سامي الجميّل قيادة الحزب) ولباقي الشخصيات المستقلة في 14 آذار، اعتبارات أخرى دفعتهم إلى المشاركة والجلوس إلى طاولة واحدة مع الحزب وحلفائه، وتقديم الغطاء الرسمي لكل ممارساته السياسية والأمنية والعسكرية السابقة واللاحقة. واستمرّ التباين في مقاطعة القوات أيضاً لجلسات الحوار الوطني، في حين كان لحلفائها المفترضين الموقف نفسه من المشاركة في الحكومة.

اقرأ أيضاً: رسائل الجيش اللبناني بعد وقف الهبة السعودية: معركة وتعيينات

كل تلك المحطات السياسية الرئيسية كرّست تباعاً حالة الانقسام داخل 14 آذار وواقع تشرذم مكوّنات هذا التحالف، وصولاً إلى محطة الذكرى الحادية عشرة، التي لم تتمكّن حتى من جمع هذا الفريق. في هذا الإطار، يعترف عضو كتلة المستقبل، النائب عمار حوري، بوجود "تباين غير صحي وغير سليم داخل 14 آذار"، كما يصفه لـ"العربي الجديد". ويضيف حوري أنّ "واقع التباين هذا أدى إلى عدم إقامة مهرجان في الذكرى الحادية عشرة"، مشيراً في الوقت عينه إلى أنّ "التواصل قائم وهو شبه يومي بين المكوّنات، بحيث لا يمكن المسّ بالعناوين الثوابت التي أقيمت على أساسها حركة 14 آذار". المقصود بهذه الثوابت شعار "الحرية والسيادة والاستقلال"، والتأكيد على الميثاق الوطني، بالإضافة إلى التحالف والتفاهم والشراكة بين المسلمين والمسيحيين.

أي أنّ هذه الشعارات يمكن أن يوافق عليها أي طرف سياسي محلي أو حتى خارجي، على اعتبار أنها شعارات عامة قد تنوجد في النظام الداخلي لأي حزب أو طرف سياسي، لكن تبقى ترجمة هذه الشعارات وتطبيقها هما الأساس: من يطبّق "السيادة" أكثر، دعم عون أم فرنجية؟ من يخدم "الحرية" أكثر، الجلوس في حكومة واحدة مع حزب الله أم معارضة الحكومة وإحصاء أخطائها؟ ما الذي يكرّس "الاستقلال"، الحوار مع حزب يقاتل في سورية واليمن ويتدخل في البحرين والكويت أم مقاطعة حوار غير منتج باعتراف المتحاورين أنفسهم؟

قبل أيام، اعترف جعجع بصعوبة واقع 14 آذار، إذ قال خلال لقاء حزبي إنّ "هذا الفريق يواجه صعوبات تنظيمية كبيرة، وثمة مطبات كثيرة على الطريق، ولكن ما يجب أن نفعله هو عدم التراجع بل حلّ هذه المشكلات لنستمر بـ14 آذار حتى النهاية". من جهة أخرى، حاول الحريري طمأنة حلفائه، مشيراً إلى "أنني لن أخرج منهم، وهم لن يخرجوا مني". لكن يبدو أنّ كل هذا التمسك بفكرة 14 آذار لا يمكن صرفه سياسياً وتنظيمياً.

ثمة في 14 آذار من يقول إنّ "زعماء هذا الفريق لا يريدون تنظيم احتفال سياسي وتنظيمي حتى لا تتكرّس خلافاتهم السياسية أكثر". وبلغة أخرى، لا يريد زعماء هذا الفريق الخروج بنعي رسمي لتحالفهم ومشروعهم، ولو أنّ ورقة النعي قد كُتبت وعمّمت ضمنياً من خلال جملة التباينات الحاصلة داخل هذا الفريق.

قبل عقد من الزمن، ملأت قوى 14 آذار ساحة الشهداء في مشهد سياسي وشعبي يصعب تكراره. في العام 2010، انسحبت هذه القوى من الساحة العامة وحصرت نفسها على التوالي في قاعة فندق (البريستول) وفي قاعة مجمّع البيال (بين أعوام 2011 و2015)، فضاقت المساحة مرة جديدة لتنحصر هذا العام بطاولة وكرسي لمنسّق الأمانة العامة في هذه القوى، فارس سعيد، الذي لن يكون أمامه إلا بعض الميكروفونات والكاميرات. بينما حوله، في مقرّ الأمانة العامة في الأشرفية (شرقي بيروت)، صورة تذكارية لحشود وسط بيروت عام 2005، و11 صورة لـ11 شخصية سياسية وأمنية آمنت ومضت في خيار 14 آذار وتم اغتيالها بين أعوام 2005 و2013.

يشير هذا المشهد إلى أنّ التحالف ماضٍ إلى نهايته بشكل مأساوي. أما تحديد الأسباب، بحسب المكوّنات، فلا يحتاج إلى الكثير من الجهود: أولاً، الرعاة الخارجيون لهذا الفريق وداعمو شعاراته، من الولايات المتحدة إلى أوروبا وصولاً إلى دول الخليج، غارقون في ملفات أخرى ويرون أنّ الساحة اللبنانية ثانوية، لحين الانتهاء من ساحات الصراع المباشر.

ثانياً، إن مكوّنات 14 آذار قرّر كل منها المضي في مراعاة مصالحه أولاً، فوجد الحريري أنّ الأولوية هي في المحافظة على التركيبة السياسية والتاريخية للطبقة السياسية، من خلال التحالف مع فرنجية ومراعاة كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري وزعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، بينما فضّل جعجع اللجوء إلى الطائفة والتأكيد على الوحدة المسيحية.

ثالثاً، في كون خصوم 14 آذار، وتحديداً حزب الله، بات فعلياً يخوض معارك إقليمية ويواجه دولا كبرى على الساحة الإقليمية. فحتى المعركة التي باتت تخوضها السعودية بوجه حزب الله، عاجزة عن توحيد صفوف 14 آذار وحتى عاجزة بالحدّ الأدنى عن توحيد خطاب زعمائها.

اقرأ أيضاً: "لا نريد حرباً أهلية"... شعار الحريري لمهادنة حزب الله

المساهمون