لخّصت الأرقام التي توقّعتها الحكومة الجزائرية، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، امتداد الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) للسنوات الثلاث المقبلة. حيث تشير التوقعات الرسمية، إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي الجزائري، متعدياً الخطوط الحمراء مستقبلاً، رغم انتعاش عائدات الجزائر من النفط.
وتوقعت الحكومة الجزائرية في إعداد موازنة 2019، أن يواصل احتياطي البلاد من العملة الصعبة سقوطه الحر والسريع، في السنوات الثلاث المقبلة.
ووفق حسابات حكومة أحمد أويحيى، وصل احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي في النصف الأول من 2018 إلى حوالي 88.61 مليار دولار، وسيفقد 26.61 مليار دولار سنة 2019 ليصل إلى 62 مليار دولار، وسينزف 14.2 مليار دولار سنة 2020 لينخفض إلى 47.8 مليار دولار، ثم يفقد الاحتياطي النقدي 14 مليار دولار إضافية سنة 2021 ليصل إلى 33.8 مليار دولار. وفي المجموع، سيخسر الاحتياطي النقدي الأجنبي في الجزائر ما يقارب 54.8 مليار دولار في ثلاث سنوات.
تأثيرات أسعار النفط
وكانت احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي عند مستوى 97.33 مليار دولار، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، وفق بيانات البنك المركزي الجزائري. وبدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من عام 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك 8 سنوات متتالية من الارتفاع، حيث تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013.
اقــرأ أيضاً
ويقول الخبير المالي الجزائري فرحات علي، "إن الاحتياطي كان يتآكل بما يساوي 2.5 مليار دولار شهرياً، أي 30 مليار دولار سنوياً، وذلك بعدما كان سعر برميل النفط تحت 50 دولاراً"، مضيفاً أن "هذا يعني أن احتياطي النقد سيصل إلى 79 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، بعد أن قالت الحكومة نصف الحقيقة، وهي أنه كان يقدر بـ 90 مليار دولار خلال إعداد موازنة السنة الحالية".
ويتوقع الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصل العملة الجزائرية إلى أكثر من 300 دينار مقابل الدولار الواحد بنهاية 2019، إذا تواصل تآكل الاحتياطي بهذه الوتيرة، في ظل استمرار ترنح أسعار النفط.
وتتزامن توقعات الحكومة بتهاوي احتياطي البلاد من العملة الصعبة، مع انتعاش مداخيل الجزائر النفطية نسبياً بفعل ارتفاع أسعار البترول في الأشهر الأخيرة، وسط توقعات باستمرار هذا المنحى التصاعدي مستقبلاً، ما يرسم علامات استفهام كثيرة حول توقعات الحكومة.
الالتزام باتفاقية "أوبك"
ومنذ عام تقريباً، تشهد أسعار النفط صعودًا ملحوظاً، وذلك بواقع أكثر من 20 دولاراً، وهو بالتالي ما كان من المنتظر أن تظهر نتائجه على الاحتياطي النقدي للجزائر، خاصة أن الكثير من التقارير تحدثت عن أن الجزائر تحتاج إلى نحو 70 دولارًا لبرميل النفط باعتباره سعرًا مرجعيًّا، لكي تحقق التوازن في الموازنة، وهو السعر الذي حققه السوق في إبريل/نيسان الماضي واستكمل تصاعده حتى اليوم.
وفي السياق، يجيب الخبير في شؤون الطاقة والمدير العام الأسبق لشركة "سوناطراك" النفطية، عبد المجيد عطار، قائلاً إن "العائدات النفطية للجزائر لن تستطيع أن تتماشى مع وتيرة الإنفاق التي اتبعتها الحكومة الجزائرية في السنوات الماضية.
اقــرأ أيضاً
ويشرح أن السبب الأول يعود إلى أن الجزائر، طوال الفترة الماضية، كانت ملتزمة بالحد من إنتاج النفط، وذلك التزامًا باتفاق "أوبك" لخفض الإنتاج، وهو الأمر الذي خفض صادرات البلاد، ومنعها من الاستفادة من زيادة الأسعار.
ويلفت إلى أنه، بحسب ما كشفت أرقام بنك الجزائر، سجّلت صادرات الطاقة الجزائرية تراجعًا بنسبة 2.88% خلال 2017 مقارنة بعام 2016، إذ إن الجزائر ملتزمة بتخفيض حصتها الإنتاجية من النفط في إطار اتفاقية "أوبك" بنحو 50 ألف برميل يومياً.
أما السبب الثاني، حسب تصريح عطار لـ "العربي الجديد"، هو أن "الجزائر تحتاج إلى استيراد 3.5 ملايين طن سنوياً من الوقود المكرّر. ففي 2016 احتاجت الجزائر نحو 800 مليون دولار لتلبية الطلب المحلي على الوقود، إلا أنّه في 2017 ارتفعت هذه الفاتورة لأكثر من ثلاثة أمثالها مسجلة 2.5 مليار دولار، وذلك بسبب مشاكل التكرير في البلاد، وهو ما حدّ كثيرًا من استفادة البلاد من زيادة سعر النفط".
انعكاس الدين المحلي
وليست هذه الأسباب وحدها هي التي منعت احتياطي الجزائر من العملة الصعبة من الاستفادة من عائدات النفط، بل تضاف أسباب أخرى أثرت في وتيرة "تبخّر" احتياطات البلاد التي كانت عند 194 مليار دولار سنة 2014.
ويشرح وزير المالية الأسبق، عبد الرحمان بن خالفة، أن "الدين الداخلي المتراكم في السنوات الأخيرة سيمتص أي زيادات قد تسجلها عائدات النفط. فالحكومة تسجل عجزاً في الموازنة يقدر بـ 18 مليار دولار سنوياً، يضاف إليه عجز الخزينة العمومية بقرابة 30 مليار سنوياً، وهي نفس الأرقام التي توقعتها الحكومة في السنوات المقبلة.
وبالتالي هناك أكثر من 45 مليار دولار ديناً محلياً، يجب أن تتم تغطية نصفه على الأقل من احتياطي النقد الأجنبي".
اقــرأ أيضاً
ويتابع الوزير الجزائري الأسبق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة ستكون مضطرة إلى مواجهة إشكالية أخرى تضاف إلى الدين الداخلي المتراكم، ويتعلق الأمر بالتزاماتها الخارجية لتغطية الإيرادات. وهنا لا ترى الحكومة أي بديل آخر غير استنزاف احتياطي الصرف لتغطية طلبات الجزائريين، وهي استراتيجية قد تكون بمثابة سياسة الهروب إلى الأمام وتنذر بتآكل متسارع لاحتياطيات النقد الأجنبي".
ويضيف بن خالفة "تدهور ميزان المدفوعات سيكون له أثر سلبي على احتياطي النقد الذي سيتراجع بشكل مستمر في السنوات المقبلة.
فالميزان التجاري الجزائري ينتظر أن يسجل عجزاً يقارب 16 مليار دولار نهاية السنة الحالية، وقد يتراجع قليلا في السنوات المقبلة إذا تواصل ارتفاع أسعار النفط، إلا أنه يبقى فوق عتبة 15 مليار دولار، لأن الواردات تبقى فوق 45 مليار دولار سنوياً، في حين يستحيل أن تتخطى عائدات النفط 30 مليار دولار، نظراً لالتزامات الجزائر الدولية في الأسواق النفطية وارتفاع الطلب الداخلي".
وتخوض الجزائر، منذ سنوات، معركة لكبح فاتورة الواردات وتقليص نزيف النقد الأجنبي، من خلال فرض قيود على السلع المستوردة. حيث أخضعت الحكومة الواردات إلى التراخيص المسبقة من السلطات، أعقبتها قائمة بـ 877 منتجاً ممنوعاَ من دخول البلاد.
ووفق حسابات حكومة أحمد أويحيى، وصل احتياطي الجزائر من النقد الأجنبي في النصف الأول من 2018 إلى حوالي 88.61 مليار دولار، وسيفقد 26.61 مليار دولار سنة 2019 ليصل إلى 62 مليار دولار، وسينزف 14.2 مليار دولار سنة 2020 لينخفض إلى 47.8 مليار دولار، ثم يفقد الاحتياطي النقدي 14 مليار دولار إضافية سنة 2021 ليصل إلى 33.8 مليار دولار. وفي المجموع، سيخسر الاحتياطي النقدي الأجنبي في الجزائر ما يقارب 54.8 مليار دولار في ثلاث سنوات.
تأثيرات أسعار النفط
وكانت احتياطات الجزائر من النقد الأجنبي عند مستوى 97.33 مليار دولار، نهاية ديسمبر/كانون الأول 2017، وفق بيانات البنك المركزي الجزائري. وبدأت احتياطات الجزائر بالتراجع منذ النصف الثاني من عام 2014، متأثرة بانخفاض أسعار النفط في السوق الدولية، لتنهي بذلك 8 سنوات متتالية من الارتفاع، حيث تخطت الاحتياطات 194 مليار دولار في نهاية 2013.
ويقول الخبير المالي الجزائري فرحات علي، "إن الاحتياطي كان يتآكل بما يساوي 2.5 مليار دولار شهرياً، أي 30 مليار دولار سنوياً، وذلك بعدما كان سعر برميل النفط تحت 50 دولاراً"، مضيفاً أن "هذا يعني أن احتياطي النقد سيصل إلى 79 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، بعد أن قالت الحكومة نصف الحقيقة، وهي أنه كان يقدر بـ 90 مليار دولار خلال إعداد موازنة السنة الحالية".
ويتوقع الخبير الجزائري، في حديث مع "العربي الجديد"، أن تصل العملة الجزائرية إلى أكثر من 300 دينار مقابل الدولار الواحد بنهاية 2019، إذا تواصل تآكل الاحتياطي بهذه الوتيرة، في ظل استمرار ترنح أسعار النفط.
وتتزامن توقعات الحكومة بتهاوي احتياطي البلاد من العملة الصعبة، مع انتعاش مداخيل الجزائر النفطية نسبياً بفعل ارتفاع أسعار البترول في الأشهر الأخيرة، وسط توقعات باستمرار هذا المنحى التصاعدي مستقبلاً، ما يرسم علامات استفهام كثيرة حول توقعات الحكومة.
الالتزام باتفاقية "أوبك"
ومنذ عام تقريباً، تشهد أسعار النفط صعودًا ملحوظاً، وذلك بواقع أكثر من 20 دولاراً، وهو بالتالي ما كان من المنتظر أن تظهر نتائجه على الاحتياطي النقدي للجزائر، خاصة أن الكثير من التقارير تحدثت عن أن الجزائر تحتاج إلى نحو 70 دولارًا لبرميل النفط باعتباره سعرًا مرجعيًّا، لكي تحقق التوازن في الموازنة، وهو السعر الذي حققه السوق في إبريل/نيسان الماضي واستكمل تصاعده حتى اليوم.
وفي السياق، يجيب الخبير في شؤون الطاقة والمدير العام الأسبق لشركة "سوناطراك" النفطية، عبد المجيد عطار، قائلاً إن "العائدات النفطية للجزائر لن تستطيع أن تتماشى مع وتيرة الإنفاق التي اتبعتها الحكومة الجزائرية في السنوات الماضية.
ويلفت إلى أنه، بحسب ما كشفت أرقام بنك الجزائر، سجّلت صادرات الطاقة الجزائرية تراجعًا بنسبة 2.88% خلال 2017 مقارنة بعام 2016، إذ إن الجزائر ملتزمة بتخفيض حصتها الإنتاجية من النفط في إطار اتفاقية "أوبك" بنحو 50 ألف برميل يومياً.
أما السبب الثاني، حسب تصريح عطار لـ "العربي الجديد"، هو أن "الجزائر تحتاج إلى استيراد 3.5 ملايين طن سنوياً من الوقود المكرّر. ففي 2016 احتاجت الجزائر نحو 800 مليون دولار لتلبية الطلب المحلي على الوقود، إلا أنّه في 2017 ارتفعت هذه الفاتورة لأكثر من ثلاثة أمثالها مسجلة 2.5 مليار دولار، وذلك بسبب مشاكل التكرير في البلاد، وهو ما حدّ كثيرًا من استفادة البلاد من زيادة سعر النفط".
انعكاس الدين المحلي
وليست هذه الأسباب وحدها هي التي منعت احتياطي الجزائر من العملة الصعبة من الاستفادة من عائدات النفط، بل تضاف أسباب أخرى أثرت في وتيرة "تبخّر" احتياطات البلاد التي كانت عند 194 مليار دولار سنة 2014.
ويشرح وزير المالية الأسبق، عبد الرحمان بن خالفة، أن "الدين الداخلي المتراكم في السنوات الأخيرة سيمتص أي زيادات قد تسجلها عائدات النفط. فالحكومة تسجل عجزاً في الموازنة يقدر بـ 18 مليار دولار سنوياً، يضاف إليه عجز الخزينة العمومية بقرابة 30 مليار سنوياً، وهي نفس الأرقام التي توقعتها الحكومة في السنوات المقبلة.
وبالتالي هناك أكثر من 45 مليار دولار ديناً محلياً، يجب أن تتم تغطية نصفه على الأقل من احتياطي النقد الأجنبي".
ويتابع الوزير الجزائري الأسبق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الحكومة ستكون مضطرة إلى مواجهة إشكالية أخرى تضاف إلى الدين الداخلي المتراكم، ويتعلق الأمر بالتزاماتها الخارجية لتغطية الإيرادات. وهنا لا ترى الحكومة أي بديل آخر غير استنزاف احتياطي الصرف لتغطية طلبات الجزائريين، وهي استراتيجية قد تكون بمثابة سياسة الهروب إلى الأمام وتنذر بتآكل متسارع لاحتياطيات النقد الأجنبي".
ويضيف بن خالفة "تدهور ميزان المدفوعات سيكون له أثر سلبي على احتياطي النقد الذي سيتراجع بشكل مستمر في السنوات المقبلة.
فالميزان التجاري الجزائري ينتظر أن يسجل عجزاً يقارب 16 مليار دولار نهاية السنة الحالية، وقد يتراجع قليلا في السنوات المقبلة إذا تواصل ارتفاع أسعار النفط، إلا أنه يبقى فوق عتبة 15 مليار دولار، لأن الواردات تبقى فوق 45 مليار دولار سنوياً، في حين يستحيل أن تتخطى عائدات النفط 30 مليار دولار، نظراً لالتزامات الجزائر الدولية في الأسواق النفطية وارتفاع الطلب الداخلي".
وتخوض الجزائر، منذ سنوات، معركة لكبح فاتورة الواردات وتقليص نزيف النقد الأجنبي، من خلال فرض قيود على السلع المستوردة. حيث أخضعت الحكومة الواردات إلى التراخيص المسبقة من السلطات، أعقبتها قائمة بـ 877 منتجاً ممنوعاَ من دخول البلاد.