تجارة "الترميش" في الأردن تهدّد بإفلاسات ضخمة

19 اغسطس 2015
سوق في الأردن (Getty)
+ الخط -
لا تبدو ظاهرة "الترميش" التي هزّت المجتمع الأردني خلال الشهرين الماضيين، مجرد قضية عادية. فقد تحوّلت الأموال التي "شفطتها" حيتان التجارة من جيوب المواطنين البسطاء إلى قضية رأي عام، شغلت الأردنيين بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وما يمكن أن تنتجه من إفلاسات ضخمة، وذلك منذ أن أصدر مدعي عام هيئة مكافحة الفساد قراراً "بالحجز التحفظي على الأموال المنقولة وغير المنقولة نقداً، أو مركبات أو أسهم أو سندات أو عقارات لدى المصارف العاملة في المملكة"، وطال القرار 130 تاجراً من كبار التجار في مناطق جنوب المملكة، رُفع الحجز عن 91 منهم في ما بعد.

و"الترميش" كمصطلح يعود في الأصل إلى مواطن سعودي من عائلة "أبو الرمش" قالت وسائل الإعلام السعودية إنه أول من باع السلع بضعف أثمانها مقابل كمبيالات مؤجلة، مطوراً بطريقته الخاصة أسلوب "البيع الآجل"، الذي اشتهر به سابقاً تجار الأردن، وهيمن على سوق تجارتهم الداخلية، بعد أن أصبح عرفاً ونمطاً في المبيعات المتبادلة بين مراكز الجملة وأصحاب المحلات (تجار المفرّق)، مقابل شيكات مصرفية يجري سدادها لاحقاً.

وتعتمد طريقة "الترميش" الأردنية، على قيام التاجر بشراء سلعة بزيادة على ثمنها الأصلي تراوح ما بين 35 إلى 40%، وبضمان شيك مصرفي يفترض أن يسدد بعد 3 أو 4 أشهر، ثم يقوم ببيعها نقداً بأقل من قيمتها السوقية، بنسبة تراوح بين 10 إلى 15%، على أن يبقى عالقاً في دورة الكمبيالات، مقابل أرباح هي فعلياً وهمية.

اقرأ أيضا: انخفاض الدخل في الأردن يصب في مصلحة الصنف الأرخص

غير أن هذه التجارة المغرية، التي ظهرت خجولة قبل أربع سنوات في إحدى المناطق الجنوبية بالأردن، ما لبثت أن انتشرت على شكل معارض لشراء وبيع السيارات والعقارات والأراضي في مدن أخرى مثل "العقبة ومعان وبلدتي وادي موسى والشوبك"، مستقطبة بربحها السريع مدخرات المواطنين.


ولقيت المعارض، بحسب المواطن محمد ج، إقبالاً وتفاعلاً حتى من خارج هذه المناطق، و"أصبح التوافد إليها بهدف تحقيق الربح، ظاهرة كان من يفترض أن تلفت نظر الحكومة منذ البداية". ويضيف محمد لـ"العربي الجديد"، أن الظاهرة طاولت عمليات بيع مختلف العقارات والسيارات، وكانت كل هذه الأنشطة تجري تحت أنظار الجهات الرسمية، ومنها المصارف التي تصرف الشيكات للمستفيدين.

ويتابع محمد أن الأمور تطورت بعد أن انخرط معظم مواطني المحافظات الجنوبية في هذه التجارة، ثم تمدّدت في مطلع عام 2015 إلى مدن أخرى وسط وشمال المملكة، حيث وفر "الترميش" فرصة لأبناء هذه المناطق لتحسين أوضاعهم المعيشية.

من جهتها، تنفي مصادر حكومية أن تكون لديها أية إحصاءات حول عدد المتعاملين مع هذه المعارض، لكن جهات مستقلة تقول إن العدد يبلغ نحو 6 آلاف مواطن بلغت قيمة تداولاتهم أكثر من 200 مليون دينار (أكثر من 284 مليون دولار) سنوياً.

ويعتقد الخبير الاقتصادي أحمد الحياري أن خطورة هذا النوع من التجارة لا تقتصر على قيام عدد قليل من التجار باستقطاب المدخرات المالية لآلاف المواطنين وحسب، وإنما في إمكان أن تتسبب الطريقة التي تتم بموجبها عملية الشراء والبيع، بخلل في التوازن الاقتصادي للسوق. ويضيف الحياري لـ"العربي الجديد": "ماذا يعني أن يدفع تاجر في شراء سلعة بزيادة على ثمنها تصل إلى 40%، ثم يبيعها بأقل من سعر السوق بنحو 15%؟". ويجيب بالقول "أعتقد أن الأمر لا علاقة له بقوانين التجارة المعروفة، وثمة لغز على الحكومة أن تفك لنا طلاسمه".

وتعمل لجنة مستقلة تم تشكيلها، على تسوية الأزمة والتأكد من قدرة التجار على سداد حقوق المواطنين، وضمان مصير أموالهم، بعدما تحولت إلى شيكات مصرفية غير مقبوضة. وشككت اللجنة في "الدور الرقابي للحكومة منذ البداية"، والذي دفع غيابه القضية للوصول إلى ما وصلت إليه من حيث الأسباب والنتائج.

ويرى الخبير المالي فيصل العيادي، أن المواطنين قد وقعوا في الفخ حين استغل أصحاب المعارض حاجتهم إلى تحسين واقعهم المعيشي، فتم استقطابهم على الرغم من خطورة هذه التجارة على المستويين العام والشخصي. ويقول العيادي لـ"العربي الجديد"، إن صمت الحكومة ساهم طوال السنوات الماضية أيضاً، في انتشار هذه الظاهرة وإقناع الناس بسلامتها وشرعيتها. ويلفت إلى أن "ضياع أموال المواطنين بالترميش يشبه مسلسل البورصات الوهمية، ومن شأنه أن يقوّض الأمن الاقتصادي والاجتماعي. كما أنه يهدّد السوق بتجارة من نوع خطير تطيح بتوازن أسعار أهم السلع المتداولة فيه"، على حد قول العيادي.
المساهمون