تآكل احتياطي النقد يُجبر الجزائر على إجراءات صعبة

19 ابريل 2017
الحكومة تحاصر البضائع المستوردة لتوفير الدولار (فاروق باتيتشي/فرانس برس)
+ الخط -
لخّصت الأرقام التي كشف عنها بنك الجزائر المركزي نهاية الأسبوع الماضي، المتعلقة باحتياطي البلاد من النقد الأجنبي، الوضعية الحرجة لاقتصاد الدولة العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، بفعل تواصل تبعات الصدمة النفطية المتواصلة إلى الآن.
وتشير البيانات الرسمية، إلى سرعة تآكل احتياطي العملة الصعبة لدى البنك المركزي، وهي ظاهرة من الجلي أنها مستمرة، وسط توقعات بلوغ العجز في الميزانية العامة 30 مليار دولار، وأكثر من 15 مليار دولار عجزاً في الميزان التجاري.
وقال محافظ بنك الجزائر المركزي محمد لوكال، قبل أيام، إن احتياطات البلاد من النقد الأجنبي هوت من 144.13 مليار دولار نهاية 2015 إلى 114.14 نهاية 2016، ليفقد حوالي 30 مليار دولار خلال عام واحد، فيما كشف رئيس الوزراء عبد المالك سلال، مطلع مارس/آذار الماضي أن احتياطي البلاد بلغ 112 مليار دولار بنهاية الربع الأول من السنة الحالية.
وأضاف سلال أن الحكومة تتوقع نزول احتياطات البلاد إلى 96 مليار دولار بحلول يوليو/تموز المقبل.
في المقابل، تشير تقديرات الحكومة في قانون المالية للعام الجاري 2017، إلى بلوغ احتياطي النقد الأجنبي عند 113.3 مليار دولار نهاية السنة الحالية و107.6 مليارات دولار السنة القادمة، ما يدل على أن تآكل احتياطي البلاد الذي يعد أحد الضمانات الرئيسة للتجارة الخارجية، أصبح يسير بوتيرة أسرع حتى من توقعات الحكومة.
ويتخوف المتتبعون للاقتصاد الجزائري من وصول الهزات الارتدادية التي سيُخلفها انهيار احتياطي الصرف على الاقتصاد في المدى القريب والمتوسط، في ظل الضغط الكبير الذي خلفته أزمة انهيار أسعار النفط.

وقال وزير المالية السابق عبدالرحمن بن خالفة، لـ "العربي الجديد"، إن تراجع احتياطي البلاد من العملة الصعبة تحت عتبة 100 أو 90 مليار دولار بات أمراً قريباً ولا يجب استبعاده، وهو التراجع الذي يؤثر مباشرة على الاقتصاد على مستويات متفاوتة، منها تضرر التجارة الخارجية التي اضطرت الجزائر لمراجعتها بهدف تقليص فاتورة الواردات.
ويتوقع بن خالفة، أن تتأثر سوق الصرف عاجلاً أيضاً، بسبب نقص السيولة من العملة الأجنبية من جهة جراء شد الحكومة للحزام، فضلاً عن أن نقص الاحتياطي سيؤثر على قيمة العملة الوطنية الدينار التي ستخسر مزيداً من بريقها، ما يؤدي إلى ارتفاع وتيرة التضخم في البلاد الذي ارتفع من 4% حسب توقعات الحكومة إلى 8% مؤخراً، وقد يتجاوز 10%، وفق رأيه.
وأمام هذه المعطيات تجد الحكومة نفسها بين مطرقة ترشيد إنفاق احتياطي العملة الصعبة وسندان تلبية احتياجات السكان، ما يعجّل حسب كثير من الخبراء، بانهيار شبه كامل لاحتياطي النقد الأجنبي الذي ظلت الحكومة تتفاخر به لسنوات عندما وصل إلى 200 مليار دولار.
ويقول الخبير المالي فرحات علي، إن الاحتياطي يتآكل بما يساوي 2.5 مليار دولار شهرياً، أي 30 مليار دولار سنوياً، مضيفاً أن "هذا يعني أن احتياطي الصرف سيصل إلى 84 مليار دولار عند نهاية السنة الحالية، بعد أن قالت الحكومة نصف الحقيقة وهي 94 مليار دولار مطلع يوليو /تموز القادم".
ويتوقع الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن تصل العملة الجزائرية إلى أكثر من 300 دينار مقابل الدولار الواحد بنهاية 2019، إذا تواصل تآكل الاحتياطي بهذه الوتيرة في ظل استمرار ترنح أسعار النفط.
وفي محاولة منها لاستباق الأحداث، ولاستغلال هامش التحرك المتاح لها حالياً، وضعت الحكومة "ورقة طريق" تجعلها تتحكم نسبياً في احتياطي البلاد من العملة الصعبة، من خلال فرض قيود صارمة على عمليات الاستيراد التي أصبحت في قبضتها.
إلا أن هذه الحلول تبقى في نظر عبد الرحمن مبتول الخبير المالي والمستشار الاقتصادي المستقل لدى الحكومة الجزائرية، غير كافية.
ويرى مبتول، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن "هذه الحلول ليست في يد الحكومة فهي لا يمكنها كبح الواردات لأننا لا ننتج شيئاً، ونستورد ما نأكله ولا نصنعه، ولا يمكننا إغراء الأجانب بدخول البلاد والاستثمار فيها في وقت يتزايد الغموض السياسي والاقتصادي".
ولا يستبعد مبتول عودة الجزائر إلى الاستدانة الخارجية مجدداً لأن هم الحكومة اليوم هو إيصال البلاد إلى 2019 (سنة نهاية عهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة) مهما كان الثمن، إلا أن الإشكال سيطرح حسب الخبير الجزائري "في الضمانات التي ستقدمها الجزائر في ظل تهاوي احتياطها من العملة الصعبة وتهاوي قيمة حقول النفط التي كانت الضامن لتسديد القروض سابقاً".
المساهمون