تجارة العبيد في ليبيا... من البنغال إلى الأفارقة

بنغازي

أحمد ناصر

avata
أحمد ناصر
23 نوفمبر 2017
9C472787-3831-4733-BA57-68D02A5456E8
+ الخط -
يشعر المسؤول في قسم شؤون المهاجرين واللاجئين في اللجنة الوطنية الليبية لحقوق الإنسان محمد عمران بالأسى الشديد إزاء ما يتعرض له المهاجرون الأفارقة من جرائم وانتهاكات على يد تجار ومهربي البشر، والجماعات والمليشيات المسلحة المسيطرة على مراكز الإيواء والاحتجاز للمهاجرين واللاجئين في مدن "سبها وأوباري والشويرف" بجنوب البلاد وفي "جنزور والزاوية وصبراتة والخمس والقرة بوللي وتاجوراء" في غربها والتي تصل إلى حد البيع والاسترقاق.

ويعاني اللاجئون والمهاجرون من إجبارهم على العمل بالسخرة في أعمال البناء والنظافة والزراعة ورفع البضائع، من قبل عصابات التهريب والجريمة المنظمة إلى جانب احتجازهم في سجون ومقار احتجاز لإجبار عائلاتهم على دفع أموال للعصابات كما يقول عمران.

ويوجد في ليبيا 700 ألف مهاجر، بينهم 12 ألفا كانوا ينوون العبور إلى أوروبا، لكنهم ظلوا عالقين في ليبيا بحسب إحصاء كشف عنه المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة وليام لاسي سوينج، في 4 أغسطس/آب الماضي، فيما وصل إلى أوروبا 171 ألف مهاجر ولاجئ من يناير/كانون الثاني حتى 19 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مقارنة بنحو 300 ألف مهاجر دخلوا القارة خلال الفترة ذاتها من العام الماضي بحسب المنظمة ذاتها، موضحة أن 75% ممن وصلوا إلى أوروبا دخلوا إيطاليا، بينما توزع الباقون على اليونان وقبرص وإسبانيا.


استعباد البنغال

في بداية عام 2014، بدأت ظاهرة استرقاق العمال مع تنامي تهريب البشر إلى أوروبا، غير أن مهربي البشر وعصابات التهريب استهدفت العمالة البنغالية وقتها، إذ وثق "العربي الجديد" حالات بيع وشراء جرت بشكل علني في سوق جنيهين بمدينة بنغازي شرقي ليبيا نتيجة للانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا وعدم قدرة الدولة على ضبط حدودها وفرض سيطرتها في التحقيق المنشور في يوليو/تموز من العام ذاته، والذي وثق إفادات لعمال بنغال أكدوا "أن رحلة العمال البنغال تبدأ من مصر، حيث يأتي العمال البنغاليون بأعداد كبيرة بتأشيرات عمالة بمصانعها، ثم تقوم عصابات متخصصة بتهريبهم إلى ليبيا، وبيعهم لعصابات أخرى تتعامل معها داخل ليبيا، والتي تتولى بدورها بيعهم لمن يرغب في الاستفادة من خدماتهم مقابل أجر زهيد يحصل عليه العامل".

استعباد البنغال، أكده كذلك تصريح سابق تم نشره في التحقيق على لسان رئيس لجنة تنظيم العمالة الوافدة والهجرة غير الشرعية في مدينة بنغازي، أيمن الخفيفي، والذي أكد بأنه توجد جهات تتاجر بالعمالة البنغالية في المدينة، وتقوم ببيعها للشركات وأرباب المصانع والمزارع والبيوت بأسعار مختلفة، بينما لفت عثمان أبو بكر (رجل أعمال ليبي يمتلك عدة شركات تعمل في مجالات المقاولات والاستثمار) أن المتاجرة في العمالة البنغالية كرقيق موجودة بأشكال قد لا تبدو في ظاهرها عملية استرقاق، لكن جوهرها لا يختلف عن الاسترقاق كثيراً، "بعض العمال البنغاليين يعمل مقابل أجر زهيد أقل بكثير مما يستحق، وبعضهم يعمل لفترات مقابل غذائه وإعاشته فقط"، كما يقول أبو بكر لــ"العربي الجديد"، الأمر الذي يطابق ما رصده عثمان بلبيسي رئيس مهمة منظمة الهجرة في ليبيا والذي كشف في تصريحات صحافية في إبريل/نيسان الماضي عن حالات مشابهة ولكن لمهاجرين أفارقة قائلا إنه يمكن أن "تذهب إلى السوق حيث يمكنك دفع ما بين 200 و500 دولار للحصول على مهاجر" واستغلاله "في أعمالك". وأضاف "وبعد أن تشتريه تصبح مسؤولا عن هذا الشخص بعضهم يهرب وآخرون يبقون قيد الاستعباد".


استعباد الأفارقة

تعمل عصابات الاتجار بالبشر، والمليشيات المسلحة على مقايضة أسر المهاجرين الذين تحتجزهم رهائن في مركز الإيواء الليبية، إذ تجبرهم على طلب مبالغ مالية تصل إلى ألف دولار أميركي للشخص الواحد، في مقابل الإفراج عنهم، بينما يتعرضون خلال تلك الفترة للضرب كما تجلب النساء المهاجرات إلى المنازل ويتم استرقاقهن جنسيا وفقاً لحالات وثقها تقرير صادر عن منظمة الهجرة الدولية في 11 إبريل/نيسان 2017، وجمعت المنظمة شهادات لمهاجرين عائدين من ليبيا أكدوا بيعهم في مدينة سبها جنوبي غرب البلاد، من قبل سائقين يعملون مع مهربين للبشر، من بينهم حالة تم توثيقها لمهاجر سنغالي دفع 320 دولارا لمهرب ليصل إلى ليبيا انطلاقا من أغاديس في النيجر، وبعد يومين في الصحراء على متن سيارة رباعية الدفع وصل إلى سبها، وقال له حينها سائق السيارة إن المهرب لم يدفع له أجرته فنقل السنغالي إلى "سوق للعبيد" وبعد بيع المهاجر السنغالي تم اقتياده إلى عدة مناطق أشبه بـ "سجون" يتم فيها تعذيب المهاجرين، في حين يطالب محتجزوهم أسرهم بدفع فدية للإفراج عنهم. وتمكن السنغالي لاحقا من أن يصبح مترجما لدى الخاطفين ما أعفاه من حصته من الضرب.

غير أن عضو ومقرر مجلس النواب الليبي صالح قلمه يرفض الإقرار بأن ليبيا فيها سوق للرقيق، قائلا "أنا من أبناء الجنوب وموجود فيه، وقد تابعت ملف الهجرة والجنوب الليبي الذي يشوبه الغموض في وسط هذه التجاذبات السياسية والأمنية حول الملف الليبي" غير أنه عاد وأقر بوجود عصابات متخصصة في تهريب البشر، قائلا "تهريب المهاجرين عبر عصابات أصبحت مافيا وجماعات متطرفة أمر معروف في المنطقة وليس جديدا بل منذ 20 عاما"، لكن مسؤول قسم شؤون المهاجرين واللاجئين في اللجنة محمد عمران أقر بوجود ممارسات الاستعباد من خلال رصدهم حالات تعرضت لذلك، وهو ما أكده بيان صادر عن جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية فرع طرابلس، والذي أكد تشكيل لجنة خاصة، تضم ممثلين عن الأجهزة الأمنية للإشراف على سير التحقيقات في مزاعم وجود مزادات علنية لبيع المهاجرين في ليبيا لتحديد أماكن هذه الأنشطة الإجرامية والمسؤولين، وهو ما رحبت به المنظمة الدولية للهجرة في جنيف.


دور حكومي غائب

"يتوجب على أوروبا معالجة الأسباب الجذرية لظاهرة الاسترقاق الناتجة عن الهجرة غير الشرعية"، كما يقول الكاتب الليبي المهتم برصد تداعيات الظاهرة المتفاقمة فتحي أبو زخار، مضيفًا أن هشاشة الدولة أكبر سبب لخلق بيئة مناسبة لاستمرار ليبيا كمحطة عبور للبشر من أفريقيا وآسيا إلى أوروبا، وهو ما جعل البرلمان الإيطالي يوافق مطلع أغسطس/آب الماضي على إرسال بعثة بحرية محدودة إلى ليبيا لمساعدة قوات خفر السواحل في إدارة وتنظيم تدفق المهاجرين ووقف شبكات التهريب، من خلال نشر سفينتين بحريتين في المياه الليبية الإقليمية، فيما أصدرت دار الإفتاء الليبية فتوى تحمل (رقم 2372) بخصوص تهريب المهاجرين الأفارقة نصت على أنه "عمل يجمع مفاسد عديدة، محرمة شرعًا، ضارة ضررًا بالغًا بحياة الناس، والوطن بأسره، ومن يُسلِّم نفسه إلى المهربين آثمٌ لأن عمله يعد من الإلقاء بالنفس إلى التهلكة"، غير أن كل هذه الجهود تبقى غير كافية كما يقول أبو زخار والذي يخشى من تطور ظاهرة الاستعباد إلى الأسوأ، إذ تم القبض مؤخرا على عصابات تتاجر في الأعضاء.