بين محاكمة ترامب ومناظرة الديمقراطيين: الغموض سيد الموقف

21 نوفمبر 2019
كان ترامب محور الحدثين الكبيرين (Getty)
+ الخط -

يوم غير مسبوق في واشنطن. من التاسعة صباحاً حتى قرابة منتصف الليل، لم يتزحزح ملايين الأميركيين الأربعاء من أماكنهم لمتابعة مجريات حدثين كبيرين متتاليين: جولة استجوابات هامة لمحاكمة الرئيس في الكونغرس، والمناظرة بين المرشحين الديمقراطيين للرئاسة. في كليهما كان دونالد ترامب هو المحور. ورطته الأوكرانية تتعمّق، ولو أنها لم تصل بعد إلى الخط الأحمر، وقد لا تصل إذا ما بقي تماسك الجمهوريين في الكونغرس حوله على حاله. في المقابل، وعلى الرغم من تزايد متاعبه، لم يقوَ خصمه الديمقراطي حتى الآن على إفراز قيادة، وبلورة أجندة لمعركته الانتخابية، وما زالت الشكوك تتزايد في صفوفه حول قدرة أي من مرشحيه الحاليين على هزيمة ترامب، الأمر الذي أثار حالة من البلبلة والمراوحة في وضعه، بعد خمس مناظرات بين مرشحيه، وعزّز احتمال دخول مرشحين جدد إلى المعركة في هذا الوقت المتأخر؛ وخلافاً للتوقعات قد يبقى الأمر كذلك حتى مطلع العام القادم.

إفادات الشهود الثلاث اليوم أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، حسمت الجدل تقريباً، وإن ليس إلى حد اليقين الملموس، حول نقطة المقايضة التي يبدو أن الرئيس سعى إليها مع القيادة الأوكرانية لنبش مآخذ على خصمه الانتخابي جو بايدن، تقضي على إمكانية فوزه ضد ترامب، أقواها جاء على لسان السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند الذي كان ضالعاً في التواصل مع الرئيس الأوكراني بهذا الخصوص. وأهمية إفادة سوندلاند أنه محسوب على الرئيس الذي عيّنه في هذا المنصب، كمكافأة له على تبرعه بمليون دولار لحفل تنصيبه في 2017. وصبّت في نفس المجرى، وإن بصورة ملتوية، إفادة كل من دافيد هول الرجل الثالث في وزارة الخارجية، ولورا كوبر نائبة مساعد وزير الدفاع.

حصيلة الشهادات، معطوفة على ما أدلى به الدبلوماسيون الثلاثة الأسبوع، أطاحت، وإلى حدّ بعيد، بنفي الرئيس وجود أية مقايضة، ومن المتوقع أن يتعزز هذا الثبوت من خلال إفادتَي شاهدين هامين، دافيد هولمز، وفيونا هيل التي عملت في البيت الأبيض كاختصاصية في الشأن الروسي.


في ضوء ذلك، يجري الحديث حول سيناريوهين اثنين: إما تحميل المسؤولية في هذه القضية لمحامي الرئيس رودي جولياني، باعتبار أنه تولى ملف الاتصال مع القيادة الأوكرانية وإن بتكليف من الرئيس، وإما التسليم بأن محاولة المقايضة حصلت فعلاً، لكنها لا ترقى إلى مستوى الجريمة التي تبرّر عزل الرئيس، لأن المساعدة العسكرية الأميركية لأوكرانيا أفرج عنها الرئيس من دون أن تباشر السلطات الأوكرانية أي تحقيق في وضع الشركة الأوكرانية، التي كان ابن جو بايدن يعمل فيها. وهذا اجتهاد مجادل فيه قانونياً من باب أن الجرم وقع بمجرد البدء بمحاولة المقايضة، لكنّ البتّ بشأنه يعود بالنهاية إلى مجلس الشيوخ الذي يصدر حكمه السياسي في الموضوع، إلا إذا كانت التهمة من العيار الذي يتعذر دحض صفتها الجرمية. ومثل ذلك احتمال قائم، طالما لم تنتهِ التحقيقات بعد، وخصوصاً إذا شملت مستشار الرئيس السابق جون بولتون، ومدير عام البيت الأبيض (كبير الموظفين) ميك مولفاني، اللذين رفضا طلب اللجنة للإدلاء بشهادتيهما، لكن يمكن إجبارهما على المثول باستدعاء إلزامي، قد يأخذ تنفيذه بعض الوقت الذي يتطلبه القضاء للبت بشأنه.


المفارقة أنه على الرغم من هذه التحديات التي يواجهها ترامب، وما تنطوي عليه من مخاطر وإعطاب لرئاسته، ما زالت بعض نخب وقواعد الحزب الديمقراطي متخوفة من خوض معركة الرئاسة بأحد المرشحين الموجودين على الساحة الآن. فهناك قلق من "تعثر" جو بايدن في الأداء، وحذر من يسارية و"اشتراكية" كل من السناتور يبرني ساندرز والسناتور إليزابيت وارن، وعدم ارتياح من مثليّة بيتر بوتيجياج. خشيتهم أن هذه الأعطاب والتوجهات تعطي ورقة سهل توظيفها للرئيس ترامب، ليجدّد رئاسته. يضاف إلى ذلك، أن الآخرين تعذر عليهم حتى تسويق ترشيحهم إلى ما لا يزيد عن 2 إلى 6 %، مثل السناتور كامالا هاريس، والسناتور كوري بوكر، والسناتور آمي كلوبوشار. وضعٌ حوّله بعض الطامحين إلى ذريعة ربما تكون منطقية، إلى دخول المعركة الآن مثل الحاكم السابق لولاية ماساتشوسس دافل باتريك، ورئيس بلدية مدينة نيويورك السابق مايكل بلومبرغ، الذي قام بخطوات وضعته على عتبة إعلان ترشيحه. ومثل هذا الدخول المتأخر قد يكون سيفا ذا حدين، إذ بقدر ما يكون من باب التحوط، قد يكون أيضاً من نوع التطور الذي يربك الساحة الديمقراطية، ويزعزع الثقة بأحد هؤلاء المرشحين، الذي يرسو عليه الاختيار في النهاية. ومناظرة الليلة لا يبدو أنها غيرت هذه الحسابات، فهؤلاء الخمسة المتفوقون بقوا في الطليعة، وعلى رأسهم بايدن، مع تقدم طفيف للمرشح بوتيجياج وتحسّن لوضع كل من هاريس وبوكر، لكن المعادلة إجمالاً بقيت تقريباً على حالها. وهكذا التباينات بين أجندت المرشحين ومقارباتهم، فهم في حيرة بقدر ما الرئيس في ورطة.

المساهمون