لا يمكن الفصل بين وفاة المخرج الشاب شادي حبش في محبسه بسجن طره، مطلع الشهر الحالي، ومحاولات السلطات المصرية التملص من مسؤوليتها عن الواقعة، وتحميلها للمتوفى، في صورة انتحار أو إيذاء غير مقصود للنفس، وبين استمرار السلطات في عملية تدوير المتهمين من النشطاء الشباب والصحافيين بقضايا مختلفة، جرت وقائعها أثناء حبسهم، ليمنعوا من حقهم الدستوري والقانوني في الخروج من الحبس الاحتياطي نتيجة انقضاء المدة القصوى المسموح بها قانوناً، وهي عامان من دون إحالة للمحاكمة أو تبرئة، بما يسمح ببقائهم محبوسين لآجال مفتوحة، على سبيل التنكيل السياسي والشخصي. واللافت أن النيابة العامة، في بيانيها المتلاحقين عن وفاة شادي حبش، لم تشر، من قريب أو بعيد، لمسألة استمرار حبسه بعد انقضاء عامين وشهرين تقريباً، لتتملص من مسؤولية إبقائه في محبسه حتى الوفاة. كما لم يصدر عنها أي تصريح بشأن مسؤولية إدارة السجن، المقررة في قانون السجون ولائحته التنفيذية، عن صحة النزلاء وحياتهم، وما يمكن أن يحصلوا عليه داخل السجن من مواد خطرة قد تؤدي إلى إيذائهم، فركزت فقط، خصوصاً في بيانها مساء أمس الأول الأحد، على نتيجة تقرير الطب الشرعي التشريحي لجثمان حبش، على أنه تعاطى الكحول الخاص بالوقاية من كورونا، بمزجه مع المياه الغازية.
بعد عامين من الحبس الاحتياطي، والتعسف معهما، ومع دفاعهما واعتياد رفض المحكمة المختصة إخلاء سبيلهما من دون مبررات موضوعية، فوجئ الوسط الحقوقي والإعلامي بإخلاء سبيلهما نهاية الأسبوع الماضي. وتصور البعض أن هذه الخطوة تأتي استجابة للتوسع الإعلامي في عرض قضية استمرار حبس المتهمين، بعد انقضاء المدة القصوى للحبس الاحتياطي كما حدث مع حبش. خرج الصحافيان بالفعل من محبسهما، وتم نقلهما إلى قسمي شرطة تمهيداً لترحيلهما إلى محل سكنهما، ليتدخل الأمن الوطني ويعطل هذه الإجراءات برفع مذكرة جديدة ضدهما لنيابة أمن الدولة العليا، ما عكس مباشرة رغبة السلطة في استمرار حبسهما. ولم تتوان النيابة كالعادة عن إصدار قرار بإدراج المتهمين ضمن قضية تعود لعام 2019 فُتحت وهما في محبسهما، وبدء فترة حبس احتياطي جديدة لهما قد تمتد أيضاً لأكثر من عامين.
ويكون تدوير المتهمين في الغالب على قضايا فُتحت بعد قضاياهم الأصلية. وفي حالة ودنان والأعصر تم اختيار قضية يمكن ضربها نموذجاً للاتهامات المطاطة الصالحة لكل زمان ومكان، ولمختلف ظروف النشطاء السياسيين، وهي التي تحمل رقم 1898 لسنة 2019، وهي بحسب مصدر قضائي، تجمع عدداً كبيراً من المتهمين المحبوسين والأشخاص المراقبين خارج السجون، وتتضمن اتهامات الترويج لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي. ولا تربط بين المتهمين فيها أي صلة تنظيمية، أو حتى معرفة مسبقة، ولا حتى نطاق جغرافي واحد، ما يرجح استخدامها لفترة ممتدة، كمصيدة لأي شخص ترغب السلطات في التنكيل به، حتى وإن كان حريصاً على عدم إبداء آرائه السياسية عبر مواقع التواصل.
وقال محامون مطلعون على قضايا نيابة أمن الدولة، لـ"العربي الجديد"، إن القضية 1898 لسنة 2019 فتحت للمرة الأولى في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لكنها متجددة، وبها العديد من محاضر التحريات التكميلية التي أضيفت منذ يناير/ كانون الثاني وحتى هذا الأسبوع، وتضم متهمين من مناطق مختلفة على مستوى الجمهورية، ومن خلفيات سياسية وتعليمية متباينة. ومن بين المحبوسين حالياً على ذمتها الشبان حسن مصطفى، وعصام عبد الحميد، ومحمد عبد الغني، وأحمد حسني شعيب، ومحمد نور، وحسين السباك، وسيد عطية، وأدهم أبو ضيف، ومحمود حجازي. ووفقاً للمحامين، فإن هذه القضية تتشابه في اتهاماتها ومصيرها مع أخرى مفتوحة حديثاً، تحمل رقم 558 لسنة 2020 حصر أمن دولة، والتي تم ضم عدداً كبيراً من المعتقلين حديثاً إليها، من دون وقائع محددة، ومن دون صلات بينهم، وأبرزهم الشابتان آية كمال ونهى كمال أحمد، من الإسكندرية، والمحامي محسن بهنسي، ووجهت إليهم اتهامات بإساءة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، بسبب انتقادهم لتعامل الحكومة مع انتشار وباء كورونا، أو مشاركة تقارير على حساباتهم لا ترغب السلطات في نشرها.
ووفقاً لمحامين، فإن السجون المصرية تكتظ بنحو 1700 حالة تم رصدها لمحبوسين تخطّوا المدة القصوى للحبس الاحتياطي، وهي سنتان، علماً أن القانون يستثني فقط من قاعدة الحد الأقصى المحبوسين الذين سبق الحكم عليهم بالإعدام أو السجن المؤبد عند نظر قرارات حبسهم أمام محكمة النقض أو الإعادة. وعلى الرغم من النص الصريح على ذلك، فإن المحاكم والنيابة العامة كانت تطبقه على نحو مخالف منذ تعديله في عهد رئيس الجمهورية المؤقت عدلي منصور إلى الصيغة المطبقة حالياً، بادعاء أنه يسمح بفتح مدد الحبس الاحتياطي لأي شخص وُجهت إليه اتهامات يعاقب القانون عليها بالإعدام أو السجن المؤبد. وبالتالي انتحلت دوائر نظر استمرار الحبس صفة محكمة النقض ومحكمة الجنايات في مرحلة الإعادة. وتعاظمت خطورة الحبس الاحتياطي مفتوح المدة، وأثره الداهم على حرية الأفراد، في ظلّ إفراط النظام في اتباعه، بعد 30 يونيو/ حزيران 2013، ليتحول من إجراء تحفظي وتدبير مؤقت، يهدف في الأساس لمنع التأثير على مجريات القضية أو هروب المتهم، إلى عقوبة بحد ذاته.