تايلاند ومصر ... إن الانقلابات تشابهت علينا

27 مايو 2014

من تظاهرة ضد الانقلاب في بانكوك (مايو 2014 أ.ف.ب)

+ الخط -
(1)
هذا المقال عن تايلاند، وليس عن مصر، لكن أي تشابه بين مفرداته وما جرى في مصر مجرد مصادفة، يمكنك أن تفسرها كما تشاء. كان ينبغي أن أذكر هذا، قبل أن أروي قصة أحدث انقلاب عسكري في تايلاند، والتي يعني اسمها، ويا للسخرية، (مملكة الأحرار).
قبل أيام، شهدت تايلاند انقلاباً عسكرياً، قام به قائد الجيش بعد 18 انقلاباً أو محاولة انقلاب، سبق أن شهدتها المملكة خلال 80 عاماً، اثنان منها في 60 عاما. وعلى طريقة حسني البورزان، في مسلسل "صح النوم" الذي يعرفه إخواننا الشوام جيداً: إذا أردت أن تعرف ماذا في مصر عليك أن تعرف ماذا في تايلاند. وبعيداً عن التشابه الشكلي في خطاب قائدي الانقلابين، ومبرراتهما لما قاما به في البلدين، أو حتى في التقاط تايلانديين الصور مع دبابات جيش بلادهم ومدرعاته، وكأنهم كانوا محرومين منها، على الرغم من أن ثمانية أجيال تايلاندية تصورت معها عشرات المرات في الثمانين عاماً الماضية، وهذه، بالمناسبة، عمر أكبر فصيل سياسي مصري، فشل في توقع الانقلاب، أو في قراءة الأحداث، أو حتى الاستفادة من دروس التاريخ، أو بحث مدى التشابه في خطوات وقوع الانقلابات ومؤشراتها في دول العالم، ومنها تايلاند.
كان لا بد من التفكير في علاقة أميركا بالانقلاب، فلا يصح أن يقع انقلاب في أي بلد، من دون أن يكون للولايات المتحدة دور فيه، أو علم مسبق به، ليس لأنها الأكثر تفوقاً، أو سيطرة، لكن، لأن لديها مراكز بحثية من أهل الخبرة والاختصاص، لا أهل الثقة والجهل، تناقش وتحلل وتفكر وتتوقع سيناريوهات تقدمها لصانع القرار الذي يعتمد عليها، بدلا من أن يكتفي بترديد مقولات من قبيل أهل مصر أدرى "بمش عارف إيه".
(2)
يذكر الباحث عبد الله المنصوري، في دراسة نشرها مركز الجزيرة للدراسات، أن الولايات المتحدة عارضت انقلاب 2006، وحثت على ضرورة عودة الحكم إلى المدنيين، وعلقت 29 مليون دولار من المساعدات العسكرية لتايلاند. ويمكن للقارئ المصري، أو حتى التشيلي (نسبة إلى تشيلي التي شهدت انقلاباً مدعوماً أميركياً في 1973) أن يستبدل تاريخ 2006 بتاريخ 2013، فالسيناريو الذي وقع في مملكة الأحرار شابه الذي وقع في مصر، لأن أميركا كتبته، ولأن العسكر واحد في كل مكان، في مصر أو تايلاند مثلاً، والفرق أن اختراع "تسلم الأيادي" ليس في تايلاند.
(3)
"بعد أن انتهت لجنة كتابة الدستور في تايلاند من عملها عام 2007، أصبح من حق رئيس المجلس العسكري تنحية رئيس الوزراء في أي وقت". جملة تروي فصلاً مهماً في سيناريو الانقلاب، ولو تم محو تايلاند من سطورها لتطابقت مع ما حدث ويحدث ويمكن أن يحدث مع أي مدني في مصر التي يناظر موقع الرئيس في نظامها الدستوري رئيس الوزراء في النظام الدستوري التايلاندي، من دون الحاجة حتى إلى نص دستوري مصري مشابه. لكن، من نافل القول إن في تايلاند سياسيين متماهين مع الجيش، وصفوا الدستور الذي يتيح الانقلاب على الديموقراطية بأنه الأفضل، والأكثر تمثيلاً لمصالح التايلانديين. لكن، بصراحة، لم نجد أياً من السياسيين من بورما مثلا يتبرع، ويصف دستور الانقلاب في تايلاند بأنه الأفضل في جنوب شرق آسيا، لمجاملة أصدقائه فيها، أو بناء على تياره الفكري، كما فعل السياسي اللبناني الناصري، كمال شاتيلا، الذي جامل أصحابه من ناصريي مصر ممن أيدوا الانقلاب، في قوله إن "دستور مصر الأفضل في العالم العربي".
(4)
بالعودة إلى موقف أميركا من انقلاب 2006 في تايلاند، يتبين أن الولايات المتحدة كانت تتعاطف معه، على الرغم من انتقادها له، كما قال الباحث المنصوري في بحثه المميز، ما يطابق بشدة ما حدث في مصر، لكن الأكثر إثارة للدهشة ما جاء في الدراسة أن تعاطف أميركا مع الانقلاب في تايلاند يرجع إلى التاريخ الطويل للعلاقات التي تربط جيش تايلاند بالولايات المتحدة، بالإضافة إلى العلاقات العسكرية القوية التي تربطه بها حاليًا. هل تذكرك هذه العبارات بشيء، عزيزي القارئ المصري أو التشيلي. ومعلوم أن تشيلي عوفيت من الانقلابات، بعد أن دخلت عهد الديموقراطية. وغريب أن الإسلاميين أو الرافضين للانقلاب في مصر لم يكن لديهم علم بالعلاقة القوية التي ربطت، وتربط، أميركا، بالجيش المصري منذ "كامب ديفيد"، ليكتشفوها فجأة، كما اكتشفوا فجأة، أيضاً، أن أميركا لا تدعم الديموقراطية التي تأتي بهم، حتى إن خطابهم تجاه أميركا ما زال نفسه في اجترار منظومة الفشل التي أدت بقطاعات واسعة من الشعب المصري لأن يؤمنوا فعلاً بأن أميركا ترفض ما حدث في مصر في 30 يونيو و3 يوليو، وأن عبد الفتاح السيسي أغلق الهاتف في وجه الرئيس الأميركي، باراك أوباما.
(5)
يوضح التشابه السابق في سيناريوهات الانقلابات العسكرية بين دولتين، تبعدان آلاف الكيلومترات عن بعضهما، مدى الحاجة إلى هيئة، أو كيان عالمي إنساني، يجمع ممثلين لكل الشعوب المستهدفة أميركيا بالانقلابات، بما يحفظ مصالحها، ويقوي شوكتها في مواجهة كاتب السيناريو الأكبر في العالم، ما قد تكون له فائدة للشعوب الضعيفة، المحكومة عسكرياً، خصوصاً إذا نظرنا، مثلاً، إلى قيمة قرار الاتحاد الافريقي بتجميد عضوية أي بلد يقع فيه انقلاب عسكري، وتأثير الأمر على الشرعية الدولية التي تتيح الاعتراف بالنظام.
(6)
يبقى القول إن الحرية والديموقراطية هما الحل، وإن تشابهت الانقلابات علينا، فإننا إن شاء الله لمنتصرون.

 

 


 

محمد عزام
محمد عزام
كاتب وصحافي مصري، رئيس قسم التحقيقات في موقع وصحيفة "العربي الجديد"، عمل في وسائل إعلام مصرية وعربية ودولية.