تأييد قوى "إعلان الحرية والتغيير" السودانية لـ"الطوارئ": مبررات ومخاوف

10 أكتوبر 2019
تبرر المعارضة بقدرتها على مواصلة التظاهر (إبراهيم حميد/فرانس برس)
+ الخط -

على نحو غير متوقع، فاجأ تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" الأوساط السياسية في السودان، بإعلانه أول من أمس الثلاثاء تأييده لقرارٍ متوقع صدوره اليوم بتمديد حالة الطوارئ المعلنة في البلاد منذ أكثر من سبعة أشهر. وقال المتحدث باسم التحالف، وجدي صالح، خلال مؤتمر صحافي، رداً على سؤال لـ"العربي الجديد" حول الموقف من اتجاه الحكومة للتمديد، إن "التحالف يساند تجديد العمل بقانون الطوارئ"، مؤكداً أن "البلاد تشهد نوعاً من حالة عدم الاستقرار، ما يفرض الاستمرار في تطبيق حالة الطوارئ بدون إخلال بمبادئ أساسية، منها حقوق الإنسان وسيادة حكم القانون". واتهم التحالف حزب "المؤتمر الوطني العام"، أي حزب الرئيس المعزول عمر البشير، وقوى خارجية أخرى، بـ"السعي لإجهاض الثورة السودانية وإفشال الحكومة الحالية"، مؤكداً أنه "سيتصدى لذلك بكل قوة وحزم".


وكان الرئيس المعزول عمر البشير، ومع تصاعد الاحتجاجات على حكمه، قد لجأ في 22 فبراير/ شباط الماضي إلى فرض حالة الطوارئ لمدة ستة أشهر، وأردفها بجملة من الأوامر، منها سجن المتظاهرين لما يصل إلى ست سنوات، في مقابل أوامر أخرى خاصة باحتواء أزمة الشح في الخبز والنقود والوقود.

وبعد سقوط النظام، لجأ المجلس العسكري الانتقالي إلى تمديد فرض "الطوارئ" لمدة ثلاثة أشهر، تنتهي اليوم الخميس، ومن المتوقع أن يصدر مجلس الوزراء توصيته بالتمديد للمجلس السيادي، توطئة لإصدار مرسوم حولها خلال اليوم.

وتنص الوثيقة الدستورية الموقعة بين المجلس العسكري الانتقالي "المحلول" وقوى "إعلان الحرية والتغيير" في 17 أغسطس/ آب الماضي، على أنه "عند وقوع أي خطر طارئ أو كارثة طبيعية أو أوبئة، تهدد وحدة البلاد أو أي جزء منها أو سلامتها أو اقتصادها، يجوز لمجلس الوزراء أن يطلب من مجلس السيادة إعلان حالة الطوارئ في البلاد أو في أي جزء منها، على أن يعرض إعلان حالة الطوارئ على المجلس التشريعي الانتقالي خلال 15 يوماً من تاريخ إصداره، وإذا لم يكن المجلس التشريعي الانتقالي منعقداً، فيجب عقد دورة طارئة".

وتعليقاً على تأييد تحالف "الحرية والتغيير" لتمديد "الطوارئ"، رأى القيادي فيه، المحامي المعز حضرة، أن التمديد "يأتي في ظروف استثنائية هي التي دفعت التحالف لفكرة التمديد"، مشيراً إلى أن "هناك فرقاً شاسعاً بين الوضع اليوم وبين استخدام النظام السابق للطوارئ التي كان يعلنها لأسباب سياسية، مركزاً في تنفيذها على قمع المعارضين ومنع التظاهرات السلمية ومصادرة الصحف وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية". واستشهد حضرة لذلك بإعلان "الطوارئ" في فبراير/ شباط الماضي، والتي حُكم بسببها عشرات المتظاهرين بالسجن، واعتقل الناشطون لآجال مفتوحة.

وأوضح القيادي في "التحالف"، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهدف من التمديد الحالي في ظلّ الحكومة المدنية "التأسيس للانتقال الديمقراطي في البلاد، خاصة في ظلّ وجود قوانين مقيدة للحريات العامة، سنّها النظام السابق مع عدم اكتمال بناء عدد من المؤسسات وعدم تعيين رئيس للقضاء ونائب عام، وكذلك وجود جهات تتربص بالفترة الانتقالية، فضلاً عن وجود معتقلين من رموز النظام القديم لم تكتمل الإجراءات القانونية في حقّهم، ولا يمكن إبقاؤهم رهن الاعتقال إلا عبر قانون الطوارئ".

وأكد حضرة أن فرض حالة الطوارئ "لن يكون له أي تأثير على الحريات العامة ولا على المحاكمات العادلة حتى بالنسبة للرئيس المخلوع عمر البشير"، الذي يحاكم بحسب رأيه بـ"عدالة كاملة حيث يمنح كافة حقوقه القانونية". كذلك لفت إلى أن "التظاهرات السلمية ضد الحكومة الحالية مسموحة، وهي تنظم بصورة دورية، حتى إن أنصار البشير يساندونه معنوياً بالتجمع أمام مقر المحكمة التي تنظر قضيته".

وأكد حضرة أنه سيتم إنهاء العمل بحالة الطوارئ "بمجرد اكتمال تأسيس البناء الديمقراطي وإلغاء أو تعديل القوانين التي شرعها النظام السابق، واكتمال حلقات تحقيق السلام خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الحكومة المدنية".

إلى ذلك، قال القيادي بالحزب الشيوعي السوداني (أحد مكونات "الحرية والتغيير")، صديق يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن التحالف لم يتخذ قراراً نهائياً بتأييد تمديد حالة الطوارئ (عقد اجتماع مساء أمس بهذا الخصوص)، من دون أن يستبعد، بحسب "تقديره الشخصي"، أن يتم التمديد لأيام قليلة، يتم خلالها تحريك إجراءات قانونية ضد رموز النظام السابق المتحفظ عليهم حالياً، لأن رفع الطوارئ بدون ذلك سيمنح هؤلاء فرصة الخروج من المعتقلات، وربما الهروب خارج السودان، بالتالي الإفلات من العقاب". وأشار إلى أنه "بعد تحريك البلاغات سيصبح مصيرهم مرتبطاً بالإجراءات القانونية الطبيعية".

من جهته، اعتبر الكاتب والصحافي السوداني حسين ملاسي، أن تأييد "الحرية والتغيير" لفرض حالة الطوارئ التي كانت تعارضها طوال عهد البشير "يكشف القناع عن حقيقة التحالف الذي يقوم بأمور معاكسة تماماً لمبادئه وشعاراته التي ظلّ يرفعها طوال الأشهر الماضية". وبرأيه، فإن التحالف "يريد فقط من التمديد تصفية حساباته مع رموز النظام القديم، بعدما عجز عن ذلك عبر الإجراءات القانونية الطبيعية".

وأوضح ملاسي في حديث لـ"العربي الجديد" أن حالة الطوارئ "تفرض فعلاً في حالات وجود خطر حقيقي يهدد البلاد أو المجتمع، وهو شرط لم يتحقق بعد، ما ينفي كل المبررات التي ساقتها الحرية والتغيير"، مشيراً إلى أن "للطوارئ تأثيراً سالباً وواضحاً على الحريات العامة، لأنها تمنح السلطات حقّ الاعتقال التحفظي والمصادرة وغيرهما من الممارسات".

بدوره، أوضح القيادي في حركة "العدل والمساواة"، عبد العزيز نور عشر، أن "فرض الطوارئ يعلن إذا ما ترافق مع ظروف تقع في خانة الضرورة القصوى، ولأجل محدود جداً"، معتبراً أنه "لا يمكن تسميم أجواء الحرية الحالية ومكاسب الثورة السودانية بإصدار قوانين استثنائية".

وأعرب عشر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، عن دهشته من المبررات التي تربط بين استمرار احتجاز رموز النظام السابق وتمديد الطوارئ، معتبراً أن هؤلاء ألقي القبض عليهم قبل أكثر من ستة أشهر، وهي فترة كانت كافية لتقديمهم للمحاكمة، وكان الأجدر في حال عدم ثبوت ارتكاب أي منهم لجريمة أو جرائم، إطلاق سراحهم، واصفاً مبرر التمديد بـ"عذر أقبح من ذنب".

وأكد عشر، الذي تقاتل حركته في إقليم دارفور، أن لفرض الطوارئ في مناطق الحروب والنزاعات، تأثيراً سلبياً مضاعفاً، إذ ينعكس على الحريات وعلى حركة المواطنين ويجرى استغلاله لاعتقال الأبرياء، وإصدار عقوبات في حق المخالفين لأوامر السلطة، متخوفاً مما لذلك من تأثير على الإقليم.

من جهته، أصدر حزب "المؤتمر" المعارض بياناً، أمس الأربعاء، رأى فيه أن التمديد لقانون الطوارئ "يتناقض مع مبادئ الثورة ويدعو من جديد للأوضاع الاستثنائية التي تقيد الحريات والحقوق الأساسية الفردية والجماعية، وتضرب حرية الصحافة وحرية التظاهر والتجمع في مقتل بما تنص عليه من سلطات لأجهزة الأمن تتجاوز بها القانون". وأضاف البيان أن تلك الدعوة "تعد سعياً ديكتاتورياً جديداً، وذريعة للتضييق على حرية التعبير التي انتظمت البلاد، وتقدم سلطان السلطة على قيم الحرية، وحجة لحرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية التي تفجرت من أجلها ثورتهم".

وأبدى الحزب السوداني أسفه لأن الدعوة للتمديد "تأتي فيما شهداء فضّ الاعتصام لم يواروا الثرى بعد، ولم تحدد حتى الآن الجهة المسؤولة عن قتلهم عمداً ورميهم في النيل، ولا يزال الشعب يسمع قصصاً وروايات مأساوية من الجهات الموثوقة عن القتل والتعذيب وإخفاء الجثث ومحاولات طمس الحقائق". واعتبر أن تمديد الطوارئ "يعني أن تقدم الحكومة، ومن خلفها قوى الحرية والتغيير، إيذاناً جديداً بمزيد من سفك الدماء لأبناء الشعب، بل وتحرض على ذلك بتبريراتها الشائنة بتوالي أزمات المعيشة وخلافها".

وطالب الحزب بـ"رفع حالة الطوارئ، وتمكين الأجهزة الشرطية والأمنية من أداء مهامها وفق القانون ولا شيء سواه التزاماً بالعدالة، ونشر الحقائق كاملة عن مجزرة فضّ الاعتصام، وتمليك المعلومات للمواطنين عن سائر الأزمات والقضايا تعزيزاً لمبدأ الشفافية والنزاهة، ووقف محاولات الإقصاء وتجاوز القانون بالتسلط على مؤسسات الدولة وفرض أجندة وأفراد للتحكم في مسيرتها وتوجيهها، والالتزام بمقتضيات القانون وضوابط الخدمة المدنية.