تأشيرات السوريين إلى لبنان: الموت من الحرب أو الجوع

09 يناير 2015
النازحون يعتبرون القرار عملاً عنصرياً جديداً ضدّهم (راتب الصفدي/الأناضول)
+ الخط -
تحوّل عدد كبير من اللاجئين السوريين في لبنان، بصورة مفاجئة، الى مقيمين غير شرعيين، بسبب نظام التأشيرات الذي فرضته الحكومة اللبنانية، مشترطة بقائهم في البلاد إيجاد كفيل يتحمّل مسؤوليتهم، فيما صنّفت آخرين ضمن خانات معينة، منها السياح، المرضى، الطلاب وغيرهم.

وبعدما كانت عملية التنقل بين لبنان وسورية تتم من خلال إبراز الهوية الشخصية فقط، دون الحاجة الى أي مستندات أخرى، بات على السوري إبراز جواز سفره والحصول على تأشيرة لاجتياز الحدود اللبنانية. خطوة وصفت بـ"العنصرية" بالنسبة لعدد كبير من السوريين العاملين الذين لجأوا الى القرى اللبنانية للاحتماء بها من براميل النظام السوري القاتلة وسلاح الميليشيات، كما أعربوا عن حزنهم للتضييق الأمني على وجودهم في بلاد اللجوء مستنكرين الأعمال.

يرفض اللاجئ السوري علي التزام الصمت، فقرر التحرك بشكل نظامي وقانوني لمواجهة هذه "الممارسات اللاإنسانية". بدأ بنشر رسالة الكترونية على تطبيق "واتساب" لرفاقه السوريين العاملين في لبنان قائلاً: "عندك عيلة (عائلة) وأهل عايشين من ورا(ء) شغلك (عملك)؟ عندك كرامة تحبها وتخاف عليها؟ اذاً تضامن معنا واضرب 3 أيام لنُري اللبناني مدى حاجته للعامل السوري". ويضيف: "البلاط سوري، الدهان، الكهربجي (الكهربائي)، الحفار، الفران، العامل، الطباخ، الناطور، كلهم سوريون". ويتابع بسخرية: "لو توجهتم الى القمر ستجد السوري يعمل على توليد الانارة. السوري ليس إرهابي ولا متطرف، هو نازح أمين وشريف يتحمّل كل المشقات ويرضى بالقليل القليل شاكراً الله على نعمه، لذلك لا بد من وقف الاجراءات التعسفية بحق أهلنا".


أما محمد، الشاب السوري النازح من منطقة القصير، فلم يكن يتوقع أبداً أن يصبح الدخول الى لبنان صعباً الى درجة التفكير باللجوء الى بلاد أخرى يحصل فيها النازح السوري على القليل من الراحة والحرية. يقول لـ"العربي الجديد": "أعمل كناطور ولا أتقاضى أكثر من 250 ألف ليرة شهرياً (ما يعادل حوالي 167 دولاراً أميركياً)، وأسكن مع عائلتي المكونة من 6 أفراد، في غرفة صغيرة لها شباك صغير وباب بلاستيكي لا أغلقه إلا آخر النهار من أجل استنشاق الهواء". يسأل بغضب: "هل هذه عيشة كريمة؟ يريدون طردنا بشكل لائق ويفعلون المستحيل لتحقيق هدفهم. لماذا لا يعملون على تحسين وضعنا بدلاً من تدميرنا".

جابر، دخل الى لبنان بصفة نازح، وبدأ العمل كمصفف شعر نسائي في بيروت. يقول إنه كان يعتبر لبنان وسورية بلداً واحداً. ويضيف أن قرار إصدار تأشيرة لدخول السوريين كان بمثابة الصدمة له. ويتابع: "أنا عامل ولا كفيل لي. مَن يرغب بتحمّل مسؤولية نازح سوري في لبنان؟ إذا القريب تخلى عني فكيف الغريب؟"، ويشير إلى أنه في "إحدى المرات قال لي أحدهم ألا تتوقع أن يضع اللبناني ثقته بأشخاص ينهشون بلده ويسرقون ويمارسون أعمالاً إرهابية ضدّ جيش بلاده، وأن يقفوا الى جانب أشخاص قتلوا بعضهم البعض في بلادهم. فأجبته: هل المدني الذي حمل سلاحه لنيل حريته من ظلم رئيسه ونظامه الاستخباراتي القاهر هو خطأ؟ يتحدثون وكأن لبنان أو الدول الأخرى لم تشهد حروباً داخلية".


في المقابل، لا تأسف رقيّة على شيء. فهي تستعد مع أطفالها الى مغادرة لبنان متوجهة الى تركيا للعيش هناك بعدما افتتح زوجها متجراً صغيراً لبيع الأحذية القديمة في سوق شعبي، واستأجر شقة صغيرة بسعر جيد، بحسب كلام الزوجة. تكتفي بالقول: "كان زوجي يجمع نفايات الأبنية مساءً مقابل أجر شهري بسيط، كما عمل عتالاً في ورشة للأبنية نهاراً. تركنا لكم الجمل بما حمل. لسنا بحاجة الى الشفقة بعد اليوم".

عند نقطة المصنع الحدودية في منطقة البقاع، تُمنع أعداد كبيرة من السوريين من دخول لبنان يومياً. يحاول سامي الحصول على مساعدة من أحد النافذين لإدخال والديه وشقيقه الى لبنان، غير أنّ قرار وزارة الداخلية، الذي صدر منذ أشهر، ويقضي بمنع  دخول المزيد من النازحين السوريين الى لبنان، منعهم من التوجه الى منطقة عكار. يقول: "خياراتنا محدودة، إما أن نبقى في القرى السورية، حيث المعارك الدامية خوفاً من تشرد العائلة، أو نموت من الجوع أو الحرب. يجب على المجتمع الدولي التحرك لوقف انتهاك حقوقنا الأساسية بالعيش بكرامة والحياة والعمل وحرية التنقل".

وكانت المديرية العامة للأمن العام قد أعلنت عن "وضع معايير جديدة تنظم دخول السوريين الى لبنان والاقامة فيه"، وتقوم على فرض تأشيرة دخول وإقامة، وقد دخلت هذه المعايير حيّز التنفيذ بدءاً من يوم الاثنين الماضي.
ونصت المعايير الجديدة على حصر دخول السوريين بهذه الاسباب إلا "في حال وجود مواطن لبناني يضمن ويكفل دخوله، إقامته، سكنه ونشاطه، وذلك بموجب تعهّد بالمسؤولية".
ومنذ بدء الأزمة السورية، في مارس/ آذار 2011، نزح الى لبنان أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ مسجل، وفق المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، فيما يقدّر عدد سكان لبنان بنحو أربعة ملايين نسمة.
المساهمون