تان كوبسي:ثلث الإنتاج العالمي للغذاء ينتهي إلى حاويات النفايات

22 يونيو 2015
تان كوبسي (العربي الجديد)
+ الخط -
تزداد أزمة الجوع في العالم، في المقابل يرتفع حجم المواد الغذائية المهدورة بسبب السلوكيات الاستهلاكية التبذيرية. ويكشف رئيس قسم التواصل والخدمات الإعلامية في الوكالة العالمية "نيو كليمايت إيكونومي" تان كوبسي لـ "العربي الجديد" عن أرقام صادمة في هذا المجال.

وهذا نص المقابلة:

*هل يمكن في البداية أن توضح لنا أهم النتائج التي توصلتم إليها في دراسة الوكالة العالمية "نيو كليمايت إيكونومي" حول تأثير التغيّر المناخي على الاقتصادات؟

أهم ما توصلنا إليه في الدراسة التي أجريناها أن ثلث الإنتاج العالمي للغذاء ينتهي إلى حاويات النفايات من خلال السلوك غير السليم وغير المنظم للمستهلك. وأن هذه الخسارة الكبيرة تفرض انعكاسات أكثر خطورة على الاقتصاد العالمي الذي يتكبد خسارة سنوية حسب الدراسة التي أجريناها ما قيمته 400 مليار دولار أميركي جراء المواد الغذائية الضائعة التي ترافقها كلفة كبيرة في إنتاجها وكلفة إضافية أخرى للتخلص منها.


*ماذا لو استمر الواقع على ما هو عليه الآن؟ إلى أي حد يمكن أن يرتفع حجم الغذاء المهدور عالمياً؟ وما تأثير ذلك على المجتمعات بشكل عام؟

إذا لم تتكاتف الجهود بين المؤسسات المعنية لمواجهة هذه القضية الهامة سيرتفع الرقم إلى 600 مليار دولار سنوياً في المرحلة المقبلة. ما يزيد الأمر خطورة أن هذا الجانب الضائع من الإنتاجية العالمية للغذاء يساهم بدور بيئي سيئ مع نسبة 7% من الغازات السامة المضرة بالبيئة. أي بمعنى آخر، ما يعادل 3.3 مليارات طن من ثاني أكسيد الكربون الملوث الأول للبيئة، تسببها إنتاجية المواد الغذائية المهدورة التي ضلت الطريق عن معدتنا إلى حاويات النفايات.

*الآن بعد النتائج التي توصلتم إليها في دراستكم، هل من حلول عملية يمكن اقتراحها للتعامل مع هذه القضية الهامة والتوصل إلى نتائج ملموسة؟

في الواقع، تعود الأسباب المباشرة لما يتم هدره من غذاء إلى السلوك الخاطئ للمستهلك، لا سيما في الدول المتطورة اقتصادياً والدول النفطية الغنية حيث يتمتع المستهلك بقدرة شرائية أكبر من البلدان الفقيرة أو النامية. هنا تأتي الحلول الناجعة من خلال القيام بحملات التوعية المنظمة والدورية بالتعاون مع المحال الكبيرة لبيع الأغذية.

اقرأ أيضا: إصرار حكومي بحريني على تعزيز قطاع الزراعة


*هل تعتبر حملات التوعية كافية؟ وهل هناك أي تجارب يمكن الاقتداء بها في هذا الإطار؟


نعم، يمكن أن نقدم مثالاً عن بريطانيا، فقد أطلقنا حملة تحت مسمى "أحب الطعام أكره الهدر" التي أتت بنتائج طيبة للغاية ساعدت الأسر البريطانية للتخفيف من هدر الغذاء بنسبة 21% بين عامي 2007 و2012. أما بالنسبة للدول النامية تأتي الحلول بالإضافة إلى برامج توعية المستهلك، عن طريق تحسين أجهزة التبريد والتحسين الشامل للبنى التحتية لاقتصادات هذه الدول التي ستؤدي بدورها إلى الفعالية الاقتصادية اللازمة.

*يعني هذا أن المهمة في الدول النامية أصعب من الدول المتقدمة؟ فهل تختلف استراتيجياتكم بحسب مجموعة الدول المستهدفة؟

يوجد اختلاف بين الدول النامية والمتقدمة فيما يتعلق بقاعدة التحرك، والمشكلات التي تسبب بفقدان أو هدر الأغذية. هذا يأخذنا إلى خلاصة أساسية أن مواجهة الهدر الغذائي يرتبط بتطبيق معايير اقتصادية متكاملة في الدول النامية تحقق مستوى الإنتاجية الفعّال وترشيد الاستهلاك بِما يتناسب وحاجة المستهلك.

اقرأ أيضا: صادرات التصنيع الغذائي السعودية: 100 مليار دولار

*ولكن عدداً من الدول النامية يعتمد أساساً على الزراعة؟ ألا يشكل ذلك ثغرة يمكن الدخول عبرها لإعادة هيكلة الدورة الإنتاجية مثلاً في سبيل خفض نسبة الغذاء المهدور في هذه الدول؟

لهذا الموضوع أكثر من وجه، إذ تبقى مهمة تحقيق الهدف المنشود في الدول النامية أكثر تعقيداً وصعوبة بالرغم أن الاقتصادات النامية بغالبيتها تعتمد على القطاع الزراعي أكثر من باقي القطاعات، لذلك قد تبدو مهمة توجيه الإنتاجية الغذائية في تلك الدول سهلة المنال ولكن الواقع يشير إلى عكس ذلك تماماً، بسبب ما ذكرناه من مشكلات في البنى الاقتصادية الأساسية.


*ذكرت الدول النفطية الغنية، وسؤالي التالي يخص عدد من الدول العربية التي بالتأكيد يتمتع فيها المستهلك بقدرة شرائية كبيرة بالإضافة إلى التقاليد العربية التي غالباً ما تعكس الإفراط في إنتاج الطعام كرمز من رموز الكرم العربي. برأيك كيف يمكن التعامل مع العادات الاجتماعية في الدول والتي تؤثر تالياً على طريقة التعامل مع الغذاء؟


بالتأكيد نحن لا نتخذ من تغيير التقاليد هدفاً في نشاطنا. فالكرم العربي شيء جميل، ولكن من خلال حملات التوعية التي نقوم بها لتغيير سلوكيات المستهلك بما يخدم الهدف الأساسي للتخفيف من الغذاء المهدور، بدأنا نلمس واقعياً أن بعض العادات بدأت تتغير، لينعكس الكرم من خلال اختيار المواد الغذائية الأغلى ثمناً وبالتالي شراء أقل كمية من المواد الغذائية، ما يخفف من كمية الأغذية غير المستهلكة في العديد من الدول. وهذا بالتأكيد يخدم هدفنا الأساسي لتقليص الغذاء المهدور، ومثل هذا التحول عند المستهلك العربي سيأخذ جهداً أكبر لتغيير عادات حضارية نمطية، أنا لا أراها سيئة بالرغم من أنها تخالف برنامج عملنا... كما ذكرت أنا أحب الكرم العربي.

اقرأ أيضا: إنتاج الغذاء: الورقة الرابحة للصناعة المغربية

*من بين النقاط التي تم ذكرها في التقرير أن أكثر من 800 مليون إنسان يخلدون إلى النوم يومياً وهم جائعون، كيف ترى دور برنامجكم للتخفيف من الغذاء المهدور لإطعام هؤلاء الناس وخفض معدلات الفقر الغذائي؟

سؤال جيد، نحن نتعامل بشكل مباشر مع البرامج التنموية والخطط الصادرة عن البنك الدولي لمحاربة الفقر في العالم ولدينا أيضا تواصل مباشر مع الجمعيات الخيرية لا سيما البريطانية، التي تقوم بدور كبير وفعال لنقل الغذاء الذي كان في طريقه إلى التلف برغم أنه قابل للاستهلاك، ليقدموه إلى الفقراء في بريطانية والمشردين في الشوارع. وهنا أنا أرى إمكانية كبيرة لنقل هذه التجربة الرائدة إلى باقي الدول حول العالم لا سيما في الدول النامية من خلال التعاون المكثف مع المنظمات الخيرية النشطة فيها.

اقرأ أيضا: اليمن أمام تهديدات الموت جوعا

*سؤالي الأخير يرتبط بالتجربة المديدة للبنك الدولي والهدف الأساسي الذي أنطلق من أجله هو محاربة الفقر في العالم، كيف تقيّم هذه التجربة التي تمتد لأكثر من سبعين عاماً وهل ترون دور البنك الدولي وخططه لا سيما في الدول النامية فعالة وإيجابية للنشاط الذي تقومون به؟

نحن نتعامل بشكل مباشر ومنتظم مع البنك الدولي ونتفاعل دائماً في نشاطنا مع الخطط التنموية التي يقوم بها خاصة في الدول النامية. ولكن تبقى المهمة صعبة جداً ومعقدة وقد يكون العمر المديد لتجربة البنك الدولي في محاربة الفقر في العالم أحد أهم الأسباب لزيادة صعوبة المهمة. فالبنك الدولي كما باقي المؤسسات المالية الدولية الأخرى انطلقوا ضمن ظروف عالمية تختلف كثيراُ عن الظروف السائدة خلال الفترة الحالية.

اقرأ أيضا: البؤساء: آلاف الفقراء العرب يعيشون ويأكلون من القمامة
المساهمون