تبطين الترع في مصر: فوائد محدودة ورسالة للقوى الغربية

18 مايو 2020
من أعمال تبطين ترعة في بني سويف (العربي الجديد)
+ الخط -


بدأت وزارة الموارد المائية والري في مصر بالخطوات العملية لمشروع تبطين الترع والمصارف (إكساء سطح القناة الترابي بجدران إسمنتية تمنع تسرب المياه) على مستوى الجمهورية، للحد من إهدار المياه، بعد ثلاثة أسابيع فقط من توجيه رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بإنجاز خطة حكومية لهذا الهدف في عامين، بدلاً من الجدول الزمني العلمي الذي كان محدداً لها، وهو 10 سنوات، فيما يبدو أنه سيمثل عبئاً إضافياً على كاهل الدولة المثقل بالأزمات، خصوصاً في ظل فيروس كورونا.

وقال مصدر فني في الوزارة، لـ"العربي الجديد"، إن السيسي عقد اجتماعاً مصغراً، الثلاثاء الماضي، مع وزير الري محمد عبد العاطي وعدد من مسؤولي الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة، وأصدر تعليماته بتنفيذ المشروع بإشراف الجيش في المرحلة الأولى منه على الأقل، بحيث تكون الأولوية لترع ومصارف شمال الصعيد وغرب الدلتا، التي تظهر الإحصائيات أنها الأكثر هدراً للمياه.

لكن هذا المشروع، الذي يبدو للوهلة الأولى مفيداً للغاية، وخصوصاً في ظل حتمية نقص المياه، بسبب ملء سد النهضة الإثيوبي وتشغيله، سواء تمّ الاتفاق بين مصر وإثيوبيا والسودان على قواعد الملء والتشغيل أو لم يتمّ الاتفاق، تحيط به العديد من علامات الاستفهام الفنية، بحسب المصدر الفني المختص بتلك المشاريع. وكشف المصدر أن هذا المشروع ليس من بنات أفكار السيسي ولا حكومة مصطفى مدبولي ولا وزير الري الحالي، بل كان من الخطط التي أقرتها الدولة عام 2012، وقد نُفِّذَت بعض العمليات بالفعل في عهد وزير الري الأسبق هشام قنديل، قبل توليه رئاسة الحكومة في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي، لكن من دون وصف الأمر بالمشروع القومي، وبعيداً عن الدعاية الإعلامية، خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي، في سياق التبشير بتحقيق وفر كبير في المياه يصل إلى 5 مليارات متر مكعب سنوياً، ما يساهم بالطبع في تعويض الخسارة التي ستتكبدها مصر في السنوات المقبلة.

وأوضح المصدر أن توفير هذه الكمية من المياه يتطلب رفع كفاءة جميع الترع على مستوى الجمهورية خلال عامين، كما أمر السيسي، لكن المبالغ الطائلة التي ستُنفَق على هذا المشروع كان من الممكن توجيهها إلى مشروع آخر أكثر سهولة وأقل تكلفة، ويمكن بالفعل تنفيذه في أقل من عامين، وهو تطوير نظم لتجميع وتنظيف وتسهيل استخدام خزانات المياه الجوفية التي تتسرب فيها هذه الكمية التي يُرجى حالياً الاستفادة منها. وأشار إلى أنه بحسب تقرير أُعدّ في عام 2016 في عهد وزير الري السابق حسام المغازي، كانت هذه العملية ستكلف أقل من 20 في المائة مما كانت ستكلفه عملية التبطين الشاملة، لو أُجريت بأسعار ما قبل قرار تحرير سعر صرف الجنيه.



وأوضح المصدر أن التوسع في هذا المشروع كان قد طرح آنذاك، لكن خبراء الوزارة نصحوا بعدم التعجيل فيه، نظراً لانخفاض فائدته مقابل المبالغ التي ستنفق عليه، ولذلك اقترحوا أن تكون الخطة على 10 سنوات على الأقل، وبالتوازي مع بدايتها يُنجَز مشروع الخزانات الجوفية، وصولاً إلى رفع كفاءة العديد من شبكات الصرف الصحي في المحافظات، التي تضر بمخزون المياه الجوفية وتزيد تكلفة أي استفادة محتملة منها. فضلاً عن أن ذلك المشروع المهمل كان سيساهم مباشرةً في تحسين صحة المواطنين، وخصوصاً في المناطق الفقيرة التي تنتشر فيها الأمراض الناتجة من شرب المياه الملوثة بآثار الصرف الصحي.

وعلى الصعيد السياسي والدبلوماسي المرتبط بقضية مفاوضات سد النهضة ذاتها، وليس بآثارها، ذكر المصدر أن السيسي قصد التعامل الإعلامي مع هذا المشروع في التوقيت الحالي تحديداً، ليبرهن لبعض القوى الغربية تغير سلوك مصر المائي، وبصفة خاصة الأوروبية، التي تتهم القاهرة، في كواليس الاتصالات الدولية بشأن قضية السد، بأنها تهدر نسبة كبيرة من قدراتها المائية وحصتها، وتتبنى بذلك الرؤية الإثيوبية التي تزعم أن انخفاض كفاءة مصر في إدارة مواردها هو ما يدفعها إلى محاولة الافتئات على حق الشعب الإثيوبي في التنمية وعرقلة التشغيل السريع لسد النهضة.

وقال المصدر إن السيسي رفض من قبل فكرة استدعاء بعض القوى الأوروبية كوسطاء لحلحلة المفاوضات، بدلاً من الولايات المتحدة المرفوضة من قبل أديس أبابا، وذلك لعدم إبداء تلك القوى تعاطفاً حيال القاهرة، وطرحها من قبل حلولاً تمثل خرقاً للسيادة المصرية، أو تفتح الباب لممارسة ضغوط على القاهرة لتغيير أولويات إنفاقها المحلي، مثل اقتراح التكفل بإدارة نظام لرفع كفاءة إدارة المياه مقابل قبول خطة ملء وتشغيل أكثر مرونة لمصلحة إثيوبيا. وذكر المصدر أن السيسي بتأكيده سعي مصر إلى وضع خطة سريعة لتقليص كمية المياه المفقودة، يهدف في الأساس إلى غلق الباب أمام هذا النوع من المقترحات، ولا سيما أن عدداً من القروض الأوروبية التي حصلت عليها مصر في السنوات الخمس الأخيرة، كان موجهاً بالفعل إلى رفع كفاءة قطاع الري.

وكان وزير الري محمد عبد العاطي، قد أعلن أمام السيسي في 22 إبريل/نيسان الماضي، خلال افتتاح لمحطة طلمبات (مضخات) رفع مصرف المحسمة، أنه في الظروف العادية كان يجري تبطين 50 كيلومتراً من الترع سنوياً، إلا أنّ الخطة القومية عُدِّلَت لتبطين نحو 2000 كيلومتر من الترع كل عام، ولمدة 10 سنوات، ليصل إجمالي الترع التي سيجري تبطينها خلال فترة الخطة إلى 20 ألف كيلومتر. وأكد أن أعمال تبطين الترع وتكسيتها لها العديد من الفوائد، منها حل أزمات وصول المياه إلى نهايات الترع، وإيصالها بسرعة أكبر للمزارعين، ما ينعكس على زيادة الإنتاج، وخفض فواقد المياه من التبخر، وخفض معدلات التسرب إلى الأرض، لكن السيسي قاطع الوزير، قائلاً إن هذه الخطة لا يجوز أن تنجز في 10 سنوات ولا 5 سنوات، وأن على الوزارة إنجازها خلال عامين، مهما بلغت التكلفة.

وسبق أن قال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد" في 30 إبريل الماضي، إن قرار تبطين الترع في المحافظات "مكلف جداً"، بحيث تصل تكلفة 3 إلى 4 كيلومترات من التبطين إلى 5 ملايين جنيه (نحو 318 ألف دولار)، ما بين أسعار الحجر والإسمنت والعمالة والنقل، مرجحاً "فشل عملية التبطين نظراً لتكلفتها، رغم أهميتها الكبيرة في ترشيد المياه المهدورة"، وأنه "في حال استمرار عملية التبطين، من الممكن أن يؤدي ذلك إلى إلغاء بعض مصارفها في المحافظات، وتحويل عدد من الزراعات إلى مصارف أخرى مجاورة، ما سيؤدي في النهاية إلى إلحاق الضرر بمئات آلاف الأفدنة وتهديدها بالبوار، وبالتالي الإضرار بالمزارع والمستهلك معاً".

وشدد وزير الري، أخيراً، على مسؤولي الوزارة في المحافظات لحظر زراعة الأرز غير المصرح به، والموز، باعتبارهما من الزراعات "الشرهة للمياه"، مع تحرير محاضر ضبط فورية للمخالفين. وتتمثل النقطة الخلافية الرئيسية حالياً بين إثيوبيا والصياغة الأميركية لاتفاق الملء والتشغيل الذي وقعت عليه القاهرة منفردة، في اقتراح ضمان تمرير 37 مليار متر مكعب من المياه لمصر في أوقات الملء والجفاف، كرقم وسط بين ما تطالب به إثيوبيا وهو 32 مليار وما كانت تطالب به مصر وهو 40 مليار متر مكعب، على أن يُترك الرقم الخاص بأوقات عدم الملء والرخاء لآلية التنسيق بين الدول الثلاث. وهنا يأتي الشرط الذي يغضب الإثيوبيين، فمن وجهة نظرهم يتطلب تمرير 37 مليار متر مكعب في أوقات الجفاف الصرف المباشر من بحيرة سد النهضة، وعدم تمكنها من الحفاظ على منسوبها عند 595 متراً لتضمن بذلك التوليد المستدام وغير المنقطع للكهرباء لمدة 7 سنوات على الأقل.

وشهد الأسبوع الماضي تصعيداً جديداً من الجانب الإثيوبي، بتأكيد بدء الملء في يوليو/ تموز المقبل، وارتفاع نسبة الإنجاز في المشروع إلى 73 في المائة، واكتمال 87 في المائة من إنشاءات جسم السد. علماً بأن مصادر مصرية كانت تجادل بأن إثيوبيا قد لا تستطيع فنياً البدء في ملء الخزان في موعدها المأمول، بسبب عدم جاهزية الجسم الخرساني للقطاع الأوسط من السد حتى الآن، والمفترض أن يُنتهى منه قبل شهرين على الأقل من بدء الملء.