13 فبراير 2022
تجويع المعارضين العرب
التسلط والأخلاق لا يجتمعان، فالفعل التسلطي هو، بذاته وتعريفه، دوني ولا أخلاقي ابتداء. وهو يعكس، من بين أشياء أخرى، حالة من التشوه الأخلاقي والنفسي لدى من يمارسونه. يقول المفكر الفرنسي ميشيل فوكو "السجن هو المكان الوحيد الذي تظهر فيه السلطة عارية من كل قيد، على الرغم من محاولة تبرير ذلك بأنه فعل أخلاقي". وفي السنوات الماضية، تحولت البلدان العربية التي فشلت ثوراتها إلى "سجون" كبيرة، يجري فيها قمع المعارضين بمختلف أشكال القمع وأنواعه، بدءاً من الاعتقال والسجن، مروراً بالخطف والإخفاء القسري، وانتهاء بالقتل، سواء بالتصفية الجسدية، أو بالقتل البطيء غير الرحيم، في السجون والمعتقلات.
ولا يتوقف الخيال السلطوي عن إبداع أكثر الوسائل إجراماً ولاإنسانية لمعاقبة المعارضين. والآن، يبدو أن "الربيع العربي" قد دخل مرحلة جديدة من العقاب السياسي للمعارضين، من خلال "التجويع" الممنهج لهم ولذويهم. والتجويع هنا يتم بشكل متعمد ومقصود من الأنظمة السلطوية، فما يفعله الآن النظامان، السوري والمصري، بحق المعارضين، لا يمكن وصفه إلا بجريمة سياسية عارية. نتابع صور الأبرياء السوريين، رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، في مدينة مضايا في ريف دمشق الغربي، وقد نحلت أجسامهم، وبدت منها عظامهم، نتيجة للحصار الذي فرضه عليهم بشار الأسد منذ أكثر من سبعة شهور. صحيح أنه لا لوم على نظامٍ ضرب شعبه، قبل أقل من عامين، بأسلحة كيماوية، في حين لا يتوقف عن تدمير منازلهم ببراميله المتفجرة، ولم يخجل من استدعاء الروس لانتهاك سيادته واحتلال أرضه، لكن اللوم هو على المجتمع الدولي الذي لم يسمح فقط بوصول المأساة السورية إلى حالتها الراهنة، وإنما سمح، أيضاً، بتجويع آلاف السوريين منذ أكثر من سبعة أشهر، ولم يتحرك لمساعدة المشردين واللاجئين داخلياً.
وفي مصر، يقوم النظام، بشكل مباشر وغير مباشر، بتجويع معارضيه، وقتلهم بالبطيء داخل السجون وخارجها. فما نسمعه ونقرأه من حكاياتٍ عن أوضاع المعتقلين تدفع على الاكتئاب والغضب. وقد ارتفعت، في العام الماضي، حالات الموت داخل السجون، إما نتيجة للتعذيب أو نتيجة للإهمال الطبي، أرقاماً قياسية. وقد قرأت، أخيرة، أن عائلات معتقلين كثيرين، من "الإخوان المسلمين" وغيرهم، يعانون العوز، ولا يستطيعون توفير متطلبات الحياة الأساسية، بسبب غياب عائليهم، سواء لأنهم داخل السجون أو في المنافي أو مطاردين. وكأن ثمة حصاراً اقتصادياً يجري فرضه على المعارضين وأسرهم. وهناك حالات كثيرة تم طردها من وظائفها بسبب اتهامها بالانضمام لـ "الإخوان" أو التعاطف معهم، وهو ما جعل كثيرين من ذويهم يعانون اقتصادياً. بل إن بعض الشباب الذي هرب من القمع إلى خارج البلاد يعاني، أيضاً، من التجويع والعوز الاقتصادي، نتيجة عدم قدرته على الحصول على وظيفة في المنفى، أو لعدم اتقانه لغة البلد التي يقيم فيها. وقد قرأت، أخيراً، تحقيقاً للصحافي محمود العناني عن حالة بعض الشباب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وترك البلاد، وذهب إلى تركيا، لكنه يعاني بشكل كبير اقتصادياً واجتماعياً، نتيجة توقف المساعدات التي كان يحصل عليها، سواء من الجماعة أو من خارجها.
لا يمكن توقع مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي يمكن أن تصل إليه الأنظمة السلطوية المتغلبة في منطقتنا، لكن المؤكد أن سقوط هذه الأنظمة لن يكون عادياً، وإنما سيكون سقوطاً مدمراً ومليئاً بالعنف والدم والرغبة في الانتقام. ويبدو أن كل يوم يمر على هذه الأنظمة، وهي في السلطة، يزداد مصيرها سوءاً وسيناريوهات سقوطها كآبة، فهي لم تترك لنفسها طريقاً للرجوع أو مراجعة أخطائها، وهذا هو ديدن السلطوية عبر التاريخ.
ولا يتوقف الخيال السلطوي عن إبداع أكثر الوسائل إجراماً ولاإنسانية لمعاقبة المعارضين. والآن، يبدو أن "الربيع العربي" قد دخل مرحلة جديدة من العقاب السياسي للمعارضين، من خلال "التجويع" الممنهج لهم ولذويهم. والتجويع هنا يتم بشكل متعمد ومقصود من الأنظمة السلطوية، فما يفعله الآن النظامان، السوري والمصري، بحق المعارضين، لا يمكن وصفه إلا بجريمة سياسية عارية. نتابع صور الأبرياء السوريين، رجالاً ونساء، صغاراً وكباراً، في مدينة مضايا في ريف دمشق الغربي، وقد نحلت أجسامهم، وبدت منها عظامهم، نتيجة للحصار الذي فرضه عليهم بشار الأسد منذ أكثر من سبعة شهور. صحيح أنه لا لوم على نظامٍ ضرب شعبه، قبل أقل من عامين، بأسلحة كيماوية، في حين لا يتوقف عن تدمير منازلهم ببراميله المتفجرة، ولم يخجل من استدعاء الروس لانتهاك سيادته واحتلال أرضه، لكن اللوم هو على المجتمع الدولي الذي لم يسمح فقط بوصول المأساة السورية إلى حالتها الراهنة، وإنما سمح، أيضاً، بتجويع آلاف السوريين منذ أكثر من سبعة أشهر، ولم يتحرك لمساعدة المشردين واللاجئين داخلياً.
وفي مصر، يقوم النظام، بشكل مباشر وغير مباشر، بتجويع معارضيه، وقتلهم بالبطيء داخل السجون وخارجها. فما نسمعه ونقرأه من حكاياتٍ عن أوضاع المعتقلين تدفع على الاكتئاب والغضب. وقد ارتفعت، في العام الماضي، حالات الموت داخل السجون، إما نتيجة للتعذيب أو نتيجة للإهمال الطبي، أرقاماً قياسية. وقد قرأت، أخيرة، أن عائلات معتقلين كثيرين، من "الإخوان المسلمين" وغيرهم، يعانون العوز، ولا يستطيعون توفير متطلبات الحياة الأساسية، بسبب غياب عائليهم، سواء لأنهم داخل السجون أو في المنافي أو مطاردين. وكأن ثمة حصاراً اقتصادياً يجري فرضه على المعارضين وأسرهم. وهناك حالات كثيرة تم طردها من وظائفها بسبب اتهامها بالانضمام لـ "الإخوان" أو التعاطف معهم، وهو ما جعل كثيرين من ذويهم يعانون اقتصادياً. بل إن بعض الشباب الذي هرب من القمع إلى خارج البلاد يعاني، أيضاً، من التجويع والعوز الاقتصادي، نتيجة عدم قدرته على الحصول على وظيفة في المنفى، أو لعدم اتقانه لغة البلد التي يقيم فيها. وقد قرأت، أخيراً، تحقيقاً للصحافي محمود العناني عن حالة بعض الشباب المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وترك البلاد، وذهب إلى تركيا، لكنه يعاني بشكل كبير اقتصادياً واجتماعياً، نتيجة توقف المساعدات التي كان يحصل عليها، سواء من الجماعة أو من خارجها.
لا يمكن توقع مستوى الانحطاط الأخلاقي الذي يمكن أن تصل إليه الأنظمة السلطوية المتغلبة في منطقتنا، لكن المؤكد أن سقوط هذه الأنظمة لن يكون عادياً، وإنما سيكون سقوطاً مدمراً ومليئاً بالعنف والدم والرغبة في الانتقام. ويبدو أن كل يوم يمر على هذه الأنظمة، وهي في السلطة، يزداد مصيرها سوءاً وسيناريوهات سقوطها كآبة، فهي لم تترك لنفسها طريقاً للرجوع أو مراجعة أخطائها، وهذا هو ديدن السلطوية عبر التاريخ.