وطاولت عمليات القصف الجوي، أمس الخميس، العديد من القرى والبلدات في ريفي حماة وإدلب، حيث سقط عدد من القتلى والجرحى في بلدتي كفرنبل وكفرسجنة بريف إدلب الجنوبي، إضافة إلى قصف جوي ومدفعي على قرية كفروما وبلدة احسم ومحيط مدينة معرة النعمان، وكذلك بلدة حيش التي سقط فيها قتيل واحد على الأقل.
وقالت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، إنّ طائرات النظام الحربية قصفت أيضاً قرى ترملا، ومعرة حرمة، ومعرة الصين، والدار الكبيرة، بينما ألقت مروحياته براميل متفجرة على قريتي أرينبة والقصابية.
وعلى محاور القتال، شنّت طائرات النظام والطائرات الروسية عشرات الغارات الجوية على بلدة كفرنبودة وأطرافها، التي استعادتها فصائل المعارضة أول من أمس الأربعاء، وكذلك على بلدة الهبيط وأطراف قرية حاس، وهي مناطق جرى استهدافها أيضاً بالبراميل المتفجرة من جانب مروحيات النظام.
في غضون ذلك، تواصلت الاشتباكات بين الجانبين على محاور كفرنبودة وجبل شحشبو وسهل الغاب ضمن الريف الحموي، في محاولة من الفصائل المقاتلة لمواصلة تقدمها، بينما حشدت قوات النظام من أجل وقف هذا التقدّم. وذكرت "القناة المركزية لقاعدة حميميم العسكرية"، أنّ عدداً من عناصر قوات الأسد قتلوا أو أصيبوا جراء هجوم طائرة مسيرة على مطار حماة العسكري، فيما أعلنت وسائل إعلام النظام أنّ محطة الزارة الكهربائية الواقعة بريف حماة الجنوبي، تعرّضت لقصف عبر طائرة مسيرة، ما أدى إلى خروجها من الخدمة لساعات عدة.
وفي أوّل اعتراف من النظام بتراجع قواته في المعارك الأخيرة، نقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عما وصفته بـ"المصدر الميداني"، قوله إنّ قوات الأسد انسحبت من بلدة كفرنبودة إلى محيطها "بعد تعذّر التثبيت داخل أحيائها، من جراء سلسلة من الهجمات المتتالية التي شنها مسلحو جبهة النصرة، يتقدمهم انتحاريون بعربات مفخخة".
وذكرت وكالة "إباء" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام"، أول من أمس الأربعاء، أنّ أكثر من 150 عنصراً من قوات النظام قتلوا أو جرحوا خلال معركة استعادة كفرنبودة، فيما قال "جيش العزة" التابع لـ"الجيش السوري الحر"، إنّ أكثر من 100 عنصر لقوات الأسد قتلوا خلال هذه المعارك، فضلاً عن أسر ضابط ومجموعة من العناصر، وتدمير أربع دبابات وقاعدتي صواريخ مضادّة للدروع.
وإضافة إلى هذه الخسائر التي منيت بها قوات النظام في ريف حماة الشمالي الغربي، تعاني هذه القوات من تعثّر مستمر في ريف اللاذقية الشمالي، حيث تحاول والمليشيات الموالية لها والفيلق الخامس التابع لروسيا، منذ بداية الحملة الحالية، التقدّم في بلدة كبانة المرتفعة بريف اللاذقية الشمالي، بهدف كشف مناطق سهل الغاب بشكل كامل، وجعلها ساقطة نارياً، بالإضافة إلى قطع صلة الوصل بين قرى وبلدات ريف جسر الشغور الغربي، التي تعتبر خط الإمداد العسكري لتلال كبانة، وفي المحصلة الوصول إلى مدينة جسر الشغور التي تعتبر صلة الوصل بين حماة وإدلب واللاذقية.
وعزا قيادي عسكري في المعارضة في حديث مع "العربي الجديد"، أسباب فشل قوات النظام في التقدّم على هذا المحور، إلى التحصين الكبير لقوات المعارضة في تلك التلال، الذي حال دون تأثّرها بعمليات القصف العنيفة لقوات النظام وروسيا، ومكّن الفصائل من إلحاق خسائر كبيرة بقوات الأسد في كل محاولة تقدّم تقوم بها.
ورأى القيادي الذي طلب عدم ذكر اسمه، أنّ "المعركة في الشمال السوري بدأت اليوم تميل إلى التوازن بين الجانبين، خلافاً للأيام الأولى، فبدا أنّ كفة النظام هي الراجحة"، مشيراً إلى "تمكّن الفصائل من استعادة زمام المبادرة، والقيام بهجمات ناجحة أوقفت هجوم النظام، واستعادت بعض ما خسرته من بلدات ومواقع".
وتوقّع القيادي أن تنجح الفصائل في التشبّث بمواقعها، وإجبار النظام وروسيا على إعادة حساباتهما العسكرية والسياسية، معتبراً أنّ ما يجري هو "معركة كسر عظم وكسر إرادات بين الجانبين ومن خلفهما روسيا وتركيا، إذ تبدو كل دولة مصممة على عدم السماح للأخرى بتمرير أجندتها على حسابها". وأضاف أنّ تزويد تركيا لبعض فصائل المعارضة بكميات من مضادّات الدروع، وسماحها بوصول تعزيزات عسكرية من "الجيش الوطني" وفصائل عملية "غصن الزيتون" و"درع الفرات"، "أسهم في كسر المعادلة، ورجح الكفة لصالح المعارضة".
وختم القيادي بالقول، إنّ "الرسالة التي أرادت تركيا إيصالها بالنار، هي أنّ إدلب تختلف عن المناطق السابقة التي استولت عليها قوات النظام وروسيا عبر سياسة الأرض المحروقة، لأن سقوط إدلب يعني ملايين المهجرين ويعني نهاية الثورة السورية، وسقوط الرهان السياسي على إحداث أي تغيير في النظام".
وفي هذا الإطار، أشار مراقبون إلى أنّ تركيا عمدت إلى تعزيز نقاط المراقبة التي أقامتها في المنطقة والبالغة 12 نقطة، على الرغم من محاولات الاستفزاز التي قامت بها قوات النظام من خلال القصف على محيط هذه النقاط بهدف دفع أنقرة إلى سحبها. وقد أكّد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أول من أمس، أنّ بلاده لن تنسحب من نقاط المراقبة التابعة لها، التي أُنشئت في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، تنفيذاً لاتفاق خفض التصعيد.
وفي محاولة لاستنساخ تجارب سابقة في ريف دمشق ودرعا وحلب، للّعب على مخاوف المدنيين، ألقت مروحيات جيش النظام قصاصات ورقية فوق بعض القرى في ريف إدلب، تطلب فيها من الأهالي إخلاءها قبل بدء ما سمتها "معركة تحرير إدلب الكبرى"، معلنةً فتح "معبرين آمنين" للراغبين بالخروج باتجاه مناطق سيطرة قوات النظام.
وعلّق مصدر في المعارضة على هذا الأمر بالقول، إنه "يدخل في إطار الحرب النفسية التي يحاول من خلالها النظام تعويض تراجع أداء قواته في الميدان"، مستبعداً في حديث مع "العربي الجديد"، أن يكون لذلك أي تأثيرات على أرض الواقع، "لأنّ الجميع بات يعرف من هو النظام، وما هي أساليبه".
من جهته، أشار النقيب رشيد حوراني من "حركة تحرير الوطن"، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى "تضعضع حلف النظام"، موضحاً أنّ ذلك "تجلى بعدم مشاركة إيران ومليشياتها في المعارك الحالية، الأمر الذي أفشل التقدّم البري، وأدى إلى نقص العنصر البشري على الأرض، نظراً لاعتماد هذا الحلف على التكتيك العسكري الذي يقوم على معادلة كثافة الغارات الجوية بغية إتاحة الفرصة للمليشيات من أجل التقدّم على أرض محروقة". وتابع أنه "مع غياب المليشيات العقائدية المدعومة من إيران، فإنّ مليشيا ما يسمى الفيلق الخامس، والمكونة في غالبها من عناصر التسويات السابقين، لا تملك إرادة القتال، فضلاً عن ضعف تدريبها العسكري".
ولفت حوراني إلى "ترهّل المؤسسة العسكرية للنظام، على الرغم من محاولات روسيا إعادة تأهيلها، وذلك بسبب الخسائر المادية والبشرية التي منيت بها بعد ثماني سنوات من الحرب"، معتبراً أنّ ذلك "أثار استياء القناة المركزية لقاعدة حميميم الروسية، التي عبّرت عن عدم رضا الروس عن تراجع قوات النظام من نقاط استراتيجية مثل منطقة كفرنبودة غربي حماة".