بيوت البيّارات التاريخية في يافا بين الهدم والترميم (صور)

02 نوفمبر 2016
أحد بيوت يافا القديمة التي استملكها اليهود (العربي الجديد)
+ الخط -



"الأمر الجيّد في يافا ليس البلدة نفسها، بل الحدائق التي تحيطها في نصف دائرة يصل طولها إلى ستة كيلومترات. أعتقد أنه لا يوجد في العالم حدائق كثيرة وفاخرة كهذه: غابات من أشجار البرتقال والمشمش والخوخ واللوز. مئات ألوف حبّات البرتقال من يافا تستورد إلى بلادنا. في شهر فبراير/ شباط أشجار البرتقال تزهر، وحين نصل يافا في السفينة نستنشق عطر زهر البرتقال الرائع من مسافة كيلومترين". بهذه الكلمات وصف الحاج الروسيّ سيرغي خوطوروفو يافا التي زارها عام 1895.

كثيرة هي شهادات الحجّاج والزوّار الذين توافدوا إلى فلسطين عبر ميناء يافا العريق، وزاروا معالمها قبل وصولهم إلى مدينة القدس لأداء الصلوات وزيارة معابدها.

هذه الشهادات تعزّز الحقيقة التاريخيّة عن جمال وفخامة مدينة يافا، التي كانت مركزاً تجارياً وثقافياً ورياضياً منذ القرن التاسع عشر وحتى النكبة التي حلّت على فلسطين عام 1948.

وانعكس التقدّم والرقي والازدهار الذي ساد آنذاك على مجالات عدة في يافا أهمها المعمار المندمج مع الزراعة، التي كانت شريان الحياة الاقتصادية في فلسطين عموماً ويافا على وجه الخصوص، واستقطبت المستثمرين وأصحاب رؤوس الأموال الذين استقرّوا فيها عشرات السنين، معتمدين على تجارة وتسويق البرتقال الذي تواجد في كل بقعة من بقاع يافا وقضائها.

مع مرور السنين وطيّ الحقبة التاريخيّة الجميلة، طمست معالم عشرات البيوت الفاخرة التي بنيت داخل البيّارات العديدة. جزء منها أهمل والجزء الآخر هُدم مع التوسع المعماري أوائل خمسينيات القرن الماضي، وبنيت عمارات سكنيّة لاحتواء السكّان الجدد من اليهود الذين قدموا إلى فلسطين من جميع بقاع العالم. وهكذا اقتلعت مئات البيارات لتشييد المشاريع السكنيّة مكانها.

يعود تاريخ هذه البيارات التي تواجدت في "السكنات" (الأحياء الزراعيّة التي قطنها فلاّحو ومزارعو قضاء يافا) إلى عهد الحكم المصريّ، وبالتحديد عام 1830. في حين وصلت الجيوش المصريّة بقيادة إبراهيم باشا، ابن والي مصر محمد علي باشا، إلى الشام عبوراً في فلسطين وبالتحديد المدن الساحليّة. وبعد فشل الحملة عام 1841، انسحب الجيش المصري إلى بلاده، واستقرّ مزارعون وفلاّحون مصريون في مواقع عدة في فلسطين، من بينها منطقة يافا الغنيّة بالأراضي الخصبة القريبة من منابع مياه طبيعيّة منها نهر العوجا من جهة الشمال، وجدول روبين من جهة الجنوب، والمياه الجوفيّة التي يصل عمقها إلى 8 أمتار، على عكس باقي المناطق التي تحتاج إلى الحفر مسافات أعمق للوصول إلى المياه.

مبنى سكني قديم يحتاج للترميم - العربي الجديد 





وتنشط أخيراً أعمال ترميم بعض البيوت التي كانت جزءاً من البيّارات التي اقتلعتها الدولة العبريّة ومؤسّساتها بعد النكبة عام 1948، والتي وصل عددها إلى 250 بيتاً. وتبقّى منها ما يقارب المائة بيت اليوم، ويجري الحديث عن ترميم 45 بيتا منها على الأقل.

وتنجز أعمال الترميم شركة إسرائيليّة تتعاون مع قسم الهندسة والتخطيط في بلدية تل أبيب يافا، ومديريّة أراضي إسرائيل، وشركة "عميدار" للسكن، وهي تمتلك العديد من أراضي وممتلكات اللاجئين الفلسطينيين، وتتصرف بها بدون رادع أو معارضة أو مراقبة مهنيّة.

مساحات كبيرة من البيارات تتحول إلى مشاريع سكنية لليهود- العربي الجديد 



ولا يسبق الترميم في أغلب الحالات طرح استبيان بشأن قطعة الأرض، أو بيت البيارة، أو دراسة الخلفيّة التاريخيّة للمكان، وفحص مطالب السكّان المجاورين، وإنما يكون عمل الشركة انفرادياً، وتنتهي جميع مشاريع الترميم لصالح المستثمرين الجدد الذين يستغلّون الموقع التاريخيّ في بناء مشاريع للسكن، بأسعار خياليّة تلائم الشريحة الغنيّة من سكّان المنطقة اليهود.

المشروع السكني الذي يفتتح قريباً تحت اسم "نويا" في شارع سلمة 6 الملاصق لحيّ النزهة التاريخيّ. والبيت الذي كان ملكاً لعائلة مراد الفلسطينيّة التي هُجّرت عام النكبة، وتحوّلت أملاكهم إلى أملاك الغائبين حسب القانون الإسرائيليّ، الذي شرّع استملاك الأغلبيّة العظمى لأراضي وأملاك اللاجئين، وسمح للذين لم يهاجروا إلى "دول العدو" (أي الدول العربيّة المجاورة) إمكانيّة استرجاع ما تبقّى من أراضٍ وممتلكات في حال عدم استغلال الدولة العبرية وجيشها لها، مثلما حصل في غالبيّة أراضي فلسطين المحتلّة.

يبدو واضحاً ترميم الجزء الأعلى من المبنى القديم - العربي الجديد 



بيوت أخرى يُحافظ عليها وتُرمم هي بيوت آل وردة وبركات سابقاً، الكائنة شرقي حيّ النزهة وبالتحديد في طريق يافا-غزّة القديم. ومن المقرر بناء 1500 وحدة سكنية على الأراضي الفارغة التي كانت بيّارات سابقاً، ومن ثم ملعب كرة قدم بعد النكبة، بالإضافة إلى مبنيين بالقرب منها.

كما تُبنى 1600 وحدة سكنية ومراكز تجاريّة ملاصقة للمباني التاريخيّة التي أبقاها الترميم شاهدة على أمجاد وتاريخ المدينة العريقة التي طُمست أغلب معالمها العربيّة منذ النكبة وحتى اليوم. فهدم مئات المباني، أو دمج البناء الجديد مع القديم، وتحويل الأخير إلى قطعة تزيّن المشروع الجديد وتجذب السكّان الجدد وبالأخص الأغنياء، بهدف زيادة عدد السكّان اليهود في المدينة التي كانت مركزاً عربياً محلياً وقطرياً وإقليمياً حتى عام 1948.



دلالات