وقد شاركت الجالية العربية، وخاصة التونسية والسورية، أختها المصرية، إلى جانب مواطنين فرنسيين، في هذا التجمع الكبير، والذي تميز بوجود ضيف عربي كبير، وهو أول رئيس لتونس بعد الثورة، المنصف المرزوقي، والذي حظي بترحيب كبير من الحضور، بسبب مواقفه من الثورات العربية، وأيضا بسبب مداخلته العاطفية الأخيرة، يوم الإثنين الماضي، والتي أبدى فيها تأثره وحزنه الكبير على موت الرئيس محمد مرسي بهذه الطريقة المأساوية.
وبعد تدخل افتتاحي لأحد المنظمين، الذي استعرض ملامح من الثورة المصرية ودور الرئيس الراحل محمد مرسي فيها حتى وفاته مريضاً أمام أنظار العالم، كانت الكلمة للرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي، الذي أكّد أن "الآلام التي تعيشها الأمة في سورية وفي ليبيا واليمن وفي مصر والجزائر، وفي السودان، هي آلام مخاض، مخاض دولة القانون والمؤسَّسات، وهي آلام رهيبةٌ، أصبح لها رمزٌ، اليومَ، لأن محمد مرسي تعذَّبَ كما لم يتعذب أي إنسان، فقد وضع في زنزانة انفرادية، وعُذّب نفسانياً، ومعنوياً، وحاولوا كسرَ قوّته، ولكنهم لم يستطيعوا".
وتابع المرزوقي: "الثورة العربية، اليومَ، لها شهيدٌ ونموذجٌ، وقدوة، وهذا الرجل الذي ظنّوا أنهم سيتخلّصون منه هو اليوم أخطر عليهم، من أي وقت مضى. وقد أعطى المَثَل لكل المناضلين. وأشَّر على الطريق، على ضرورة التمسك بالديموقراطية والسلمية، وضرورة مواصلة الكفاح".
وتساءل: "الآن، كيف نستطيع أن نجعل من حياته، شيئاً له معنى؟" ثم أجاب: "أن نكون على دربه، وأن نمشي على خطاه، بغَضّ النظر عن انتماءاتنا، إسلامية كانت أم علمانية، هو وكل الشهداء الذين ماتوا والذين يموتون، للأسف الشديد، اليوم، في السجون المصرية والسعودية والإماراتية. وفي كل سجون الظلم والاستبداد العربية".
وخاطب المرزوقي الشباب العربي بالقول: "الآن لكم قدوة ومثال، فامشوا على طريقه. أما الطغاة الذين ارتكبوا هذه الجريمة فأقول لهم: قد تفلتون من عدالة الأرض، ولكنكم لن تفلتوا أبدا من عدالة السماء".
ثم تولّى الحديث الوزير المصري الأسبق محمد محسوب، الذي خاطب الحاضرين بالقول: "نحن اليوم في حضرة رجل، من أشجع من عرفتُ، ومن أخلص من التقيتُ. رجل آمَنَ بهذه الثورة، وضحى لأجلها. اختلفتُ معه لكني لم أختَلف عليه. رغم اختلافاتنا بقي وفيّاً لثورة أنتجت كل المسار الديمقراطي الذي انقُلِبَ عليه".
واعتبر محمد محسوب أن "ما تلقاه محمد مرسي من تعذيب وإهانة، لم يكن لشخصه، بل لأنه كان يُمثّل إرادة شعبية. وعلينا، كعرب، أن نلمَس هذه الحقيقة، الإرادة الشعبية هي التي ماتت وأُهينَت ويراد لها أن تُسقَطَ، لا أن تُؤسِّسَ لِحُكم رشيد".
وأكد محمد محسوب أن "معركتنا هي معركة إرادة الشعوب في مواجهة إرادة الاستبداد، محمد مرسي الرئيس الشهيد أصبح مثالاً ورمزاً ونموذجاً لهذه المعركة".
ثم أضاف أن "الوفاء لهذا الرجل هو وفاءٌ للقِيَم التي جمعَتْنَا به، وآمَن بها، وآمنّا بها. ولم يكن رئيساً إلّا على أساسها، فهو لم يأتِ بانقلاب ولم يَأتِ باختيار جماعة أو حزب، وإنما جاء باختيار شعب. والشعب حينما يختارُ إنّما يختار الأصلَحَ".
ويرى محسوب أن محمد مرسي "رحل كما أراد"، ويكشف أنه "في آخر لقاء جمعه بالرئيس، وكان يوم 25 يونيو/ حزيران 2013، وكان الوقتُ صعباً، والآراء كانت مختلفة والاجتهادات متنافرة... بقي ثمة شيء واحد لا يزال يُضيء أمام عينيّ، وهو ثبات الرجل، وشجاعَتُه وعدم مساومته، وقد مات غير مُساوِم، لا خلاف على ذلك. لم يساوم على شخصه أو مصالحه أو مصالح أسرته أو حزبه، وإنما دافع عن شرعية ثورة يناير، وأراد أن يُعلي قيمتَها وضحّى لأجلها وذهب لأجلها".
أخيرا يذكّر محسوب بحلم الرئيس الراحل، الذي، كما يقول، "كان حلمي، أنا، وحلمكَ، أنت، وحلمنا، حلمنا أن نكون كهذه البلاد (يعني فرنسا والغرب)، فنحن لسنا أقل من هذه البلاد، حلمنا أن نعيش بحرية، ألّا نُقمَع وألا نقمَعَ، ألا يُقمَع أي فصيل ولا أي فكر ولا أي أحد، أن تكون الرّفعة للوطن، وأن تكون السيادة للشعب، لا لأحد آخر".
ووجه نداء للجمهور حتى "تُوحِّدَنَا شهادةُ محمد مرسي، وحُلمه، مرة أخرى: وطن واحدٌ للجميع، لا تمييز فيه"، مبيّناً أنه "حينما نقول: يسقط يسقط حكم العسكر، فنحن لا نريد أن يسقط الجيش، أبداً، فهو جيشُنا، وليس جيشهم، وإنما نريد أن يسقط رمز الاستبداد، ورمز التخلف ورمز الفساد، وأن نعيش أحرارا، كما تمنى هذا الرجل".
وسط التجمع الحاشد، الذي شهد حضور كثير من السياح أيضاً، في الساحة التي تطل على برج إيفل الشهير، كانت ثمة فرصة لمعرفة ما يدور في مصر، وأيضاً حجم جريمة مقتل رئيس منتخب ديمقراطياً. يقترب عجوز جزائري، لا يستطيع المشي، تأخذ بيده ابنته، يلتقط صورة للرئيس الراحل محمد مرسي، فيقبّلها، بتأثّر بالغ، ثم يمضي. كثيرون آخرون في مثل وضعية العجوز الجزائري، يكتشفون حجم الجريمة التي قتلت أول رئيس مصري منتخب ديمقراطياً في سجون النظام الذي انقلب عليه.