لكن على الرغم من هذين الانتصارين، تبقى الجولة الأولى من الانتخابات غير كافية لتحديد قوّة التحالف السياسي والانتخابي بين التيار والقوات، وذلك لأنّ الفوز بمقاعد في بلدية بيروت تمّ بلا منافسة جدية. لا بل إنّ خيار الناخبين المسيحيين في العاصمة جاء معارضاً للتحالف العوني- القواتي مع باقي أحزاب السلطة، إذ نالت لائحة "بيروت مدينتي" المنافسة ثلثي الأصوات في دائرة بيروت الأولى حيث ثقل الأصوات المسيحية. وفي زحلة يبقى أنه كان لحزب الكتائب دوراً كبيراً في تأكيد انتصار اللائحة المشتركة بين الأحزاب السياسية المسيحية، وبالتالي كان بإمكان تحالف عون والقوات أن يسقط لو خرج الكتائبيون من هذا التحالف وخاضوا المعركة إلى جانب إحدى اللائحتين الأخريين.
بينما يشدّد عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب أنطوان زهرا، على أنّ "محطة الانتخابات البلدية واحدة من محطات نجاح التفاهم بين القوات والتيار الوطني الحر"، تشير مصادر قيادية في القوات اللبناينة لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "نجاح التفاهم يعني بالدرجة الأولى إزالة كل المعوّقات أمام أي توتر موجود بين الطرفين، أكان في الصفوف السياسية أو حتى عند القاعدتين الشعبيّتين".
يمكن القول إنّ هدفاً مماثلاً قد تحقّق، على الأقل حتى الآن. فمن تابع الخلافات بين الفريقين منذ أكثر من عقد ونصف العقد، يعرف أنّ أي مناسبة سياسية لم تكن لتمرّ دون أن تشهد سجالاً بينهما لا بل اشتباكاً، بدءاً من البرلمان إلى الحكومة ووصولاً إلى الجلسات التنسيقية برعاية الكنيسة المارونية، مروراً بالجامعات وكل المناسبات الانتخابية. عملياً، يمكن القول إنّ هذه السجالات تبخّرت، وبات أي ملف مشترك خاضع لتنسيق دائم ومتواصل بين الطرفين، وتحديداً بين أمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب إبراهيم كنعان، ومسؤول وحدة الإعلام والتواصل في القوات اللبناني ملحم رياشي، واللذين أسّسا هذا التفاهم والتحالف بتكليف من الزعيمين المسيحيين.
وفي هذا السياق، يقول نائب رئيس التيار الوطني الحرّ، الوزير السابق، نقولا صحناوي، لـ"العربي الجديد"، بعد التأكيد أنّ الانتخابات البلدية محطّة في التفاهم، إنّ "الطرفين يقومان بالجهود كافة لتفادي حصول معركة انتخابية بينهما، طبعاً من دون أن يكون ذلك ملزماً". ويضيف صحناوي أنّ "التحالف سيبقى قائماً طالما أنّ العمل مستمر لتحقيق الإصلاح وتثيبت الدولة وقوانينها للمسيحيين واللبنانيين"، وتحت هذا العنوان "تمكّنا من فرض أن يسمّي المسيحيون مرشحين لعضوية بلدية بيروت، كما ضمنا فوز المخاتير الأربعين في دائرة بيروت الأولى"، ليكون بذلك العمل جارياً لصياغة تصوّر ما للانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في عام 2017، مع العلم أنّ البرلمان اللبناني مدّد لنفسه لولاية كاملة.
لكن أمام هذا التحالف اختبار جدّي في الجولة الثانية من الانتخابات البلدية، اليوم الأحد، والتي ستكون ساحتها أقضية محافظة جبل لبنان، حيث الثقل المسيحي الفعلي في لبنان. وإذا كان العونيون والقواتيون يصرّون على أنّ التفاهم بينهما قائم، يقول الواقع إنّ الطرفين يختلفان في أكثر من محطة انتخابية في جبل لبنان، حيث يخوضان معارك ومواجهات في نقاط حسّاسة منها بلدية الحدث في قضاء بعبدا، أو بسكنتا (المتن) وصولاً إلى مدينة جونيه (في كسروان).
لا يمكن القول إنّ التفاهم بين عون وجعجع خفّف حدّة بعض المعارك، فبدل أن تعلن القوات اللبنانية دعمها رسمياً للمرشح العوني في جونيه مثلاً، قرّرت ترك الخيار لمناصريها الذين لن يتردّدوا في دعم اللائحة التي تدعمها شخصيات محلية وبيوت سياسية إقطاعية وعريقة، خصوصاً أنّ العداء على مستوى جمهور الطرفين لا يزال قائماً وبات مكبوتاً نتيجة التاريخ الحافل في الصراعات والدماء بين الزعيمين.
وبينما يترنّح التفاهم بين عون وجعجع بين انتصار ثنائي هنا وانقسام هناك، لم يبق أمام حزب الكتائب الذي يمثّل القوّة المسيحية الثالثة سوى خيار مواجهة التحالف الثنائي، وذلك من خلال دعم الزعامات المسيحية المحلية التي يحاول الثنائي المسيحي ضربها في مناطقها. هذه هي حال الكتائب في المتن، حيث تتحالف مع النائب ميشال المرّ، صاحب أكبر "المحادل" الانتخابية وصاحب تاريخ حافل بالمال والخدمات على المستوى الانتخابي. وكذلك هي حال الكتائب مع آل فرام والخازن والبون في قضاء كسروان. كما اختار الكتائبيون أشخاصاً مستقلّين لدعمهم في معارك انتخابية عدة في بعبدا، أبرزهم مثلاً في بلدة الحازمية الذي يخوض رئيس بلديتها جان الأسمر معركة بوجه التحالف العوني ــ القواتي.
وفي هذا الإطار، يقول الوزير الكتائبي، سجعان قزي، لـ"العربي الجديد"، إنّ حزبه "لم يتأثر بتقارب التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية"، مشيراً إلى أنّ "الكتائب أبقى الأبواب مفتوحة أمام كل الخيارات، أكان في التوافق أو خوض المعارك". ويضيف قزي أنّ المعارك أو التفاهمات تسير وتتعطّل، مشيراً إلى أنه "حين تصل الأمور إلى خلاف عقائدي تتوقّف التحالفات والتفاهمات". ويرفض قزي التعليق على أهمية تحالف عون والقوات، لافتاً إلى أنه "حين تعود الحياة السياسية إلى طبيعتها يصبح لكل حادث حديث"، معتبراً أنّ "لا شيء يحصل في لبنان، ولا يمكن الحديث عن أي حراك سياسي قبل انتخاب رئيس للجمهورية وعودة الحياة إلى البرلمان والمؤسسات الرسمية".
ويعتبر عدد من الكتائبيين أنّ تحالف التيار والقوات "هدفه إلغاء باقي الأطراف المسيحية"، مشيرين إلى أنه "سيكون لهذا الأمر ردة فعل عكسية لدى "الناس والبيوت السياسية التقليدية، على اعتبار أنّ عون وجعجع متّهمان بمحاولة مصادرة القرار المسيحي". فالعونيون والقواتيون يسوّقون إلى كون تحالفهم يمثّل أكثر من ثمانين في المائة من الطائفة المسيحية، وهو أمر صحيح إذا ما تمّ احتساب عدد نواب الطرفين مقارنة بالمقاعد النيابية للأطراف المسيحية الأخرى. لكن هذه المقولة بحاجة إلى ما يكرّسها فعلياً، ربما من خلال محطة الانتخابات البلدية اليوم أو الانتخابات النيابية لاحقاً. لكن لا بد من التذكير بأنّ هذا التحالف لم يؤتِ ثماره الأساسية بعد وهو انتخاب عون رئيساً للجمهورية.