بين محمد المختار الشنقيطي وطارق رمضان

09 ديسمبر 2018
+ الخط -
"طارق رمضان كان صرحا من خيال فهوي".. ذلك هو عنوان مقال الشنقيطي، الذي أراد به أن يطوي علاقته بمديره السابق طارق رمضان، وأن يبرأ من عهدة وبواعث دفاعه المستميت عنه في مقال سابق له، عنونه بـ"الخيانة الثقافية ومحنة الدكتور طارق رمضان"! وكلاهما على مدونات الجزيرة.

لفّ الشنقيطي في ذاك المقال ودار ليصف ما يتعرض له طارق رمضان المفكر الإسلامي المعروف بأنه خيانة ثقافية وحملة تشويه شنيعة تصل إلى محاولة الاغتيال المعنوي بتشجيع من اللوبي الصهيوني وترويجٍ من كبريات الصحف.

وشبَّه الرجل هندة عياري بسلمان رشدي وأيان هيرشي أصحاب طموحات الشهرة الارتزاقية بالهجوم على الإسلام، وأن ما قامت به المدعية هو فصل جديد وقذر من حرب الصهاينة على كل صوت إسلامي يكسب المصداقية العالمية، ويكشف جرائم الصهيونية، يهدف لشيطنة كل صوت إسلامي مناهض للاستبداد، رافض لاحتلال فلسطين، وكاشف لجرائم الصهونية، كجزء من الحرب الفكرية والنفسية، المصاحبة دائما للتحولات الاستراتيجية الكبرى، وأن توقيت الدعوى ليس صدفة إذ يتزامن مع الذكرى الخمسين لحرب (67) والمائة لوعد بلفور والسبعين لتأسيس إسرائيل، علاوة على ما تمر به المنطقة مما ظاهره خلاف خليجي وباطنه اصطفاف مع إسرائيل!!


هكذا شاء الشنقيطي أن يجعل (كل الصيد في جوف الفرا) وأن يحشر في مقاله كل هذه الأسماء والقضايا التاريخية والمعاصرة: البروفيسور علي المزروعي وطارق رمضان، وسلمان رشدي، وآيات هيرشي، وهندة عياري، ورواية العار، وآيات شيطانية، واخترت ان أكون حرّة، والهجوم على الإسلام، والعنصرية، والاستبداد، ووعد بلفور، وحرب 67، وقيام إسرائيل، والاستبداد، والثورة، والانقلاب، والأزمة الخليجية. (هل بقي شيء لم يذكره الرجل؟).

راسلت الشنقيطي أحذّره من المجازفة بالدفاع عما لا علم له به، وأسأله كيف يهاجم المدّعية والأمر أمام القضاء؟ فأجاب بأنه سأل عنها، وعلم من مصادر موثوقة أنها علمانية تهاجم الإسلام، ولها علاقات بالصهيونية. وكلام من هذا القبيل الذي تضمّنه المقال.

لم يكن طارق رمضان حينها بحاجة للمجاملة بالدفاع من الشنقيطي ولا من غيره، وكان عليه أن يدافع هو عن نفسه، وأقصى ما يفعله له محبوه: أن يسألوا الله له العافية. وليس من المروءة الآن أن يدبج الشنقيطي مقالا يهجو فيه طارقا، ويستعرض تمسّكه هو بالقيم والأخلاق والفضائل وتعاليم الإسلام، ويتشفى من خصومة شخصية سابقة صرح بها في المقال الأخير.

لم يبلغ الشنقيطي مبلغ طارق رمضان في الحضور والتأثير والشهرة، لكنّه اختار السقوط، قرأت مقاله وهالتني تلك الطريقة المزرية لرجل كان يعوّل عليه بعضهم في ما يستقبل من الملمات، يدافع دفاعا مستميتا أعمى عن أمر لم يشهده لما كان طارق رمضان يرجى ويخشى، ويهاجم هجوما ضاريا مشينا، يجهز فيه على من صار في موقف لا يستطيع فيه أن يدفع عن نفسه، وهذا ليس من البطولة في شيء.

نصّب الشنقيطي نفسه محاميا يستحضر أدلة البراءة في الأولى، ثم قاضيا يسوق قرائن الإدانة في الثانية، وما هو بالمحامي ولا القاضي، وفي كلتا المرتين يُلبس كلامه ثوب الفضيلة، وبنص كلامه: (لولا المسؤولية الشرعية والأخلاقية المتعينة وواجب النصح للمسلمين لوسعه السكوت).

ولكي يبرِّأ نفسه من الدفاع الأول، صبغ عليه حكم الوجوب الشرعي، والآن من حقه باعتباره واحدا من الذين تحمّسوا (جدا) في الدفاع عن طارق رمضان: أن يرفضوا الاستمرار في حالة الاستغلال والاستغفال. ولا أدري كيف يستغفل سجين رجلا يعرِّف نفسه بأنه أستاذ سياسة؟!

ثم ينتهي الشنقيطي بعد أن جسَّد الإسلام في شخص طارق في المقال الأول، إلى أحد (الدروس العظيمة المستخلصة من كل هذا: ألا نجسِّد الإسلام في شخص، مهما بَدَا من ملامح الصلاح في علانيته. فالإسلام فوق الجميع، وهو يعلو ولا يُعلى عليه، والله غنيٌّ عن العالمين).

وقد أدرك هذا الدرس من أول الأمر كلُّ من أمسك عن الخوض في قضية شخصية مهما بلغت شهرة صاحبها، ومهما بدت تفاصيلها مغرية بالتعليق، ولم يكونوا بحاجة للشنقيطي ليصل بهم إلى هذا الاكتشاف العظيم، ولا لكل هذا الوقت الذي احتاجه حتى يعي الدرس في النهاية.

وخلاصة الأمر، لا يحق للكاتب أن يشغل قرّاءه بمعاركه الشخصية في حال الرضا والرجاء، ثم في حال الخصومة والاشتفاء، وأولى به أن يشغلهم بما هو أهم وأنفع، من مجرد الخوض في تفاصيل حياة شخصية حتى ولو كان صاحبها متهما بالاغتصاب أو له علاقات خارج إطار الزواج، فمحلّ هذا أخبار الصحف لا مقالات الرأي، كما لا يحب الكاتب أن يتطرق أحد إلى تفاصيل حياته الشخصية، وما إلى ذلك.